الروائية السورية لينا هويان الحسن: الجوائز أنعشت الأجواء الأدبية عربيا
الروائية السورية لينا هويان الحسن تؤكد أن النص الروائي الذي يحتوي بين جنباته لغة شعرية ثرية وموظفة على نحو نثري يكون نصا غنيا وجذابا.
تعد الروائية السورية لينا هويان الحسن، التي أصدرت مؤخرًا روايتها الجديدة "ليست رصاصة طائشة تلك التي قتلت بيلا"، واحدة من الأصوات السردية الشابة المميزة في العالم العربي، وتنتمي لجيل الروائيين الذين برزت أسماؤهم قبل سنوات من الأحداث التي تعيشها سوريا حاليا، وهو الجيل الذي ينتمي إليه خالد خليفة وسمر يزبك وروز ياسين حسن وعبير إسبر وخليل صويلح.
ومن بين هؤلاء تميزت لينا بالكتابة عن عالم البدو بفضل نشأتها في تلك البيئة التي انخرطت تمامًا في تفاصيلها، وظهر ذلك جليا في روايتها "سلطانات الرمل" وكذلك "بنات نعش"، فضلا عن كتاب "مرآة الصحراء"، وهو كتاب توثيقي عن البدو، أما روايتها "ألماس وناس" فقد خاضت في غمار تاريخ سوريا الحديث وقدمت صورة أخرى ووصلت بفضلها للقائمة القصيرة للبوكر العربية 2015.
وفي حوارها مع "العين الإخبارية" أكت الروائية السورية لينا هويان الحسن أن الشعر والرواية عاشقان أبديان، ومتناغمان، ومتفاهمان، مشيرة إلى أن النص الروائي الذي يحتوي بين جنباته لغة شعرية ثرية وموظفة على نحو نثري سيكون نصا غنيا وجذابا.. وإليكم نص الحوار:
- هل ابتعادك عن دمشق، واختلاف مكان إقامتك في بيروت، كانا دافعًا لاختيار مساحات جديدة من الكتابة؟
كل ما نكتبه هو انعكاسات لمياه العمق الساكنة في وادي السرد السحيق، فكل بذور أبطالنا محمولة في تربتنا، وأشبّه الكاتب بالسلحفاة، يحمل وطنه وأمكنته على ظهره، أينما ذهب، ويتلمس وجودها متى أراد، لا شك أن تغيير المكان يؤثر على الكتابة، فهذا أمر يؤثر على رؤيتنا، وتحررنا من سطوة المكان واستحالة التماس مع مفرداته يجعلان اللغة مختلفة عنها فيما لو كنا في حالة انغماس مع المكان.
الأمر تماما كما ننظر إلى لوحة فكلما ابتعدنا كلما رأيناها كلّا متكاملا وبطريقة موضوعية، لكن من الصعب أن أكون حيادية، فلا حياد في الأدب، هذا زعم لا أزاوله مطلقًا.
- ماذا عن روايتك الجديدة الصادرة عن دار الآداب "ليست رصاصة طائشة تلك التي قتلت بيلا"؟
إنها مروية تاريخية متزينة بلبوس "الحب"، فقصة حب مشبوبة تحرّك السرد الذي يأتي على 3 فصول تحمل أسماء 3 أمكنة (حلب، دمشق، خُناصرة الأحصّ) تندرج فيها سير مختلفة لأفراد ينحدرون من عوالم متنوعة" أرمن، شركس، ألبان، يوغسلاف.." منهم من نجا من مذابح الأرمن.
- ابتعدتِ في روايتك "نازك خانم" عن عوالمك الأثيرة حيث الصحراء والفضاءات المفتوحة .. لماذا؟
هنالك جانب في الأدب، لا يمكن إغفاله، إنه "الهوس" وأنا صاحبة هوى وهوس وافتتان بفكرة الحرية عندما تجترحها امرأة في مجتمعاتنا، ففي أعمالي التي تناولت عالم الصحراء كسلطانات الرمل وبنات نعش استثمرت أهم القصص الشفاهية غير المدونة عن نساء جريئات سبقن الزمن وأشعلت نار تمرداتهن الذكية والواضحة والمغرورة أكثر من حرب دموية.
نعم تسببت بعض النساء الجريئات بحروب قبلية، وانزياحات عشائرية مهمة في تاريخ بادية الشام، لهذا من الطبيعي أن أفتن بشذرات مجنونة من حياة امرأة مختلفة جدا هي نازك.
كيف امتلكت كل هذا التعبير الصادق جدا عن عالم البدو؟
ذهن الكاتب هو إسفنجة متوحشة، تمتصّ كلّ ما حولها، بحيث تتلاشى الحكايات، وقصص الناس، كبيرها وصغيرها في بحر خيال الكاتب، فتبزغ تلك الحبكات الرهيبة من الواقع ذاته، مع تعديلات قد تكون حاسمة أو طفيفة تبعا لرؤية السارد، وتغدو أوراقنا مآلاً شرعياً لكل القصص التي سمعناها.
كل ما يمرّ عبر آذاننا يغدو ملكنا على نحو ما، وأنا ابنة هذه البيئة، ابنة البادية السورية بكل تنوعها واختلافها، حيث يعيش البدو في قرى متاخمة لأمكنة يسكنها الشركس والأرمن والأكراد والتركمان والسريان، جئت من مكان يعجّ بالاختلاف، والتنوع، لهذا كل ما أكتبه يصبّ في خدمة فكرة ضرورة "المختلف" ليكون الآخر صديقاً.
- في روايتك "بنت الباشا" ثمة تمرد على السائد.. هل سيطرت هذه الحالة عليك بشكل كبير ولم تستطيعي الفكاك منها؟
اعتقد أن مفردة "ثائرة" أو "متمردة" ضيقة على شخصية مثل نازك خانم أو نسليهان بنت الباشا، ليس مشروعي هو المرأة المتحررة بالمعنى الشائع، إنما، المرأة المخالفة، العنيدة، الرافضة، معظم بطلاتي متمردات إلى حدّ الرفض، بل إن شخصية نسليهان في رواية بنت الباشا هي أنثى لا ترحم، مستبدة، غاشمة، محتالة، أمنح نسائي ما يلزمهن من براثن وأسلحة مختلفة لاجتراح حضورهن مهما كان الثمن.
لن تعثر على امرأة مستسلمة أو خانعة أو حتى متذمرة، لا شكوى منهن، لا يمكن أن تلمح طيف ضعف أو التظلّم " النسوي" السطحي والمعتاد من معظم أعمال الكاتبات، لهذا اختفت نسليهان في نهاية العمل وحلّ محلها شبح، ونازك لم تستسلم مطلقا لهذا أطلق عليها النار حبيبها وزوجها كمال. الكبرياء هو الوحش الذي يختبئ داخل بطلاتي.
- وصلت من قبل للقائمة القصيرة للبوكر.. هل يمكن أن نختزل تأثير الجوائز في المردود المادي فقط؟ أم أن تأثيرها أعمق من ذلك؟
الجوائز ظاهرة صحية أنعشت الأجواء الأدبية عربياً، كما أنها حسّنت من أحوال الكثير من الأدباء، فمن يعول على مبيع الكتب إذا ما أصاب الكاتب بعض الشهرة فإنه سيعاني قبل أن يعترف ناشره بذلك وبالتالي يعطيه شيئا من حقه، إضافة إلى عدم وجود مؤسسات ثقافية حقيقية يمكن أن ترعى الأدباء وتحترم وجودهم المستقل والمتمرد، فالأديب الذي لا يصنف أنه مع جهة محددة فإنه سوف يعاني من رفض كل الأطراف.
- لديك مجموعة شعرية وحيدة.. هل تفكرين في مجموعة أخرى؟
بدأت كروائية وكان الشعر تجربة عابرة وغير مستقرة، بعد عدة روايات، كما أني لم أصنف نصي كشعر، ومن لا يعرف بحور الشعر ويميزها فليتنح جانبا قبل أن يتنطح لهذا الجنس الأدبي القلق والحساس، يمكن للرواية أن تحتوي الشعر لكن ليس العكس إلا في زمن الملاحم الشعرية مثل إلياذة هوميروس فهي رواية شعرية، فالشعر والرواية عاشقان أبديان، متناغمان، متفاهمان، والنص الروائي الذي يحتوي بين جنباته لغة شعرية ثرية وموظفة على نحو نثري سيكون نصا غنيا وجذابا.
- لماذا نسمع دائما عن الشاعر الذي اتجه ليكتب رواية في حين لا يحدث العكس؟
بذريعة "النثر" أصبح الشعر سهلاً، هنالك استسهال وبائي واستباحة رهيبة من عديمي الموهبة، لعل وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بنشر هذه الفوضى الشعرية، بينما تبدو الرواية جنساً أدبيا صعب المنال من قبل المستسهلين، تحتاج لجهد وصبر ودأب، ولكن هذا لا ينفي عن بعض كتابها شبهة الاستسهال، وغالبا الشاعر المتمكن من أدواته يتجرأ ويخوض غمار المغامرة الروائية والأمثلة كثيرة، بعضها ناجح وآخر فاشل.
aXA6IDMuMTQ0LjkzLjE0IA== جزيرة ام اند امز