مسبار الأمل على أهميته العلمية وأسبقيته العربية، ليس مجرد مهمة علمية فحسب بل إنه بارقة أمل ستغير مجرى بحر اليأس العربي
بعد أعوام متواصلة من البحث والعمل أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة مسبار الأمل في أول رحلة عربية لاستكشاف كوكب المريخ، لتكون تاسع دولة في العالم تعمل على استكشاف الكوكب الأحمر.
مسبار الأمل على أهميته العلمية وأسبقيته العربية ليس مجرد مهمة علمية فحسب، بل إنه بارقة أمل ستغير مجرى بحر اليأس العربي، وتبدد ظلمة ليله المتطاول.
ولن يكون المريخ لوحده الفضاء الذي سيفتح مسبار الأمل للعرب، بل سيفسح لهم فضاءات معرفية لا متناهية، وبذلك تكون الإمارات قدمت النموذجَ الحيّ للطموح العلمي كحق مشروع وواجب قومي على أمة أسست في الماضي البعيد لعلوم كاملة، جنت البشرية جميعا ثمارها .
إن مسبار الأمل - ولكل شيء حظٌ من اسمه - هو تتويج لجهود علمية حثيثة بذلتها الإمارات على مدى أعوام، أنشأت خلالها هيئات ومراكز علمية كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، وكالة الإمارات للفضاء ومركز محمد بن راشد للفضاء، وأول جامعة للذكاء الاصطناعي في أبوظبي، وأطلقت خلالها أقمارا اصطناعية، وبنت مفاعلا لإنتاج الطاقة النووية لأغراض سلمية.
هذا الفتح العلمي يثبت مرة أخرى أن قدر الإمارات أن تظل قاطرة النجاح العربي والسباقة إلى تحقيق الطموح، والقادرة على تحطيم حواجز الخوف والإخفاق وعلى بث روح الجرأة في نفوس العرب والمسلمين.
قد يغيب عن كثيرين أن عمر الطموح الإماراتي بالوصول إلى الفضاء يكاد يكون عمر الدولة نفسها، فبعد قيام الاتحاد بثلاثة أعوام فقط وتحديدا 1974 بدأ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه يفكر بالفضاء، واستقبل عدة وفود مختصة لهذا الغرض، فقد كان الشيخ زايد يحلم بالوصول للفضاء وهو لا يزال يؤسس لدولته، ومن ذلك نستشف أصل حذف كلمة "مستحيل" من قاموس صناع القرار في الإمارات؛ فكيف لرجل لا يزال يؤسس دولة أن يفكر في الوصول للفضاء؟ إنه الطموح وعلو الهمة.
مسبار الأمل على أهميته العلمية وأسبقيته العربية، ليس مجرد مهمة علمية فحسب بل إنه بارقة أمل ستغير مجرى بحر اليأس العربي، وتبدد ظلمة ليله المتطاول.
سيقول المشككون والحاقدون من تحالف الشعوبية والغلو والتطرف والإرهاب إن غزو الفضاء ليس أولوية، سعيا إلى تقزيم الإنجاز الكبير، وأنى لهم ذلك؟ فغزو الفضاء ليس من السهولة، بحيث يتاح لمن لم يؤسس له على الأرض، هؤلاء يتجاهلون أن الإمارات مهدت الطريق لإنجازاتها العلمية داخليا برُقي كبير، وببنية تحتية قلّ نظيرها في العالم، وبتلاحم القيادة بالشعب، وبتوجه إنساني غايته خدمة البشرية ونبذ التطرف وتجريم العنصرية والتمييز والكراهية، كان من ثماره استحداث حقائب وزارية جديدة مثل التسامح والسعادة، وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، بعد تأسيس مجلس حكماء المسلمين ومنتدى تعزيز السلم والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة... إلخ.
لا يخفى أيضاً أن قادة الإمارات العربية المتحدة وعوا مبكرا أن لا مستقبل لاقتصاد لا يقوم على المعرفة، وأن أي دولة لا تقيم لاقتصاد المعرفة وزنا مهددةٌ في كيانها وستكتشف ما يخبئه لها المستقبل من تحديات، ولذلك بادروا إلى الاستثمار في المشاريع العلمية التي قد يعدها من لا يحظى ببعد النظر ولا يستشرف المستقبل ترفاً، والحقيقة عكس ذلك، وإن كان مسبار الأمل آخر هذه المشاريع العلمية الطموحة فإنه لن يكون بالتأكيد الأخير.
أطلقت الإمارات مسبار الأمل في ظرف عالمي صعب، بعد تجربة فضائية أخرى جاءت في عقد استثنائي من زمن العرب تمر فيه المنطقة بظروف لم تعرف لها مثيلا في تاريخها، حيث داعش والمنظمات الإرهابية تعيث فسادا في الأرض بعدما احتلت أجزاء من دول عربية وأعلنت دولة التخلف والجهل في سوريا والعراق وليبيا واليمن.
وأصبح العربي حيثما يمم وجهه إرهابياً حتى يثبت العكس، في هذا الظرف الاستثنائي أرسلت الإمارات ابنها هزاع المنصوري في مهمة لمحطة الفضاء الدولية لتقول للعالم بلغة لا تحتاج ترجمة إن الصورة النمطية التي يرسمها البعض عن العرب ويسعى أعداء الأمة لتكريسها مزيفة تماماً، وكان للإمارات ما أرادت ووصلت الرسالة على أكمل وجه.
ها هي الإمارات تطلق اليوم مسبار الأمل لتعزز صورة العرب والمسلمين مشاركين وروادا في المشروع العلمي الإنساني الحضاري الشامل، لا دعاة تطرف وإرهاب.. فشكرا للإمارات قيادة وحكومة وعلماء وشعبا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة