مبادرة دولة الإمارات إلى تبني موقف واضح وقوي تجاه موافقة الحكومية السويدية لعملية حرق المصحف الشريف، مؤخراً، حيث استدعت وزارة الخارجية سفيرة السويد لدى الدولة، ليزلوت أندرسون، وأبلغتها رسالة احتجاج واستنكار شديدة موجهة لحكومة بلادها.
هذه المبادرة، تحمل دلالة أنه كما تسعى الإمارات إلى تبني نهج التعايش والتسامح الإنساني، فهي أيضاً تتخذ مواقف واضحة وقاطعة فيما يتعلق بإهانة المقدسات وعدم احترام القيم والمبادئ الدينية والاجتماعية تحت بند حرية التعبير كما تدعي الحكومة السويدية.
لهذا الموقف الإماراتي وجهان لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر. الوجه الأول: إنساني، الذي يفترض المساواة والعدل والحياد مع الإنسان بصفته الإنسانية هذه وحسب. وهو الوجه الذي تدافع عنه الإمارات وغيرها من دول العالم المحبة للعيش المشترك بين البشر أجمع في كل بقاع الكرة الأرضية.
أما الوجه الثاني: فهو الوجه السياسي، وهو بدوره مرتبط مباشرة ليس فقط بحاضر وواقع الإنسانية بل أيضاً بمستقبلها. وذلك من مدخل الصلة المباشرة للاستقرار والسلام والأمن العالمي، بالقضاء على العنصرية ومواجهة الكراهية ومكافحة التطرف والنزعات الإقصائية. حيث النوازع الاجتماعية ومحركات النفس البشرية سواءً كانت عقائدية أو فكرية أو سياسية، هي أساس الشرور الإنسانية وبالتالي النزاعات والصراعات واستخدام العنف والسلاح لتحقيق أهداف مرتبطة بتلك النزعات غير السوية أو تترجم مفاهيمها العنصرية الضيقة.
ومن المفارقات أن دولة الإمارات كانت تبنت قبل أسبوعين فقط قراراً في مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص. وتولّت الدولة خلال رئاستها لأعمال المجلس إعداد مشروع القرار رقم 2686 وشاركتها في صياغته بريطانيا، يعتبر خطاب الكراهية سبباً للنزاعات المسلحة وبالتالي مصدراً لعدم الاستقرار وتهديد السلم والأمن العالميين. وكأن الإمارات تستشعر أهمية وضرورة التحرك الدولي وتقنين الجهود الدولية لمواجهة تلك النزعات المتطرفة التي بدأت تتنامى وتنتشر على نحو يهدد أمان العالم واستقراره.
الغريب في موقف الحكومة السويدية وغيرها من الدول الأوروبية أنها تدرك، الأضرار الكارثية للكراهية والخطابات التحريضية التي بدأت تسود المجتمعات الأوروبية ليس فقط تجاه "الآخر" من أصحاب الديانات المختلفة، لكن أيضاً تجاه القوميات والأجناس المختلفة. غير أن الموقف العملي الذي تتخذه تلك الدول ومن بينها السويد، لا يترجم ذلك الإدراك إلى واقع عملي أو قرارات قابلة للتنفيذ وفعالة في منع تلك الألغام المجتمعية الموقوتة. على اعتبار أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها حرق المصحف الشريف في السويد. وفي المرات القليلة التي كانت السلطات هناك ترفض السماح بذلك العمل المثير للفتنة، كان يلجأ أولئك المتطرفون إلى القضاء فيحكم بأحقيتهم في التظاهر وحرق ما يشاؤون، واعتبار ذلك من أشكال حرية التعبير!.
ما يمكن فهمه من هذا الموقف، أن هناك ازدواجية واضحة بين الخطاب الغربي الذي يرفض الكراهية والعنصرية، والسلوك الفعلي بل وأيضاً تفسير المبادئ التي يجري تشريع القوانين على أساسها. وتصير الازدواجية تناقضاً صارخاً ومريباً، حينما يتعلق الأمر بملفات أخرى يختلف التعامل الغربي معها كلية، مثل انتقاد الهولوكوست. وهناك أمثلة وشواهد أخرى كثيرة على الخلط والمغالطات في التفرقة والتمييز بين ما هو مسموح به بل وحق من حقوق الإنسان، وما يتعلق بمقدسات أو مبادئ وقيم أساسية لدى الشعوب.
إن ما تقوم دولة الإمارات ومعها بعض دول العالم لمواجهة تلك التجاوزات، يعد دوراً تاريخياً ومسؤولاً أمام شعوب العالم وليست فقط دينية لصالح هذا الدين أو ذاك. ولأن الإمارات تدرك جيداً ما في هذه التجاوزات من مخاطر وتبعات كارثية، فإنها تضطلع بتلك المسؤولية الكبيرة، حيث تجمع سياساتها وتحركاتها بوعي وذكاء وحكمة بين ضرورة التعايش الإنساني والتسامح وتقبل الآخر، والحفاظ على القيم والمبادئ والمرجعيات الأساسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة