هجرة أطباء لبنان الأكفاء تنذر بكارثة صحية
في خضم المعركة التي يخوضها لبنان ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) يواجه القطاع الطبي أزمة من نوع آخر تهدد بانهياره.
تتمثل هذه الأزمة في هجرة أطباء أكفاء شكّلوا خط الدفاع الأول في التصدي للوباء، قبل أن يصابوا بنكسة نتيجة انفجار بيروت، الذي أدّى إلى سقوط ضحايا بين أفراد القطاع الصحي وتضرر عدد من المستشفيات.
ويأتي هذا في ظل أزمة اقتصادية تعصف بلبنان وأدت إلى تراجع القدرة الشرائية لدى مختلف شرائح المجتمع، فضلاً عن صرف جماعي للموظفين شمل أيضاً القطاع الطبي، الذي لم يجد كوادره أمامهم سوى خيار الهجرة على غرار آلاف اللبنانيين.
وما يزيد من صعوبة الوضع أن الهجرة تأتي مع بداية موجة ثانية من فيروس كورونا في ظل التخبط والارتباك الذي تعانيه السلطة، وعجز القطاع الصحي أمام نحو 2000 مصاب يومياً، وهو ما جعل المعنيين ونقابتي الأطباء والممرضين يدقون ناقوس الخطر.
وعن هذه الظاهرة، يكشف رئيس لجنة "الصحة النيابية"، النائب الدكتور عاصم عراجي، لـ"العين الإخبارية" عن هجرة أكثر من 1500 طبيب وممرض خلال 6 أشهر، وهو الرقم الذي يسجل تزايداً بشكل مستمر.
ويقول إن الذين اختاروا الهجرة هم من أفضل الكوادر في لبنان وأكثرهم خبرة، وتوجهوا بشكل أساسي إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي.
ويوضح أن أبرز الأسباب التي أدت إلى اتخاذ الأطباء والممرضين هذا الخيار، هو أنهم باتوا في الصف الأول بمواجهة وباء كورونا في غياب أي ضمانات لهم ولعائلاتهم، إضافة إلى أنهم باتوا مضطرين للتعامل مع أناس يرفضون الالتزام بإجراءات الحماية، ما أدى إلى إصابة عدد منهم و"أنا منهم".
ويلفت إلى أنَّ الوضع الاقتصادي المتأزم في لبنان حال دون حصول عدد كبير من العاملين في القطاع الطبي على رواتبهم فضلاً عن صرف بعضهم من أعمالهم، فكان أن توجهوا إلى خيار الهجرة.
ويقدّر عدد المنتسبين في نقابة الأطباء في بيروت بـ 12 ألفاً و500 طبيب يزاولون المهنة، إضافة لألفين و500 طبيب في مناطق الشمال، عدد منهم يعمل أيضاً منذ سنوات خارج لبنان.
والمشكلة نفسها تتحدث عنها، نقيبة الممرضين والممرضات في لبنان، ميرنا ضومط، مشيرة إلى هجرة متزايدة للممرضين من أصحاب الشهادات العليا ممن يملكون خبرات لسنوات كما أنهم اتخذوا قرار المغادرة مع عائلاتهم نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي باتوا يعيشونها.
وعن الأسباب التي أدت إلى اتخاذ الممرضين هذا القرار، تسأل ضومط: "هل هناك من سبب لبقائهم؟، موضحة: "في مواجهة أزمة وباء كورونا كانوا خط الدفاع الأول وعرّضوا حياتهم للخطر في وقت لم يؤمن لهم الكميات الكافية من الكمامات ووسائل الحماية وهدّدوا بلقمة عيشهم مع أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار والأزمة الاقتصادية في لبنان، حيث باتوا يعملون من دون رواتب أو بنصف راتب كما أن عدداً منهم صُرِف بشكل تعسفي بحجة الأزمة".
وتلفت إلى أنه في بعض الأحيان عندما يصاب الممرض بفيروس كورونا كان المستشفى يخصم من راتبه عند حصوله على إجازة، رغم القرار الرسمي الذي صدر عكس ذلك وفرض على المؤسسات الصحية دفع إجازات المرضى بالفيروس، في وقت صرفت دول أخرى رواتب إضافية وتحفيزات للعاملين في هذا القطاع.
وتشير إلى أنه يقدر عدد الممرضين المسجلين في النقابة بـ 16800 ممرض، هناك عدد منهم خارج لبنان، 49% منهم من حاملي الشهادات و51% يحملون الشهادات المهنية.
وتوضح أن الأشهر الأخيرة سجلت هجرة أكثر من 500 ممرض مع عائلاتهم.
وتحذّر ضومط من كارثة في حال استمرار هجرة الأطباء والممرضين مع أي إجراءات من الدولة ووزارة العمل لوقفها.
الصرخة هذه كان قد أطلقها أيضاً نقيب الأطباء، شرف أبو شرف، محذراً من هجرة المئات من الكفاءات الطبية بحثاً عن عمل مضمون ومستقبل بعيد عن الكوارث، مؤكداً أن هذه الهجرة سترتد سلباً على القطاع الصحي.
وأرجع أبو شرف هجرة الأطباء والممرضين إلى أسباب عدة منها تأخر سداد مستحقات الأطباء وتعرضهم لاعتداءات جسدية ونفسية وصعوبة تأمين المعدات الطبية وأزمة كورونا وكارثة انفجار المرفأ.
وفي محاولة منه لتقديم حلول لتخفيف الأعباء عن الأطباء وتحسين وضعهم المعيشي الذي يؤدي إلى اتخاذهم قرار الهجرة، يطالب أبو شرف وزارة الصحة بزيادة أجور الأطباء.
ووجّه في بيان، نداءً إلى وزير الصحة حمد حسن قائلاً: "ليأخذ في الاعتبار زيادة أجور الأطباء الذين يعالجون مرضى كورونا، بالتوازي مع رفع مخصصات المستشفيات التي تستقبل مصابي كورونا".