عملية «نورد ستريم»... ألمانيا تفكك خيوط «الضربة المباغتة»

في خريف عام 2022، استيقظ العالم على انفجارات هائلة هزّت قاع بحر البلطيق، وعطّلت واحدا من أهم خطوط الغاز التي تمد أوروبا بالطاقة.
تسببت الانفجارات في إطلاق نحو 350 ألف طن من غاز الميثان إلى السطح، في واحدة من أسوأ الكوارث البيئية والسياسية في آن واحد.
وكان خطا "نورد ستريم 1 و2"، اللذين يربطان روسيا بألمانيا، هدفا لعملية تخريب معقّدة لا تزال تداعياتها قائمة حتى اليوم، وفقا لصحيفة "تليغراف" البريطانية.
تعود جذور العملية، وفق التحقيقات، إلى لقاء غير رسمي جمع مجموعة من الضباط الأوكرانيين في ربيع عام 2022، أي بعد فترة وجيزة من فشل محاولة روسيا السيطرة على العاصمة الأوكرانية.
وبينما كان الحاضرون يحتفلون بنجاحاتهم العسكرية المبكرة، تطرق النقاش إلى فكرة جريئة: ضرب موسكو في العمق عبر تفجير "نورد ستريم".
الفكرة بدت في البداية أقرب إلى مشهد من فيلم تجسس، لكنها سرعان ما تحولت إلى خطة عملية حملت اسما رمزيًا هو "دياميتر".
وبحسب التحقيقات، شكّلت المجموعة فريقا من 6 أشخاص، بينهم أربعة غطاسين محترفين قادرين على الوصول إلى عمق يتجاوز 80 مترًا، حيث تمر الأنابيب في قاع البحر.
استأجر الفريق يختًا صغيرًا يدعى "أندرو ميدا" من ميناء ألماني مطلع سبتمبر/ أيلول 2022. وبمظهرهم العادي، لم يلفتوا الانتباه إلى نواياهم الحقيقية، إذ بدوا كأنهم مجموعة سياح في رحلة بحرية.
على متن اليخت، خُزنت متفجرات شديدة الانفجار، وزُرعت لاحقًا في ٤ نقاط قرب جزيرة بورنهولم الدنماركية.
وجرى برمجة المتفجرات لتنفجر في 26 سبتمبر/ أيلول، في عملية لم تستغرق سوى ساعات، لكنها كلفت روسيا مليارات الدولارات، وغيّرت مسار إمدادات الطاقة إلى أوروبا.
خيوط استخباراتية
لم يمض وقت طويل حتى بدأت الاستخبارات الغربية تلتقط إشارات مريبة. وظهرت تقارير أفادت بأن جهاز استخبارات أوروبي أبلغ واشنطن في وقت مبكر بخطط محتملة تستهدف الأنابيب.
بعد التفجيرات، تلقت الشرطة الألمانية معلومة دقيقة عن نوع القارب المستخدم، لتبدأ خيوط التحقيق في التضييق على "أندرو ميدا"، حيث عُثر على آثار متفجرات وبصمات وراثية على متنه.
كما جرى التعرف على سائق سيارة أجرة نقل أعضاء الفريق، بعدما التقطته كاميرا سرعة بالصدفة.
وتضافرت الأدلة لتكشف هوية المنفذين الحقيقيين، رغم استخدامهم جوازات سفر مزورة.
اعتقالات
وصلت التحقيقات إلى ذروتها الشهر الماضي، مع اعتقال أحد المشتبه بهم في إيطاليا بناءً على مذكرة توقيف ألمانية.
الرجل، وهو ضابط بحري أوكراني سابق، نُقل إلى المحكمة، حيث أنكر الاتهامات، لكن الادعاء الألماني أصر على أنه قاد الفريق الذي نفّذ العملية.
إلى جانب هذا الاعتقال، صدرت مذكرات توقيف بحق 5 أشخاص آخرين، يعتقد أنهم عادوا إلى أوكرانيا.
لكن تسليمهم يبدو مستبعدًا في ظل رفض كييف، ما يجعل القضية محكومة بتجاذبات سياسية قد تزيد المشهد تعقيدًا.
العملية لم تكن مجرد عمل تخريبي ضد بنية تحتية روسية. بل سلّطت الضوء على هشاشة أمن الطاقة الأوروبي، وحركت المخاوف بشأن مدى قدرة الحلفاء على حماية منشآتهم.
وبعد التفجيرات، سارعت دول حلف "الناتو" إلى تعزيز المراقبة البحرية والجوية، ونشر تقنيات متقدمة لحماية الخطوط البحرية.
المحاكمة المنتظرة للمشتبه به المعتقل، في ألمانيا، قد تتحول إلى ساحة اختبار سياسي، إذ تعد برلين من أبرز داعمي كييف عسكريًا وماليا، ما يجعل القضية شديدة الحساسية.