هند العتيبة تعدد لـ"العين الإخبارية" ثمار زيارة محمد بن زايد لفرنسا (حوار)
أكدت هند العتيبة، سفيرة دولة الإمارات لدى فرنسا، أهمية الزيارة التاريخية التي أجراها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فرنسا الإثنين والثلاثاء الماضيين، والتي شهدت حفاوة بالغة وتوقيع عدة اتفاقيات في مختلف المجالات.
وقالت العتيبة في حوار مطول مع "العين الإخبارية" إن الزيارة جاءت في إطار الفرص المتاحة للتعاون الثنائي بين دولة الإمارات وفرنسا لمواجهة أكبر التحديات التي تواجه البلدين والعالم في مختلف المجالات وفي مقدمتها المناخ والصحة والتعليم والتكنولوجيا والطاقة والأمن والفضاء.
وفي الحوار الذي ألقت فيه الضوء على مخرجات الزيارة التي وصفت بالتاريخية، أشارت العتيبة إلى أن الشراكة الثنائية بين البلدين تساهم في أمن الطاقة مع تقليل الجهود من أجل مستقبل مستدام.
والثلاثاء، اختتم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زيارة تاريخية إلى فرنسا، حيث تلقى احتفاء منقطع النظير من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لم يكتفِ باستقباله بمقر الرئاسة في قصر "الإليزيه"، بل كان محل احتفاء آخر بـ3 قصور عريقة، لها دلالتها في تكريم الضيوف الكبار.
تلك الزيارة شملت لقاءات لرئيس دولة الإمارات مع إليزابيث بورن رئيسة الوزراء الفرنسية، وجيرالد لارشيه رئيس مجلس الشيوخ (الغرفة العليا في البرلمان) ويائيل برون بيفي رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية ( البرلمان)، بالإضافة إلى لقاءاته مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وشهدت الزيارة إطلاق مجلس الأعمال الإماراتي-الفرنسي، والذي يهدف إلى فتح آفاق جديدة ورفع مستوى التعاون الثنائي في عدد من القطاعات ذات الاهتمام المشترك، بالإضافة إلى توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتنمية آفاقها في مختلف المجالات، بينها اتفاقية بشأن شراكة استراتيجية شاملة في مجال الطاقة.
الاتفاقيات التي عبرت عن تميز العلاقات بين البلدين، كانت أحد جوانب الاحتفاء بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلا أنها لم تكن الوحيدة؛ فاللافتات الترحيبية عُدت أحد مظاهر احتفاء فرنسا بضيف البلاد الكبير، بالإضافة إلى استقباله في 4 قصور عريقة هي: الإنفاليد، الإليزيه، فرساي وقصر لوكسمبورج ، كما تم منحه "وسام جوقة الشرف " من طبقة الصليب الأكبر والذي يعد أعلى وسام وطني فرنسي.
وإلى نص الحوار:
* ما رأيكم في توقيت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فرنسا في ظل توتر الأوضاع الاقتصادية الإقليمية والعالمية بسبب ملف الطاقة؟*
- بالتأكيد، لم يكن التوقيت مصادفة بأي حال من الأحوال. إن ما حفز الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، لاختيار فرنسا في أول زيارة دولة له هي الفرص المتاحة لتعاوننا الثنائي.
كما أن مختلف الاتفاقيات التي تم الإعلان عنها خلال الزيارة تمنحنا القدرات اللازمة لمواجهة أكبر التحديات التي تواجه عالمنا اليوم، بما في ذلك تغير المناخ والطاقة والاستدامة الاقتصادية.
وسيكون من الممكن التغلب على هذه التحديات بفضل الجهود المشتركة لتطوير الكفاءات والتكنولوجيا، وكذلك من خلال اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية مثل الاتفاقية المبرمة بين شركة أدنوك وشركة توتال إنرجي. في ظل أزمة الطاقة العالمية، وعلى الصعيد العالمي بشكل عام، تلتزم دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم شركائها قدر المستطاع.
*إلى أي مدى ستعطي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لفرنسا دفعة أكبر للعلاقات بين البلدين، لا سيما فيما يخص حجم التبادل التجاري؟
إن العلاقات بين فرنسا ودولة الإمارات العربية المتحدة هي بالفعل متنوعة ومتطورة.
فالإمارات هي ثالث دولة لها فائض تجاري مع فرنسا (2.4 مليار يورو) بعد المملكة المتحدة وسنغافورة.
وتستضيف دولة الإمارات معظم الشركات الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (600 شركة توظف 30 ألف شخص)، كما أن حجم التبادل التجاري يشهد سنويا نموا بشكل متزايد.
وبالنظر إلى المستقبل، لا تزال لدينا فرص كبيرة للمضي قدما في تحقيق مزيد من النمو والتنمية في مجالات جديدة ومبتكرة مثل التنمية المستدامة والتكنولوجيا والصحة.
وقد شهدت الزيارة توقيع 11 اتفاقية تغطي مواضيع بالغة الأهمية بالنسبة لعلاقتنا وللعالم، بما في ذلك على سبيل المثال:
مذكرة تفاهم بين معهد باستير الطبي ومركز أبوظبي للصحة العامة، وقعها مطر سعيد النعيمي، مدير عام مركز أبوظبي للصحة العامة والأستاذ الدكتور ستيوارت كول، رئيس معهد باستير الطبي.
ومذكرة تفاهم بين مركز محمد بن راشد للفضاء والمركز الوطني للدراسات الفضائية، حول التعاون في مجال استكشاف القمر.
وإنشاء مجلس الأعمال الإماراتي الفرنسي الذي أطلقه الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، وباتريك بوياني رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "توتال إنيرجي".
إضافة إلى توسيع الشراكة الاستراتيجية بين شركتي أدنوك و"توتال إنيرجي" والتي تهدف إلى دراسة مجالات جديدة من التعاون، بما في ذلك توريد الديزل إلى فرنسا.
وتمنحنا هذه الاتفاقيات الجديدة القدرات اللازمة لكي نواجه معا أكبر تحديات عصرنا، من المناخ إلى الصحة والتعليم والتكنولوجيا والطاقة والأمن والفضاء.
*ما هي سبل التعاون بين البلدين في ملف الطاقة خاصة بعد توقيع الشراكة التاريخية بين أدنوك وتوتال؟
في الواقع، سلطت الزيارة الضوء بشكل خاص على التزامنا بأمن الطاقة العالمي، مع احترام التزاماتنا بمستقبل أكثر استدامة ولا سيما طموح الإمارات بالوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050.
وهذا هدف تدعمه شراكتنا مع فرنسا وشركة "توتال إنيرجي"، قبل مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28" الذي سيُعقد في دولة الإمارات في عام 2023.
وفرنسا شريك استراتيجي طويل الأمد لدولة الإمارات في قطاع الطاقة، كما تعتبر شركة "توتال إنيرجي" شريكا دوليا رئيسيا لشركة أدنوك وهي تعمل في قطاع النفط والغاز في أبوظبي منذ عام 1939.
وسنعمل معا على تجميع الموارد والمعارف والمهارات لإنشاء مشاريع مستقبلية ومبتكرة تتصدر مرحلة الانتقال الطاقي.
وقد دخلت مجموعة كهرباء فرنسا (EDF) في شراكة مع شركة مياه وكهرباء الإمارات (EWEC) لإنشاء أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، وقد شكلت شركة "إنجي" و"مصدر" تحالفا استراتيجيا بقيمة 5 مليارات دولار أمريكي لتعزيز اقتصاد الهيدروجين الأخضر.
وسيؤدي التعاون بين فرنسا ودولة الإمارات إلى مشاريع مبتكرة جديدة من شأنها تيسير مستقبل أكثر استدامة, والتعاون في مجال البحث وتطوير التقنيات المتطورة التي تحرك عجلة الابتكار في قطاع الصناعة الزراعية وأنظمة الرعاية الصحية.
وإنشاء وزيادة الاستثمار في المؤسسات الرقمية والشخصية التي تعمل كسوق لمشاركة الأفكار حول كيفية تطوير المعرفة الرقمية عبر المجتمع، إضافة إلى جهود تعاونية بين فرنسا ودولة الإمارات في مشاريع الطاقة النظيفة المتجددة، مثل الطاقة الهيدروجينية.
كما تمكّن شراكاتنا عبر سلسلة القيمة الكاملة للطاقة دولتنا من توحيد قواها للمساهمة في أمن الطاقة مع تقليل الجهود من أجل مستقبل مستدام.
*هل هناك مجالات تعاون مقبلة في قطاعي الثقافة والتعليم؟
مما يشاركه شعبنا مع الشعب الفرنسي هو شغف الفنون والثقافة. ويؤمن بلدانا إيمانا راسخا بأهمية الثقافة في المجتمع وهما على قناعة بأن الثقافة تعمل كأداة ضرورية لإلهام وإعلام الأجيال الحالية والمستقبلية مع الحفاظ على التراث في الوقت ذاته.
ويهدف تعاوننا المستقبلي في مجال الثقافة إلى تناول عدة أولويات، تشمل بناء على الشراكة القائمة بالفعل بين البلدين، تستكشف فرنسا والإمارات العربية المتحدة طرقا جديدة ومبتكرة حول كيفية تيسير ولوج الثقافة للمحرومين منها.
وتؤمن كل من فرنسا ودولة الإمارات إيمانا راسخا بأهمية الحفاظ على الثقافة والتراث ليس فقط لفهم مسارات أجدادنا بشكل أفضل ولكن أيضا لمواجهة نشوء تهديدات في عصرنا الحالي، بما في ذلك التطرف.
ونعتقد اعتقادا راسخا أن إنشاء منصات وفرص للتفاعل المفتوح والسلمي عبر الثقافة والتراث والدين والمجتمع سيساهم في دعم مسار دائم نحو تعايش سلمي عالمي، ومن أمثلتنا على ذلك في دولة الإمارات "البيت الإبراهيمي"، الذي من المقرر إطلاقه في وقت لاحق من هذا العام.
كما أن دولة الإمارات لديها التزام طويل الأمد في مجال التبادل التعليمي، وإننا نرى أن هناك فرصة مميزة لتعزيز تبادل المعرفة لبناء الثقة والتفاهم بين شعوب المنطقتين.
وستمضي فرنسا ودولة الإمارات قدما للعمل على إعادة إدراج تدريس اللغة الفرنسية في المدارس الحكومية الإماراتية، وتطويرها في المدارس الخاصة، فضلا عن تعزيز تدريب المعلمين.
ويدرك كلا البلدين الأهمية المطلقة لتلقي تعليم عالي الجودة لتنشئة أفراد ذوي خبرة جيدة ليكونوا قادة المستقبل في الغد.
وخلال الزيارة، وقع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، وكاترين كولونا، وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، إعلانا مشتركا حول التعاون بين دولة الإمارات وفرنسا في مجال التعليم العالي، وسيتم الكشف عن تفاصيله في الوقت المناسب.
* فيما يتعلق بمهمات البعثة الدبلوماسية لدولة الإمارات في فرنسا، ما هي أبرز الأنشطة التي تقومون بها للتعريف بالقيم التي تتميز بها الدولة وقدراتها والفرص المتاحة لها سواء لدى الرأي العام الفرنسي أم لدى جهات مختلفة خاصة الإعلامية منها؟ وهل من برامج مستقبلية في هذا الصدد؟
تتميز دولة الإمارات بالانفتاح والتسامح وفهم ثقافة الآخر. وإنني أضع هذه القيم في صميم مهمتي كسفيرة في فرنسا.
ولذلك، فإنني أعتبر أنه من الضروري إجراء لقاءات ونقاشات بشأن المواضيع الرئيسية ذات الاهتمام المشترك مثل الثقافة والأمن والتعاون الاقتصادي.
ونقوم بذلك ليس فقط في باريس، ولكن في جميع أنحاء البلاد فأنا أسافر لمقابلة مختلف الجهات الفاعلة التي تعكس تنوع فرنسا.
وقد أطلقنا في سفارة دولة الإمارات في باريس سلسلة من الفعاليات تحت اسم ماجلون -Majlon- وهي كلمة مركبة تجمع بين كلمة "المجلس" الإماراتي ودوائر التواصل الباريسية التقليدية المعروفة باسم "الصالونات".
وتهدف الفعاليات إلى تعزيز العلاقات الفرنسية الإماراتية من خلال الجمع بين التميز الفرنسي والإماراتي.
وقد قمنا خلال الإصدارات الأولى من هذه الفعاليات بجمع الخبراء والجهات الفاعلة في مجالات الابتكار والطاقة والتعايش الديني والفنون، مما ساهم في استعراض كفاءات وطننا وتعزيز سبل التعاون القائمة بين بلدينا.
وإلى جانب ذلك، نعمل أيضا مع وسائل الإعلام هنا في فرنسا للإعلام بشكل أفضل حول أولويات الإمارات وطموحاتها في قطاعات المستقبل مثل التكنولوجيا والتعليم والطاقة المتجددة.
aXA6IDE4LjIyNC43MC4xMSA= جزيرة ام اند امز