الروائية المصرية مي التلمساني: أكتب كي أفهم نفسي
الكاتبة والروائية المصرية مي التلمساني تتحدث لـ"العين الإخبارية" عن تجربة الغربة، وتأثيرها على شخصيتها وكتابتها
قالت الكاتبة والروائية المصرية المقيمة في كندا مي التلمساني إن الكتابة ثورة على السائد والمستقر، وهي التمرد بالمعنى العام للكلمة، لكنه تمرد يشير في جوهره إلى إمكانية التغيير.
والتلمساني إحدى أبرز كاتبات جيل التسعينيات بمصر، ونالت جائزة الدولة التشجيعية في مصر قبل أكثر من عقد عن روايتها "دنيا زاد"، التي ترصد تجربة الأمومة والفقد، وترجمت إلى 6 لغات.
وإلى جانب الرواية تكتب مي التلمساني القصة والنقد، ومن مجموعاتها القصصية "نحت متكرر"، و"خيانات ذهنية"، و"عين سحرية".
كما أن لـ"التلمساني" دراسات في مختلف مجالات النقد الثقافي، وتُرجمت دراساتها الأكاديمية من الفرنسية إلى العربية، ومنها "السينما العربية من الخليج إلى المحيط"، و"فؤاد التهامي وزهرة المستحيل"، و"لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي"، و"المدارس الجمالية الكبرى".
كما حصلت مي التلمساني على جائزة "آرت مار" من جنوب فرنسا، وهي تقيم منذ عام 1998 في مدينة مونتريال بكندا، حيث تقوم بتدريس تاريخ السينما العالمية لطلاب جامعة مونتريال.
الكاتبة والروائية المصرية مي التلمساني تحدثت لـ"العين الإخبارية" عن تجربة الغربة، وتأثيرها على شخصيتها وكتابتها، وتعايشها مع أبطال رواياتها في سياق الحوار التالي..
تعيشين خارج مصر منذ سنوات.. هل الغربة أفادتكِ أدبيا؟
الغربة أفادت الكتابة وأثرتها على الرغم من ندرة النشر، لكنها تجربة ثقيلة، تحفر علامات على الروح لا تزول بزوالها.
وفي كتابي "للجنة سور"، أشرت إلى أن الغربة من الاستغراب أيضاً، لا أصدق أحياناً أن يكون العالم بهذه القسوة.
أكثر من 20 عاماً عشتها في كندا، إلا أنني لا أزال أفكر في العودة النهائية لمصر، وأعمل على ذلك بتجهيز بيت التلمساني للإقامة الإبداعية.
ماذا أعطى المهجر لمي التلمساني؟ وما سرقه منها؟
الهجرة أعطتني بيتا جيداً لي ولأولادي، ووظيفة ممتعة، ومكتبة عامرة، لكنها سرقت مني راحة البال.
حياتي موزعة بين هنا وهناك، كتبي وأدواتي الشخصية وذكرياتي، كل شيء مقتسم ومتداخل ومختلط. ينعكس هذا على الكتابة بلا شك، ليس فقط في اختيار الموضوع ولكن أيضاً في الصياغة.
أميل كثيراً لتأكيد الشك في المسلمات، وربما كانت للهجرة أثر في تنمية هذا الجانب من شخصيتي.
لماذا بدأت بكتابة السيرة؟
السيرة تكتب من موقع الخيال، وليس من موقع الحقيقة المطلقة. معظم ما أكتب ملتصق بشق من حياتي اليومية، ربما على غرار كتابات الروائية الفرنسية آني إرنو. لكن حجم الخيال فيما أكتب أكبر من الواقع. الحدث الذاتي يصبح هنا متكأ للتفكير في احتمالات تطوره. أسأل نفسي كثيراً سؤالا "ماذا لو" حدث هذا أو ذاك.
على سبيل المثال في "دنيازاد" موت الجنين واقع، ينفتح على سؤال ماذا لو كان فقد الابنة مدخلاً لمشاعر فقد أخرى، مثل فقدان البيت أو وفاة صديق، وكلاهما لم يحدث في سيرتي الذاتية.
في "هليوبوليس" أتخيل حياة فتاة تدعى ميكي، ولدت مثلي عام 1965، وعاشت طفولتها في حي مصر الجديدة مثلي، لكنها تنخرط في سياقات لا علاقة لها مطلقا بسيرتي الذاتية، خاصة سياق العلاقة بنساء العائلة ومعظمه متخيل.
إلى أي مدى تتعايشين مع أبطال روايتكِ؟ وهل تضفين عليهم بعضا من صفاتكِ الشخصية؟
الشخصيات الرئيسية عادة هي الأقرب لشخصيتي، فيما عدا رواية "أكابيللا"، والتي حاولت فيها أن أنسج شخصية مغايرة تسمح لي بالدخول والخروج من نفسي، لكني أعمد في كل الأعمال دون استثناء لتأمل ملامح من نفسي في الشخصيات الرئيسية والثانوية، سواء كانت نسائية أم ذكورية.
هناك شخصيات تبدو بعيدة كل البعد عني، مثل الجدة شوكت هانم في "هليوبوليس"، أو الزوج في "دنيازاد". ومع ذلك هي تحمل ملامحا من أفكاري ومن مشاعري بلا تطابق.
أترك للشخصيات جميعاً حرية التطور في اتجاهات مختلفة طوال فترة الكتابة، وأعدل كثيراً في ملامح الشخصيات النفسية ودوافعها.
لماذا ينظر البعض إلى العمل الروائي النسائي على أنه بـ"ضلع ناقص"؟
أعتقد أن هذا التصور القديم يتراجع، فيكفينا أن نتابع حركة الكتابة العربية والدولية لندرك المكانة التي تحتلها الكاتبات من النساء في كافة مجالات الإبداع الروائي والشعري والقصصي.
باعتقادكِ ماذا تفتقد المبدعة وما ينقصها في مجتمعاتنا؟
أفتقد القدرة على بلورة أفكار لا يرضى عنها المجتمع الكبير، وتظل محصورة في إطار النخب المثقفة أو النخب الثرية.
أحاول الاعتذار بشكل غير مباشر أحيانا عن تناول قضايا قد لا تهم الرأي العام أو الشارع. من السهل اتهام كتابتي بالانعزالية ولكن المدقق والقارئ غير المتوقع لهذه الكتابة باستطاعته إدراك المشروع الإبداعي وراء ما أكتب، خاصة أني مقلة في النشر.
الكتابة هي مسألة حياة لا أسعى للاختباء من خلالها، بل للظهور والكشف والمصارحة والتأمل والبحث عن بدائل، وأيضا للبحث عن أشباهي والتواصل معهم.
أكتب كي أفهم نفسي، وأكتب أيضاً كي ألتقي بمن يشبهني، كي أقع في حب الناس وأعلن لهم عن حبي. فكل شخصياتي بلا استثناء هي شخصيات أحبها.
هل الكتابة تمرد؟
في أفضل معانيها الكتابة ثورة على السائد والمستقر، هي تمرد بالمعنى العام للكلمة، لكنها تمرد يحتوي في جوهره على إمكانية التغيير.
aXA6IDMuMTQ2LjEwNy4xNDQg جزيرة ام اند امز