إيمان يحيى لـ"العين الإخبارية": "الزوجة المكسيكية" قصة بحث مرهقة
حوار مع الدكتور إيمان يحيى حول روايته الأحدث "الزوجة المكسيكية" التي قال إنه يعتبرها بمثابة رسالة حب للراحل يوسف إدريس.. ماذا قال أيضا؟
في مقال أخير لها، وصفت الأدبية والكاتبة العراقية الكبيرة إنعام كجه جي، الكاتب المصري إيمان يحيى بأنه "طبيب آخر في سلسلة متدفقة يكسبها الأدب من عنابر المستشفيات"، فالدكتور إيمان يحيى، مواليد 1954، طبيب وأستاذ جامعي مصري استطاع أن يشق لنفسه دربا خاصا في الكتابة، مستعينا بالدقة في إبداع السرد، وهو الطابع الذي ميّز حضور روايته الأولى "الكتابة بالمشرط" الصادرة عام 2013.
صدرت أخيرا للدكتور إيمان يحيى رواية "الزوجة المكسيكية"، دار الشروق المصرية، وبها تموج مساحة إبداعية هائلة بين السرد الروائي والجهد البحثي، رواية واحدة تعانق ثلاثة فنون كتابية، التاريخية والروائية والسيرة، تذوب ثلاثتها في نسيج "الزوجة المكسيكية" دون أن يفقد أي منها حضوره.
تسمع في الرواية، التي تدور في فترة الخمسينيات، شريط صوت فياض لفترة من أخصب ما عرف تاريخ مصر، تعيد قراءة أحلام استقلالها ما بين فورة وإجهاض، تتسلل نعومة قصة حب مجهولة للراحل يوسف إدريس كخيط يربط كل هذا، خيط يصل بك إلى حدود المكسيك ويعود أدراجه، ويتركك تتساءل كيف للحقيقة التاريخية أن تكون بكل هذه الوجوه الدرامية؟
"العين الإخبارية" تحدثت إلى الدكتور إيمان يحيى في حوار عن تجربة السرد والبحث المغايرة التي مرّت بها "الزوجة المكسيكية"، والنوستالجيا العامرة في متن هذا العمل، والخصوصية الدرامية لشخصية الراحل يوسف إدريس كما يراها، وتوجها في روايته الأخيرة، التي يراها حسب حواره أنها " رسالة حب ليوسف إدريس".
- يدور عالم "الزوجة المكسيكية" في مساحة خاصة تجمع بين التاريخ والسرد الروائي..ما ملامح خصوصيتها؟
- رواية "الزوجة المكسيكية"، ليست الأولى لي. قبلها بخمس سنوات صدرت روايتي الأولى بعنوان "الكتابة بالمشرط"، وتتحدث عن عالم لم تتعرض له الرواية المصرية من قبل، هو عالم المستشفيات وكليات الطب من الداخل. "الزوجة المكسيكية" أيضا تفتح أفقا جديدا أمام القارئ المصري والعربي، ولنطلق عليه: المسكوت عنه في تاريخنا وتاريخ أدبنا العربي المعاصر. بدأت كتابة الرواية وأنا على أعتاب الستين، لذا أريد أن يكون ما أكتبه إضافة جديدة ونوعية تثري أدبنا المصري.
-تستند أحداث الرواية بشكل رئيسي على مفاجأة في حياة الكاتب الكبير يوسف إدريس ..كيف كانت البداية؟
- كانت البداية مجرد جملة اعتراضية لكتاب كنت أترجمه عن الروسية عن "يوسف إدريس" للمستشرقة الراحلة فاليريا كربتشنكو. إدريس اعترف للمستشرقة أنه استوحى روايته "البيضاء" من قصة حب وزيجة غير معروفة بينه وبين ابنة للفنان المكسيكي العالمي "دييجو ريفييرا". من تلك الجملة بدأت رحلة البحث والركض وراء الحقيقة. كما تعرفين أن الروائيين كثيرا ما يخلطون الخيال بالواقع، ويصدقون أكاذيبهم. بدأت الرحلة كما هو موثق بالرواية، وأنا غير متأكد مما قاله إدريس. رحلة استمرت سبع سنوات مليئة بالتفكير والتوثيق. لقاءات وبحث في مئات الصفحات بكافة اللغات ورسائل إلكترونية إلى المكسيك وأوروبا. كنت قرأت أعمال إدريس كافة فأعدت قراءتها من جديد. أما روايته "البيضاء" والتي أعدها من عيون الأدب المصري فكدت أن أحفظها من كثرة تكرار قراءتها.
-ما أبرز المحطات البحثية التي شغلتك خلال كتابتك للرواية؟
- الرواية كانت فرصة لفتح نافذة على مصر والعالم فى فترة 52-54 من القرن الماضي. وراء الرواية قصة بحث مرهقة وجادة في مجالات السياسة والثقافة والفن. استخدمت تقنيات كثيرة للسرد. كنت أريد أن يكون الكتاب المطبوع بديلا لفيلم سينمائي. استخدمت الصور الفوتوغرافية والموسيقى والأغنيات. حتى الروائح كان لها دور في بعض الفصول. "روث" المكسيكية تتعرف على القاهرة بأنفها قبل عينيها، عبر شباك شقة "يحيى" الكائنة بالدور الأرضي في شارع المبتديان. نداءات الباعة الجائلين والأصوات والأفلام والغناء . كل ذلك يصنع "نوستالجيا" لهذا الزمن، ويعرف الأجيال الجديدة بقاهرة الخمسينيات المبكرة، وبالعام في بداية الحرب الباردة.
- ألم تقلقك فكرة تناول سر في حياة الكاتب الراحل يوسف إدريس روائيا؟
- لم تقلقني على الإطلاق فكرة تناول زواج غير معروف لأعظم القصاصين العرب. أعطتني رواية "البيضاء" مساحة معقولة وهامش حركة سمح لي بتناول تلك القصة. بطلي هو "يحيى" بطل البيضاء، وإدريس قال في أكثر من حديث له أنه يحيى. من هنا كانا إصراري على استعادة شخوص البيضاء في الرواية وتطوير تلك الشخوص لتأخذ سمات حقيقة أعرفها عنها. في نفس الوقت يتم المزج بين واقعها في البيضاء وحياتها الواقعية. ثم يأتي دور الخيال ليملأ الفجوات والتفاصيل والمشاهد. لم ألجأ إلى إخفاء شخصية الزوجة المكسيكية ولا عائلتها، لأن ثقافة هذا المجتمع لا تعتبر قصص الحب والزيجات الفاشلة سبب للإزعاج والقلق. إبن السيدة روث وهو فنان تشكيلي مكسيكي وعالمي شهير هو الذي أمدنا بصورتها في مصر وأكد حقيقة زواجها.
-برأيك ما الذي يجعل شخصية يوسف إدريس حتى اليوم شخصية غنية دراميا؟
- الرواية رسالة حب إلى إدريس وموهبته العظيمة. يوسف إدريس بموهبته المتفجرة وروحه القلقة يمثل أهم مادة خصبة لدراسة نفسية المبدع العربي، وللأسف لم يلتفت أحد لذلك. لا كرامة لنبي في وطنه. هو نفسه كان حريصا على إبراز خفايا عملية الإبداع التي تجري داخله. عبر أحاديثه وكتب المستشرقين الذين حاوروه. أدرك ،كطبيب وأديب، أنه كظاهرة فنية يمثل فرصة عظيمة لدراسة خفايا الإبداع وآلياته.
-تمر الرواية في مسارات سردية متوازية ما بين الحاضر والماضي.. كيف كنت توجد الخيط الرابط بينهما روائيا؟
- الرواية بها أزمنة متعددة: بداية الخمسينيات وفلاشات باك لحركة الطلاب في 46 وذكريات طفولة إدريس، وزمن رواية الإطار التي تجمع بين الأستاذ الجامعي وطالبته سامنثا، وأيضا عام 1970 عندما تلقى "يحيى" خبر وفاة روث ما بعد هزيمة 67. الانتقال بين الأزمنة والأمكنة أيضا تطلب استخدام تقنيات سردية استعرتها من عالم السينما والمونتاج. الفانتازيا أيضا كان لها دور كبير في السرد. هناك فصل يحكي عن المغني والمناضل الأمريكي الشهير وقتها "روبسون" و"شارلي شابلن" و"يحيى" والأستاذ الجامعي و"سامنثا"، فصل استخدمت فيه حيلا كثيرة حتى لا يشعر القارئ بأدنى قدر من الملل.
-استعنت في الرواية بمادة فوتوغرافية غنية عن روث.. إلى أي مدى ساعدتك تلك المادة على استكمال صورتك البحثية والروائية عن ملامحها؟
- الفوتوغرافيا جزء لا يتجزأ من النص. في البداية كانت في متنه وبين الفقرات، لكن لظروف الطباعة والنشر اضطررت لوضعها في بداية بعض الفصول. الفوتوغرافيا تصنع رتوش الحدث، وفي بعض الأحيان تكون محوره الذي يدور حوله الحوار والأحداث. كما أنها تصنع نوستالجيا لمن عاصر تلك الفترة و تجذب فضول الأجيال الجديدة.
-إلى جيل الخمسينيات وقاهرة الخمسينيات.. هكذا جاء إهداؤك للرواية.. ما السمة التي تجعل هذا الجيل يحتفظ بتلك الخصوصية؟
- لم يكن عبثا أن أهدي روايتي إلى جيل الخمسينيات، وإلى جيل ابنتي، وإلى القاهرة المدينة التي نعشقها ونمقتها في نفس الوقت. عندما أبدأ في الكتابة، تسيطر عليَّ فكرة مسيطرة، ولكن بمرور الوقت ترخي تلك الفكرة قبضتها، وتظهر أهداف أخرى للعمل. لعل من تلك الأهداف التوثيق والتأريخ للمكان والزمان.
جيل الخمسينيات في مصر جيل عجيب. هو الجيل الذي ولد إبان ثورة 19 وشهد إنجازات وانفتحت أمامه آفاق التعليم المدني، وشارك بقوة في أحداث الحركة الوطنية. لذا عندما عاصرناه في النهايات، كان من السهل أن ندرك مقدار صلابته وتشبثه بأداء دوره في مقدمة المشهد حتى النهاية. البعض اعتبر ذلك الجيل أنانيا ينحي للأجيال التي جاءت بعده. ولكن الحقيقة تفصح أن هذا الجيل تمتع بسمات وخصائص جعلته متفوقا على غيره. هذا الجيل رحل ولم يبق منه سوى قلائل، ورغم ذلك يظل ملء العين ولا نرى من يعوض مواهبه أو رموزه. تلك كلمة حق محزنة لنا تعبر عن مأزق مستقبل مصر.
- الرواية عامرة بشريط صوت نوستالجي وكذلك ذاكرة سينمائية هائلة.. هل كانت استعانتك بأغاني فترة الرواية وأفلامها نوعا من التوثيق التاريخي للمرحلة؟
- فكرت في أن أضمن الرواية وصلات للنت للأغاني والموسيقى التي استخدمتها في خلق أجواء الرواية. موسيقى رخمانينوف، وأوبرا كارمن وأغنيات روبسون وإديث بياف وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ومونولوج إسماعيل ياسين العبقري عن السعادة. كل ذلك جزء لا يتجزأ من سياق الأحداث. تمنيت أن أرفق وصلات النت مع الرواية ليستمع إليها القارئ، ولعل في النسخة المسموعة من الرواية متسع لها أو في النسخة الإلكترونية.
aXA6IDE4LjIyNy4wLjI1NSA=
جزيرة ام اند امز