حدث عالمي جديد يجري على أرض الإمارات.. "الكونغرس العالمي للإعلام"، والذي بدأ أعماله في العاصمة أبوظبي أمس لمدة 3 أيام برعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة.
هذه هي الدورة الأولى لتلك النقلة النوعية في مجال الإعلام، وتنعقد تحت عنوان "صياغة مستقبل قطاع الإعلام".
وقد تأسس "الكونغرس" بمبادرة من دولة الإمارات، في خطوة جديدة تجسِّد وعي القيادة الرشيدة للدولة بأهمية الإعلام، باعتباره قناة سياسية ودبلوماسية على المستوى العالمي، وليس فقط الوطني.. إذ تحول الإعلام إلى أحد أهم الأوجه المستحدثة للعلاقات الدولية والتفاعلات على مستوى الشعوب والحكومات.
وتجسيدًا لما اعتادت عليه دولة الإمارات من الإمساك بزمام المبادرة وإحراز السبق في مختلف المجالات الحياتية، جاء انتباه قيادة الدولة إلى ضرورة الارتقاء بالدور الوظيفي لوسائل الإعلام، وتطوير محتوى وأشكال هذا الدور، بما يتلاءم والمستجدات المتلاحقة.
جدير بالذكر في هذا الخصوص، أن الإمارات صاحبة الريادة في مجال الإعلام منذ أعوام طويلة.. فقد عززت ريادتها بتطوير وتحديث القدرات الفنية والمهنية للإعلاميين والعاملين في المؤسسات الإعلامية.. ثم بتطوير الرسالة الإعلامية المقدمة إلى الجمهور وتحويلها إلى رسالة "إنسانية" و"معولمة" تخاطب الإنسان في كل مكان على الكرة الأرضية بصفته المجردة.. والتحرر في ذلك من القوالب الجامدة الخاصة باللون والدين والجنسية، وغيرها من الهويات الضيقة.
وهنا ملمح مهم لا بد من الوقوف عنده، وهو أن السياسة الإعلامية الإماراتية جزء من إدارة الدولة ككل بأيدي قيادتها الرشيدة، أي إنها عبارة عن منظومة متكاملة ومتجانسة يكمل بعضُها بعضًا.. لذا يمكن بسهولة إدراك أن ذلك التجريد للبعد الإنساني في الإعلام ليس إلا تجسيدًا للتوجه الإماراتي العام، الذي يتعاطى مع العالم وقضاياه الإنسانية دون اجتزاء ولا انتقائية ولا شروط مسبقة.
وفي ظل التداخل الكبير، الذي طرأ مؤخرًا بين التواصل البشري والتكنولوجيا الحديثة، تحوَّل الإعلام بدوره إلى ساحة مفتوحة يتقاطع فيها التقدم التقني في الاتصالات مع الذكاء الاصطناعي والرقمنة، ليتبلور ما يسمى "الفضاء الإلكتروني".. ويصبح ساحة رَحْبة متعددة الاستخدامات والأدوات وكذلك الأهداف: إعلام، تفاعل إنساني، مشاركة مجتمعية وسياسية، عصف ذهني جماعي، مخزن للأفكار، ومصنع لتوجهات وآراء في شتى المجالات.
وتماشيًا مع هذا التنوع وتعددية الأوجه، انتقلت دولة الإمارات برؤيتها للتعاطي مع الإعلام إلى مرحلة أعلى، بتشكيل "كونغرس" للإعلام على مستوى العالم.. ليكون كيانًا شاملا معولمًا، يضم العالم ككل تحت مظلة واحدة.. وتجتمع فيه أوجه ومكونات الإعلام كافة، من محتوى وأدوات وتقنية وعنصر بشري.. وتتقاطع فيه زوايا النظر للإعلام من ناقل للخبر إلى ساحة للرأي ومنتدى للنقاش، وصيغة تنظيمية توافقية وتشاورية على مستوى العالم.. لذلك تنعقد هذه الدورة الأولى.
من هنا نبعت فكرة إطلاق تسمية "كونغرس" على تلك المبادرة غير المسبوقة، لتجمع تلك الخواص وتجسد هذه الطبيعة الشاملة الجامعة.. وهو ما انعكس بشكل واضح على جدول الأعمال الحافل، الذي تضمن محاور متعددة وثرية على مدار أيامه الثلاثة.. موزعة على ثلاثين جلسة حوارية يشارك بها أربعون متحدثًا رئيسيًّا خلاف مشاركات الحضور.. وقد بدأت بالتركيز على محاور الإمكانات المتاحة لقطاع الإعلام، وأولويات المستقبل، والاستثمار في "الميتافيرس".
وإدراكًا للمردود الاجتماعي والعَلاقة التبادلية بين الإعلام والمجتمع، يناقش "الكونغرس" اليوم النقلة النوعية التي أحدثتها شبكات التواصل الاجتماعي في المشهد الإعلامي.. كما يسلط الضوء على تأثير مراكز الفكر والرأي في المحتوى الإعلامي، باعتبارها مؤسسات بحث وتحليل لتأثيرات المحتوى في اتجاهات ومواقف الجمهور المتلقي والرأي العام.. وهو ما يستتبع بدوره غدًا في اليوم الثالث تناول أبرز التوجهات الحالية والمتوقعة في الاستهلاك الإعلامي، وكيفية سد فجوة المهارات المطلوبة لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة وما بعدها.
بعد جائزة الصحافة العربية، التي تطورت لتصبح "منتدى الإعلام العربي"، الذي تستضيفه دبي، وبعد المنطقة الإعلامية الحرة في أبوظبي.. تكمل دولة الإمارات سلسلة إنجازاتها في مجال الإعلام، بعد أن أثبت "الكونغرس العالمي للإعلام" من أولى دوراته أنه وُلد عملاقًا، وأنه جدير بدور الراعي والمظلة للإعلام بكل أبعاده ومكوناته على مستوى العالم.. لتقود الإمارات العالم نحو طفرة في مجال الإعلام تتجاوز حدود التطوير والتحديث.. وتطمح إلى بلورة منظومة إعلامية عالمية متكاملة، تجمع تحت مظلتها بين الإشراف والتنظيم والتشاور والتطوير وتبادل الخبرات ومواكبة التطور التكنولوجي والمعرفي المتسارع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة