بيانو فاطمة.. محمد المخزنجي يعزف نغمة خطر تشق طريقا للحنين
محمد المخزنجي يقدم تجربتين مغايرتين في السرد الأدبي عبر "نوفيلا" و"تكريسة"في "بيانو فاطمة والبحث عن حيوان رمزي جديد للبلاد"
تختبر فاطمة البيانو الذي وقعت في حبه، تدندن بأناملها عليه "يا أنا يا أنا أنا وياك.. صرنا القصص الغريبة" فيستقيم اللحن، وتحضر الحالة الفيروزية كهالة نور تتوج قصة حب قديمة بين راوي الحكاية وملهمته "فاطمة".
هذا ما يعرضه الأديب المصري محمد المخزنجي في أحدث إبداعاته "بيانو فاطمة والبحث عن حيوان رمزي جديد للبلاد"
يدور الراوي في فلك حنينه لـ"فاطمة"، الفتاة اللبنانية التي التقاها في فترة دراسته بالعاصمة الأوكرانية كييف، يوقظ الحنين داخله خبر خاطف في جريدة تحت عنوان "بيانو يتنبأ بالاهتزازات الارتدادية"، خبر ربما مرّ على الآلاف بلا معنى، في حين تسلل إلى عمق البطل وقاده إلى رحلة بحث وتقصٍّ عن هذا البيانو، يقوده في ذلك أمل وتطلع كبيرين أن يكون هو ذاته "بيانو فاطمة".
"بيانو فاطمة" هو عنوان "النوفيلا" الجديدة للكاتب المصري الدكتور محمد المخزنجي، في تجربة سردية متمردة على التصنيف الشائع للرواية، معتمدا على قالب "النوفيلا" المدججة بالألحان وتقليب دفاتر الماضي وتتبع خطى بطلته التي غابت.
"النوفيلا" هي الجزء الأول من كتاب "بيانو فاطمة والبحث عن حيوان رمزي للبلاد - نوفيلا وتكريسة"، الصادر عن دار "الشروق" المصرية، أما النصف الثاني "البحث عن حيوان رمزي جديد للبلاد" فهو نص آخر متمرد عن السياق التقليدي للكتابة والسرد، وهو "التكريسة"، التي كتبها بحس تجريبي ساخر، تتوالد من خلالها الأفكار في عصف كتابي يصل فيه الكاتب، عبر رؤية واسعة للحالة العالمية والاجتماعية، لتسمية حيوان قومي رمزي national animal للبلاد كما في كثير من دول العالم.
ويعد الدكتور محمد المخزنجي، مواليد 1950، من أبرز أصحاب تجارب البحث عن مسارات متوازية في الكتابة التي تجمع بين العلم بالأدب، مفسحا لنفسه حقولا شاسعة للتجريب في تلك المساحة، أدواته في ذلك حسه الأدبي الرفيع، وتخصصه في مجال الطب النفسي، وخبرته الطويلة كمحرر علمي، ما يفيض في أدبه ومقالاته، ويجعل المرور عبر أعماله نزهة مغايرة.
ففي "بيانو فاطمة" يكتشف العاملون وتلاميذ مدرسة الفرنسيسكان بمدينة بنها المصرية ظاهرة غريبة في قاعة الموسيقى، تحولت مع الوقت إلى ظاهرة مرعبة، وهي صدور نغمة مستمرة تشبه هدير طاحونة دوّارة من جهاز بيانو دون أن يلمسه أحد، وتستمر هذه النغمة وترتفع وتتحول لضجيج مزعج، وعند هذه النقطة تهتز الأرض، في واحدة من الاهتزازات الارتدادية التي لم تنقطع منذ الهزة الكبرى لزلزال 12 أكتوبر/تشرين الأول، حسب الراوي.
وتتناول الصحف الظاهرة الغريبة ويتم تداول خبر هذا البيانو المخيف، الذي يتنبأ بالهزات الأرضية الارتدادية، وانتشرت تأويلات شتى من بينها التفسير الشعبي الدارج بأن هذا البيانو "مسحور".
بالنسبة لراوي "النوفيلا" فإن ثمة خيطا آخر ارتسم في ذهنه فور قراءته هذا الخبر، فحرضه فورا لارتداء معطف المحقق، وخاض رحلتين بالتوازي، رحلة إلى مسرح الحدث في مدينة بنها، وأخرى في ذاكرته عندما التقى "فاطمة" في كييف.
"أين أنتِ الآن يا فاطمة؟" سؤال يطرق أبوابه بقوة منذ أن قرر فتح تحقيق عن ماهية هذا البيانو، وساوره الشك أنه البيانو ذاته الذي يخص فاطمة، الفتاة اللبنانية التي وقع في حبها ورفضت الزواج به، لكنه يتذكر كيف وصل البيانو عبر ميناء الإسكندرية إلى منزله بمدينة المنصورة.
يُباع البيانو لمشترٍ مجهول، ويستعيد الراوي ذكراه مع قراءته خبر "البيانو المسحور" الذي بات حديث أهل بنها وحديث الصحافة، ويحاول الاقتراب من دائرة البيانو بمدرسة بنها، مستعينا بكل الحيل الممكنة لمعاينة إذا كان هو البيانو ذاته الذي عبر كييف إلى المنصورة أم لا، في الحالتين كان يذوب في رحلة حنين طويلة، حتى يصل في نهاية المطاف لحقيقة البيانو، وتكون خير تتويج لرحلة بحثه وحنينه عن بيانو بطلته فاطمة.. ذات لون "الحليب الممزوج بالقرفة".