مشاركون بمؤتمر الإفتاء: التعصب المذموم ظهر مع جماعات التطرف
الجلسة الافتتاحية لليوم الأول من المؤتمر العالمي لدار الإفتاء المصرية جاءت تحت عنوان "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"
أكد مشاركون في "مؤتمر الإفتاء العالمي" المنعقد بالقاهرة، أن الجماعات المتطرفة خطر حقيقي على السلم العام، وأن النزعات العصبية بدأت في الظهور مع تلك الجماعات، الأمر الذي زرع الفتن والصراعات بين أفراد المجتمع.
وقال المستشار حسام عبدالرحيم، وزير العدل المصري، إن بلاده هي مقصد العلم والعلماء ومهد الحضارة للبشرية كافة، خصوصاً في مجال الشريعة الإسلامية وعلومها بمؤسساتها المختلفة التي تحافظ على وسطية الإسلام، مشيرا إلى أن مؤتمر دار الإفتاء يحمل العديد من القضايا التي تهم الأمة الإسلامية.
وأضاف الوزير، خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية لليوم الأول للمؤتمر العالمي لدار الإفتاء المصرية المقام تحت عنوان "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، أن إدارة الخلاف الفقهي من المحاور التي تأمل جماهير الأمة الإسلامية بأن يخرج منها علماء الأمة بحلول جذرية، لافتا إلى أن الجماعات المتطرفة أصبحت تمثل خطرا حقيقيا على السلم العام الداخلي والعالمي.
وأوضح "عبدالرحيم" أن الخلاف الفقهي بين العلماء على مدار الزمن كانت تنتج عنه المسائل التي تسهل على المسلمين في شتى بقاع الأرض في مختلف تعاملاتهم، موضحًا أن جميع مؤسسات الدولة تنتظر التوصيات التي سيخرج بها هذا المؤتمر للعمل على تنفيذها من خلال الجهات المتخصصة.
وانطلقت، صباح الثلاثاء، من القاهرة، فعاليات المؤتمر العالمي الخامس للإفتاء الذي تعقده الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم تحت عنوان: "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، برعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبحضور وفود من كبار العلماء والمفتين من 85 دولة على مستوى العالم.
الفوضى الأخلاقية وصراع التيارات
أعرب الدكتور محمد الخلايلة المفتي العام للمملكة الأردنية الهاشمية، عن امتنانه بالمشاركة في المؤتمر العالمي للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، قائلا: "على هذه الأرض الطيبة أحييكم بتحية الإسلام، واسمحوا لي أن أشكر دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور الإفتاء في العالم في مقرها بجمهورية مصر العربية، ونسأل الله أن يحفظ مصر شعبا ورئيسا وحكومة".
وتابع الخلايلة، مثمنا حسن اختيار الأمانة العامة لموضوع المؤتمر هذا العام حول إدارة الخلاف الفقهي والتعامل معه بأسلوب حضاري، لافتا إلى أن التعامل مع الخلاف بأسلوب علمي هو الأسلوب السائد، وكلنا يدرك ثناء الإمام أحمد على الشافعي وقد خالفه في الكثير من المسائل، هكذا كان يتسم الأدب في التعامل مع الأسلوب الحضاري في إدارة الخلاف الفقهي.
وأوضح أن أدب الاختلاف أصل عتيد في شريعتنا الإسلامية وليس محل خلاف أو اختلاف، وقد نهل الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح من معين هذا الأدب وارتشفوا من رحيقه. ولفت النظر إلى أن الاختلاف واقع لا محالة لعوامل متنوعة، في مسائل تختلف فيها المدارك والأفهام، ولهذا لم يقصد سلفنا الصالح الاختلاف لذاته، بل كان الهدف عند الجميع هو القصد إلى موافقة الشارع فيما قصد، لذا فإن المختلفين وإن اختلفوا في مسألة معينة فهم متفقون من جهة القصد إلى موافقة الشارع والوصول إلى مراده، فالمجتهد الذي يملك أدوات الاجتهاد مأجور على الاجتهاد سواء أصاب أو أخطأ، ونتساءل اليوم كيف سيطر هذا الأدب الجم على الخطاب المعاصر؟
وأضاف مفتي الأردن، أن فوضى الواقع والانحياز إلى أفكار منحرفة قد ذهب بهذا الأدب وأصبح الخلاف مذموما ينطوي على الغرور والتعصب لاتجاهات معينة وأقوال أشخاص وجماعات ولو كان في هذا مخالفة صريحة للأدلة الشرعية، فمتى كان في فقهنا الإسلامي أن من يحرق نفسه أو يقتل نفسه شهيدا؟ كما أصبح الرد على المخالف بالسب والطعن في العلماء، ولا نعتقد أن هناك فوضى في الفتوى في هذا الزمن بقدر ما نشعر أن هناك فوضى أخلاقية وصراع تيارات عمت العقول عن إدراك الخلاف، ونتمنى أن نجد ردودا شرعية وقبولا للرأي الآخر، لأن الفوضى جرفت الكثير من الأقدام والأذهان وانساق معها الكثير أنها أهواء تلاعبت بكثير من العوام.
ودعا إلى الاجتهاد الجماعي خصوصاً في القضايا التي تهم الأمة جمعيا لضبط مقاصدها، لافتا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استشار الصحابة في أكثر من واقعة، ولو عدنا إلى سنوات مضت وتتبعنا الكثير من الفتاوى ووضعناها في ميزان العدل والمقاصد والمآلات، لوجدنا حجم الخطر الكبير الذى يحيق بنا، فالواجب الشرعي يحتم علينا أن نتناصح ونتبادل وجهات النظر، وأدب الاختلاف يجب ألا يضيع في خضم الواقع الذي نعيشه لرأب الصدع الذي ألم بمجتمعنا.
التعصب المذموم وجماعات التطرف والإرهاب
قال الدكتور نظير عياد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، خلال كلمته التي ألقاها نيابة عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر رئيس مجلس علماء المسلمين، إن الإنسانية كلِّها بحاجة إلى هذا المؤتمر الذي يضم العديد من المحاور والقضايا التي تجمع بين القديم والحديث، وتحتاج إلى جهود حثيثة لتنزيل الأحكام الشرعية على واقعنا بكل مُعْطَياتِه المعاصرة تنزيلًا يليق بقُدْسِيَّة هذه الأحكام، مِن غير إفراط يدفع إلى التشدُّد البغيض الذي يقود إلى التطرف والإرهاب، أو تفريط يؤدي إلى الاستهانة بأحكام هذا الدِّين.
وأضاف عياد أن رسالة هذا المؤتمر التي تدعو إلى "استثمارِ الاختلافِ الفقهيِّ في كافَّة عصوره في دعم التماسُك الاجتماعي المعاصر والمشاركة في عملية العُمران، والإسهام في الحضارة الإنسانية المعاصرة"، ورؤيته التي تتمثل في "الخروج بمبادرات إفتائية تدعم التعايش والاستقرار والحوار الإنساني، يسيران وَفْق منهج الأزهر الشريف، الذي صنع التسامح الفقهي والعقدي من خلال تلك التعددية التي قام عليها وارتكزتْ عليها مناهج الدراسة فيه؛ فقهًا، وفكرًا، ولغةً، حتى أصبح الأزهر الشريف منارة الوسطية والتسامح والتعددية، فإذا ما أُطلِق وصف من هذه الأوصاف كان عَلَمًا بالغَلَبَة عليه.
وأوضح "عياد" أننا لم نر التعصب المَقِيت، والخلاف المذموم إلا بعد ظهور جماعات التشدُّد والعُنف التي أَوْقَدَت نار الفِتَن والاحْتَراب بين المسلمين بعضهم بعضا بفُهُومها الغريبة وآرائِهَا الشاذة العجيبة، حتى بات العالم يعيش حالة مِنَ الصراع اللامُبَرر انعكست آثاره المدمرة على الأفراد والمجتمعات، بل وامتدت آثاره لتطال الحضارة الإنسانية في كل مكان.
وأشار عياد إلى أن هناك طائفة أخرى ظهرت وأَجْهَدَت نَفْسَها في البَّحث عن كل رأي ساقط أو فكرة شاذَّة مُلقاة في قَوارِع الطُّرُق فقدَّمَتْها للناس على أنها مِن الدِّين، والدين منها براء.
وأكد، خلال كلمته على عدة أمور، منها أن التسامح الفقهي لنْ يتحقَّق إلا إذا وُجِد سلام نفسي وتسامح داخلي يعزز هذا التسامح الفقهي، وأن الاختلاف والتعدد سنة من سنن الله في خلقِه ويجب علينا أن ننظُر إلى الاختلاف والتنوُّع نظرة حضاريَّة ترتكز على التسامح والاستثمار والإفادة، ليتحقق بذلك مقصد العُمران، وضرورة نبذِ التعصُّب المَقِيت والتقليد الأعمى المذموم حال التعامُل مع القضايا والمسائل الفقهية القديمة منها والمستحدَثَة.
كما أكد حتمية الاستمرار في تجديد الفقه الإسلامي، وضرورة النظر في قضاياه في ضوء المعطَيات المتسارعة لعالَمِنا المعاصر، والوصول إلى رؤية جديدة تتوافق ومقاصد الشرع الحنيف والواقع المعاصر، وضرورة مراعاة الدرس المقاصدي في الاجتهاد وصناعة الفتوى؛ لصياغة منظومة فقهية جديدة، تُراعَى فيها المصالح وتُحَقِّق المنافع الدُّنيويّة والأُخروية.
وختم الأمين العام كلمته بالتأكيد على ضرورة تعاون المؤسَّسات المعنيَّة بالشأن الديني والإفتائي على مستوى العالم، وتضافرِ جهودِها في ترسيخ ثقافة التسامح الفقهي والإفتائي؛ حيث إن هذا التعاوُن يفتح آفاقًا جديدة للتسامُح الفقهي والإفتائي، ويحقِّق أهداف المؤتمر ورسالته، واستعداد الأزهر الشريفِ بكل قطاعاته، للتعاون مع دُور الإفتاء والفتوى على مستوى العالم لنشر هذه الثقافة وترسيخها وتعزيز وجودها في المجتمعات المسلمة، وذلك إيمانا منا بوحدة الغاية والقصْد.
التطرف وأيديولوجياته
قال وزير الأوقاف المصري الدكتور مختار جمعة، نائبا عن رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، إنه علينا الانتقال من فقه ما قبل الدولة الحديثة إلى ما بعد الدولة الحديثة وما يقضيه من الالتزام بمعاهدات الأوطان والمعاهدات والقوانين الدولية حتى لا تصطدم بعض الفتاوى بالقوانين الدولية.
وأضاف، خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء بالعالم الخامس، أن الدولة تقوم على ثلاثة مقومات هي الأرض والشعب والسلطة الحاكمة، فعلينا أن نفرق بين الدولة القديمة والدولة الحديثة، مستغنين عن مصطلحات الأقلية والأكثرية، فنحتاج إلى قراءة جديدة لبعض مفاهيم الفقه دون تمييز لأبناء الوطن على أساس الدين أو اللون أو العرق أو غيرها.
واستطرد: "علينا أن نتخلص من نظريات فقه الجماعات المتطرفة وأيديولوجياتها الضيقة، التي تأتي بها مصلحة الجماعة فوق مصلحة الدولة ومصلحة التنظيم فوق مصلحة الأمة، ونشاهد في أيامنا هذه دعوات الجاهلية المقيتة تحت شعار (اظلم أخاك ظالما أو مظلوما)، ووفقا لشريعة الغاب التي تعتنقها الجماعات الإرهابية، فتلك الجماعات لا تناصر على الحق، وترى أن مصلحة الجماعة فوق كل اعتبار، وهو ما يتطلب منا جميعا العمل الجاد على التخلص من فقه تلك الجماعات المعادية للإسلام بتفنيد تلك الشبه التي تبني عليها، ونعتمد على فقه بناء الدولة بكل ما تعنيه من معانٍ".
وتابع: إدارة الدولة ليست عملية سهلة بل عملية شاقة معقدة تحتاج إلى خبرات تراكمية ورؤى ثاقبة في مختلف المجالات والاتجاهات للحفاظ على أمن الدول.
aXA6IDE4LjExOC4xMjYuNTEg
جزيرة ام اند امز