نعود هنا مرة أخرى إلى تأمل إعلام جماعة الإخوان والملتحقين بهم من حلفاء وشركاء وأصدقاء، سواء التقليدي أو منصاتهم الإلكترونية، والموجه من خارج مصر، ضد ما يفترض أنه بلدهم، أي مصر، على مدار الأربع وعشرين ساعة يومياً.
وهذه المرة تبرز ملاحظة جوهرية رئيسية تحكم كل أداء هذا الإعلام في جميع فقراته وبرامجه ومنصاته وفي كل الأوقات، وهي بحث القائمين عليه دون كلل أو ملل طوال الوقت عن الأحداث أو الوقائع أو "الحوادث"، السلبية والإجرامية والتراجيدية، لكي ينطلقوا منها في تعميم مخلٍّ ومقصود باعتبار أنها متكررة بصورة تصل بها لمرحلة الظواهر، التي تجتاح المجتمع المصري كله دون توقف ولا استثناء لأي قطاع منه.
ولا يتوقف الإعلام الإخواني فقط عند تعميم حادثة أو حادث فردي، لكي يروج – كذباً – أن هذا هو إجمالي الحال في مصر كلها، بل إنه يتجه مباشرة إلى تجاهل خصوصية بعض هذه الأحداث أو الحوادث ذات الصلة بعوامل فردية وشخصية وغيرها، لكي يتخذ منها سنداً لترويج الهدف الذي يسعى لتحقيقه، وهو المسؤولية المباشرة لنظام الحكم في البلاد عن هذا الحادث أو الحادثة بعد أن يعممه زوراً، عنه مباشرة وعن كل ما يجري في البلاد من أمثاله بصورة فردية، ويتخذ من هذا التزوير والتعميم منطلقاً لمواصلة الهجوم الذي لا يتوقف على نظام الحكم، الذي هو الهدف الرئيسي لذلك الإعلام الإخواني.
والحقيقة أن هذا الإعلام من هذه الزاوية وما يختاره متعمداً من حوادث فردية يقوم بتعميمها، يبدو نموذجاً رديئاً لصفحات الحوادث في الصحف والمجلات والمواقع الإخبارية، التي مهمتها الرئيسية - باعتبارها لوناً صحفياً محترماً - هي نشر وتحليل ما يحدث في المجتمع من حوادث فردية من كل أنواع الجرائم، وإلقاء الأضواء على تفاصيل وقوعها وتطوراتها الواقعية والقانونية والإنسانية.
ولم يحدث في أي إعلام يحترم مهمته ومهنته وتخصصاتها الفرعية على مستوى العالم، أن طغت صفحة الحوادث على كل الصفحات الأخرى بحيث تكون هذه مجرد انعكاس لحوادثها الفردية وتنطلق منها لتحليل المجتمع والدولة والإقليم والعالم.
لكن إعلام الإخوان ينفرد بهذه السابقة التي لا مثيل لها تاريخياً في العالم، لكي تدفعه أهدافه السياسية الخالصة ومساعيه المحمومة نحو السراب الضائع، وهو العودة لحكم مصر، لكي يتحول بالكامل إلى إعلام صفحة الحوادث، وبافتقاد كامل لكل القواعد المهنية المستقرة التي تحكم أداء هذا النوع من الإعلام المحترم.
ليس هذا فقط، بل إن هذا الإعلام الإخواني أيضاً يعتمد في كل أدائه على القاعدة الأسوأ في الإعلام كما يراها معظم العاملين به والمتخصصين فيه على مستوى العالم. وتتلخص هذه القاعدة في أن الخبر هو "رجل عض كلباً وليس كلباً عض رجلاً"، وهي تلخص ما اصطلح على تسميته "إعلام الإثارة والفضول"، وليس إعلام الحقائق والوقائع المتكررة. وهذا النوع من الإعلام باحث طوال الوقت عن متابعين له وباحثين عما ينشره، مخاطبة منه لغرائز البعض وافتنانهم بالغرائب وحبهم للإثارة والفتن، وهذا هو بالضبط ما يفعله طوال الوقت إعلام الإخوان.
وعلى طريقة "الرجل الذي عض كلباً"، تتناول كل وسائل الإعلام الإخواني في يوم واحد وأحياناً في نفس الساعة، حادثة واحدة جنائية أو حتى سياسية، لكي يظهرها على طريقة إعلام الإثارة بأنها تتكرر على مدار الساعة في كل أرجاء مصر، وأنها ليست مجرد حادثة فردية بل هي ظاهرة عامة تنتشر بنفس خصائصها، المسؤول عنها جميعاً هو نظام الحكم. وبالطبع لن يعدم الإعلام الإخواني باعتباره تشويهاً منحرفاً لصفحات الحوادث، في أن يجد يومياً عدداً من هذه الحوادث بمختلف أنواعها في بلد يفوق عدد مواطنيه وسكانه 105 ملايين شخص، وأن يجد بينها أحياناً حادثة "لرجل عض كلباً"، لكي يستمر في أداء مهمته السياسية التي تلتحف زوراً وبهتاناً برداء الإعلام، ويحاول بكل الطرق تعميمها على البلد كله، خصوصاً مسؤولية نظامه السياسي عنها.
حقاً إنه إعلام صفحة الحوادث "والرجل الذي عض كلباً".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة