فاز الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة بأغلبية في مجلس النواب تكفي لعرقلة برامج البيت الأبيض.
ولكن المبالغات بـ"مدّ جمهوري أحمر" يكتسح مجلسَي الكونغرس هي التي هُزمت.
والدرس هنا متاحٌ لمَنْ يعترف به ويدرك معناه.
ولكي ترش إدارة الرئيس جو بايدن مِلحًا على ما تمت هزيمته، فإنها تنظر إلى احتفاظها بالأغلبية في مجلس الشيوخ على أنها "نصر مؤزّر"، رغم أنها ليست سوى عودة إلى التوازن السابق. والغلَبة فيه تعتمد على صوت الترجيح الذي تملكه نائبة الرئيس، كامالا هاريس.
الجمهوريون يلقون باللوم في "المبالغات" على حملة الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أراد منها أن يعزز حظوظه بالعودة إلى البيت الأبيض. فقد دعّم مرشحين خسر كثير منهم السباق، كما حصل في أريزونا ونيفادا.. بينما حافظ خصومه الجمهوريون على مواقعهم في عدد من الولايات مثل جورجيا وفلوريدا.
لو أن "المد الأحمر" تحقق فعلا، فذلك كان سيعني أن سُلطة ترامب على الحزب الجمهوري قد أصبحت لا تُضارَع.. وبالتالي، فإنه سيدخل حلَبة المنافسة على الترشيح للرئاسة في عام 2024 دون تحدٍّ جمهوري جاد.
ولو أنه تبنّى تقديرات أكثر تواضعًا لنتائج الانتخابات النصفية، لبقي يحتفظ بفرص أفضل.. ولكن المبالغات، التي كانت من بين أهم أدواته للمنافسة الداخلية، صارت هي التي تحد من تلك الفرص.
التصور الذي يُشيعه منافسو "ترامب" هو أن الحزب الجمهوري لم يعد مُختطفًا من جانب القاعدة المؤيدة لـ"ترامب".. وأنه هو نفسه "لا يمثل السياسات والقيم الجمهورية التقليدية"، وأنه يتصارع من أجل العودة إلى البيت الأبيض لاعتبارات تتعلق بالاعتداد الشخصي، أو بالانتقام من هزيمة لم يعترف بها قطُّ أمام بايدن.
قصارى القول من ذلك، هو أن "الاكتساح" الذي لم يتم في مجلسَي الكونغرس، لم يعد يبرر فكرة أن يحصل ترامب على "اكتساح" مماثل داخل الحزب الجمهوري.. والتوزانات، التي عادت لتستقر في المجلسين، رغم تقدم الجمهوريين في أحدهما، هي التي تشرع الأبواب أمام "توازنات" جمهورية تُفسح المجال لبروز منافسين يتحدون "ترامب".
الشخصيتان الأبرز هما: حاكم فلوريدا رونالد دي سانتيس، الذي تجدَّدت حاكميته بأغلبية ساحقة، ما يُوحي بأنه أقرب واقعيا إلى تحقيق "الاكتساح" المأمول من "ترامب".. ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وهو شخصية تمتلك من المؤهلات ما تجعله واحدًا من بين أبرز المرشحين، حتى بالقياس إلى "دي سانتيس"، الذي تتجه إليه الأنظار على أنه "النجم الصاعد".
يضع "بومبيو" في سجل خبراته أنه كان مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وعضوًا بمجلس النواب الأمريكي عن ولاية كانساس بين عامي 2011 و2017، وعضوًا باللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، التي تمثل قيادة الحزب، وحاصلا على الترتيب الأول في دفعته عندما تخرج مهندسًا في الميكانيك من الأكاديمية العسكرية الأمريكية في نيويورك عام 1986، وضابطًا في الجيش الأمريكي حتى عام 1991، وحاصلا على الدكتوراة في القانون من جامعة هارفارد، ومحررًا لمجلة هارفارد القانونية، ومحاميا في إحدى أشهر شركات المحاماة في واشنطن.. كل ذلك من قبل أن يُصبح وزيرًا للخارجية في عام 2018، ما يجعله جامعَ خبراتٍ من عدة جهات.
وفي حين يستطيع الرئيس السابق "ترامب" أن يصطاد بعض ما قد يحاول من خلاله التقليل من شأن "دي سانتيس"، فمن الصعب أن يجد ما يصطاده من الانتقادات لـ"بومبيو".
الديمقراطيون إنما ينتظرون الصدام، ليكون نوعًا من تهشيم المرايا داخل البيت الجمهوري، فيخرج الجميع من المعركة الداخلية جرحى.
نقطة ضعف الديمقراطيين هي بايدن نفسه. لا لشيء، إلا لأنه أكبر سنًّا من أن يستطيع مقاومة ضغوط الرئاسة حتى عام 2028، ونائبته تبدو أقل نفوذًا من أن تكسب أي انتخابات.. وهي بكل تأكيد أقل خبرة من منافسين مثل "دي سانتيس" أو "بومبيو"، وسرعان ما سوف تبدو أمامهما نجما بلا ضياء.
المبالغات، التي عطّلت قطار "ترامب"، يمكنها أن تعطل قطار المنافسين الآخرين، إذا ما اتخذوها وقودًا لتعزيز الفرص.
وواقع التوازن القائم الآن يُلزم الجميع أن يتّخذوا من خبراتهم وقودًا لبناء ترشيح قادر على الوصول بهم إلى المحطة النهائية.
الرئيس ترامب لم يعترف بهزيمته أمام بايدن، وقد لا يعترف بأي هزيمة أخرى. ولكن، ما تمت هزيمته في انتخابات الكونغرس قدّم درسًا مفيدًا ومبكرًا.. ويوفر لنفسه فرصًا أفضل مَنْ يجرؤ على الاعتراف به.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة