رغم ما يعيشه عالمنا اليوم من حروب وصراعات، وهو الواقع الذي كاد يدفع البعض إلى توقع اندلاع حرب عالمية ثالثة لا تُبقي ولا تذر..
وتزامنا مع استمرار وجود حركات إرهابية تنشط في أماكن عديدة من العالم دقًّا لطبول التطرف والقتل باسم الدين.. انعقد في عاصمة دولة الإمارات، أبوظبي، المؤتمر التاسع لـ"منتدى أبوظبي للسلم" تحت عنوان "عولمة الحرب وعالمية السلام"، فكان بارقة أمل للجميع، حيث وجّه رسالة للعالم مفادها أن هناك مَن يعمل دون كلل ليعم السلام أرجاء المعمورة.
المقاربة الإماراتية الراشدة والواعية والرزينة لنشر السلام والتسامح والتعايش عبّر عنها معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح الإماراتي، في كلمته، حيث أكد أن البشرية في أمسّ الحاجة إلى مدّ الجسور، والأخذ بالمبادرات، وإتاحة الفرص أمام الجميع من مختلف أنحاء العالم للتعارف والحوار والعمل المشترك، لمواجهة هذه التحديات وتحقيق السلام، ونبذ العنف، والتمكين للتنمية والتعايش المشترك، بين الأمم والشعوب كافة.
العلّامة المُجدِّد الشيخ عبد الله بن بيه، أنزل المؤتمر منزلته في إطاره وسياقه، حيث أكد أن "منتدى أبوظبي للسلم" يسير وفق رؤية القيادة الرشيدة لدولة الإمارات، والتي قررت أن يكون شعار هذه المرحلة هو "السلام والتعافي والازدهار".. وهي الرؤية التي في إطارها نعمل.. يقول الشيخ العلّامة، لحشد الجهود وتعزيز السلم والتعاون على الخير والبرّ وقول الحُسنى للناس أجمعين، برعاية كريمة من سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي.
السِّلم كان سياقا جامعا مانعا وقاسما مشتركا في كلمات الشخصيات المهمة في العالم الإسلامي، التي حضرت المؤتمر.. عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى شدد على أن السلم والسلام من أكثر الكلمات حضورًا في حياة المسلم يوميا، وأكد حاجة العالم إلى أن يرى السلم واقعا وفعلا ملموسا.
ثنائية الفعل والقول حضرت في كلمة أمين عام رابطة العالم الإسلامي، حيث شدد على أن صُناع السلام لا يكتفون بالشعارات والكلام، وإنما يعملون كأدوات فاعلة من أجل تحقيق السلام.
يلوح من خلال المتابعة الرصينة لإسهامات الشيخ "بن بيه" الفكرية المتواصلة حضور فكرة مركزية مؤدّاها أنه رغم أن غالبية العلماء العرب يُعلون من شأن المطالبة بالحقوق ويرونها أولوية الأولويات، فإن العلامة الشيخ عبد الله بن بيه يخالفهم في كونه يرى أن السلام هو أولوية الأولويات، مع عدم إهماله أو إنكاره الحقوق، وأن استمرار الحرب حتى تُنالَ الحقوق يعني أن سيفنى الجميع قبل أن تُنال الحقوق.
أما إذا كان الهدف هو البحث عن السلام فسيكون ذلك حفظًا للنفس، التي مَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا، وسبيلا آمنا لنيل الحقوق عن طريق الحوار والتفاوض.
والملاحَظ أن جميع حركات الإسلام السياسي الإرهابية تلعب على وتر المطالبة بحقوق الشعوب لتصل إلى كراسيّ الحكم، وبات واضحًا للجميع أن شعارات حقوق الشعوب، التي ترفعها هذه الحركات، هي شعارات زائفة تستهدف من خلالها الضحك على الشعوب لأهداف سياسية.
ولقد رأى الجميع رأْي العين خلال العشرية الأخيرة أن أهداف هذه الحركات وشعاراتها الرنانة لم تُؤدِّ إلا لسقوط دول عربية انهارت تماما وأصبحت شعوبها تعاني الأمرّين من ويلات الحروب واللجوء والتشرد والقتل.
ونقيضًا لتلك الرؤية، التي لم تُنتج إلا الخراب والدمار والفوضى، فإن منظومة التسامح والتعايش لدولة الإمارات تُعتبر صمام الأمان والطريق الأنجع لعبور المجتمعات والدول إلى برّ الأمان.. والحديث عن تلك المنظومة هنا ليس كلاما فقط، بل واقع مشاهَد، فالمجتمع الإماراتي مجتمع مسالم وناجح، لأن فضيلة وقيمة التسامح طاردة لجميع الأمراض، التي تحول دون السلم المجتمعي، ومرسخة لبناء الجسور وتحقيق السلم والتعايش بين المجتمعات، وعندما ينتشر التسامح تنتشر المحبة.
الخلاصة، التي خرج بها "منتدى أبوظبي للسلم"، هي أن تعزيز السلم في العالم هو الأمل الوحيد، الذي سيجعل الشعوب تعيش بأمن وأمان في دولها الوطنية القائمة على نشر السلم بين الجميع بغض النظر عن العرق والدين والطائفة، لذا يجب علينا جميعا أن ندعم هذه الجهود، التي تجمعنا في بوتقة واحدة أساسها السلم والتعايش، كما ينبغي علينا الاطلاع على فكر العلّامة المُجدّد الشيخ عبد الله بن بيه ونشره، وبذلك نكون قد أدَّينا الأمانة وأسهمنا في عالمية السلام من أجل الإنسانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة