يمثل التقارب الأخير لدولة الإمارات مع عدد من الدول الإقليمية والدولية نموذجاً لقدرة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، على بناء علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية كافة.
ووضع سياسة تنويع الشركاء موضع تنفيذ فعلي يضمن لدولة الإمارات تحقيق مصالحها الاستراتيجية، كما يعزز مكانتها وثقلها الإقليمي والدولي، بما يمكن قدرتها على لعب دور حيوي في تسوية الأزمات وإنهاء الصراعات.
وقد انعكست هذه النجاحات في محطات بارزة؛ من أهمها بناء شراكات استراتيجية مع روسيا، وكوريا الجنوبية، والصين، والهند، وفرنسا، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة، وكذلك الحال بالنسبة للقوى الإقليمية كتركيا وإيران، كما انعكست هذه النجاحات في عقد اتفاق سلام مع إسرائيل دون المساس بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مع السعي لتفادي الصدام مع الجار الإيراني، والانخراط الفاعل في جهود مكافحة تنظيمات الإرهاب إقليمياً ودولياً، ودعم كفاح الشعوب العربية للخلاص من حكم هذه التنظيمات عقب الفوضى والاضطرابات التي عمت المنطقة في عام 2011.
كما يتضح ذلك من خلال اتجاه دولة الإمارات إلى تبني سياسة بناء الجسور مع القوى الإقليمية بعد مضي عقد كامل من الخلافات والتوترات، حيث تم طي صفحة الخلافات مع تركيا، وفتح باب الحوار مع إيران، والسعي لإعادة بناء علاقات إقليمية قائمة على تبادل المصالح والنأي بالمنطقة عن أسباب وعوامل الصراع والتوتر.
كما لعبت دولة الإمارات دوراً فاعلاً في مساندة ودعم اللاجئين السوريين ثم إعادة بناء الجسور مع حكومة الرئيس بشار الأسد، كما كان لها الدور الأكبر في نجاح إعادة دمج سوريا في محيطها القومي والنظام الإقليمي العربي مجدداً رغم معارضة قوى كبرى كالولايات المتحدة للتوجه الإماراتي في هذا الشأن.
ونجحت دولة الإمارات في غرس سياسات قائمة على نشر التسامح والاعتدال والتعايش في منطقة الشرق الأوسط، حيث لعبت هذه السياسات دوراً مهماً في احتواء خطر التطرف والتشدد والإرهاب.
والترويج لنموذج التعايش الإماراتي القائم على الانفتاح وقبول الآخر، بكل ما يمتلك من جاذبية وقدرة على توفير الأجواء اللازمة للتنمية وصناعة نموذج العيش الذي يحلم به ويطمح إليه ملايين الشباب في المنطقة العربية والعالم.
كما أصبحت دولة الإمارات أيقونة عالمية للتعايش والتسامح ورمزاً للتعددية وملتقى لحوار الأديان، الذي يأتي في توقيت بالغ الدقة عالمياً في ظل صعود التطرف والتشدد الديني وتفشي الإرهاب في مناطق شتى من العالم.
ويعد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، رائداً للتحديث والنهضة في دولة الإمارات، حيث نجح في العبور بالدولة إلى أجواء التنافسية العالمية في القرن الحادي والعشرين من خلال سلسلة متلاحقة ومتنوعة من الإنجازات التنموية الكبرى في مختلف المجالات مثل استكشاف الفضاء، والطاقة النووية السلمية، واقتصاد المعرفة، والتحول الرقمي، والتكنولوجيا المتقدمة، والطاقة المتجددة، والبنى التحتية.
وقد حقق الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بموازاة ذلك كله طفرة هائلة في بناء الوعي الوطني لدى أجيال الشباب من خلال برنامج الخدمة الوطنية في القوات المسلحة، الذي أحدث نقلة نوعية بالغة الأهمية في تشكيل وتكوين وعي الشباب الإماراتي بأجندة وطنه والتحديات التي تواجه دولته وشعبه.
لقد نجحت دولة الإمارات في التحول إلى عاصمة عالمية للإنسانية، واعتلاء عرش تقديم المساعدات الإنسانية عالمياً، بما يضفي على سياستها الخارجية المزيد من الاحترام والتقدير العالميين، لا سيما أنها أثبتت بالفعل قناعاتها بالمبادئ الإنسانية والحضارية وتجذر هذه المبادئ التي تترجم إلى خطط عمل لنشر الأيادي البيضاء لمساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين دون تفرقة بين لون وجنس وعرق ودين.
من الواضح أن دولة الإمارات في عهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تميل إلى استشراف المستقبل وتبني مواقف وسياسات تتماهى مع الواقع الاستراتيجي الدولي المتغير في ظل احتدام التنافس والصراع بين الصين والولايات المتحدة، وقد نجحت هذه السياسة وتلك المواقف الموضوعية المحايدة في الاحتفاظ لدولة الإمارات بعلاقاتها ومصالحها وشراكاتها الحيوية مع القوى الدولية والإقليمية المؤثرة.
ويمكن هنا الاستشهاد بالتطور الإيجابي الحاصل في علاقات دولة الإمارات مع كل من إيران وتركيا، حيث شهدت علاقات الدولة مع هاتين القوتين الإقليميتين تحولات نوعية إيجابية أسهمت بشكل قوي في إضافة زخم للتقاربات التي حدثت بعد ذلك بين طهران وأنقرة من ناحية ومعظم العواصم الخليجية والعربية من ناحية ثانية.
وتكمن أهمية هذا التحرك الاستباقي الإماراتي في كونه يملأ فراغاً استراتيجياً متوقعاً نتيجة غياب أو انحسار النفوذ الأمريكي، وهو ما كان يتوقع أن تشغله بالتبعية القوتان الإقليميتان المتنافستان (إيران وتركيا) للهيمنة في الشرق الأوسط، ما يعني نزع فتيل صراع إقليمي متوقع، وتبريد الأجواء والدفع باتجاه التعايش والأمن والاستقرار بديلاً للصراع والأزمات التي عانت منها المنطقة طيلة السنوات الماضية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة