الدلالة التي يمكن استنتاجها من زيارة الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، إلى جمهورية الهند التي بدأت أمس تتلخص في أنها تأتي: ضمن سياق حرص دولة الإمارات على تعزيز الموثوقية بين الشعبين (الإماراتي والهندي) والدولتين.
كما يتوقع لها أن تكون حجر زاوية في ترجمة الاتفاقيات والتفاهمات التي جرى إبرامها مؤخراً بين البلدين إلى خطط عملية وقرارات تنفيذية. حيث يرافقه في الزيارة وفد رفيع المستوى يضم وزراء ومسؤولين عن ملفات تنموية واقتصادية.
لأن العلاقات الإماراتية-الهندية حالياً تشهد مرحلة جديدة، تجني فيها ثمار التعاون الوثيق بين الدولتين خلال العقد الماضي الذي حفل بمحطات مهمة في التنسيق وتعزيز الترابط في مختلف القطاعات وعلى كافة المستويات الشعبية والرسمية.
وبصفة خاصة منذ تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئاسة الدولة في مايو/أيار 2022، بالتزامن مع تفعيل اتفاقية "الشراكة الاقتصادية الشاملة" بين البلدين، المبرمة بين البلدين في فبراير/شباط من العام نفسه.
وخلال العامين الماضيين، تبلورت ملامح تلك الشراكة على أرض الواقع، وترجمتها الكثير من مظاهر الاهتمام المتبادل بتدعيم العلاقات وتوطيدها، وخصوصاً في القطاعات التنموية. وكان من نتيجة ذلك أن وصل حجم التجارة غير النفطية إلى 53 مليار دولار في العام الماضي 2023 ويعمل الطرفان على تطويرها لتصل إلى 100 مليار دولار مع نهاية العقد الحالي.
الواقع أن الاتفاقية الشاملة بين الإمارات والهند، جاءت لتتوج منظومة كاملة من أوجه التعاون ومسارات العلاقة الودية والتعاونية بين الشعبين والبلدين. وفي ذلك دلالة مهمة لجهة مقومات تطوير العلاقات بين الدول، والتي يأتي على رأسها التفاعل الوثيق على المستوى الشعبي. حيث يقيم في دولة الإمارات ما يزيد على ثلاثة ملايين ونصف مليون هندي، بما يعنيه ذلك من تفاعل إنساني بين الشعبين وتواصل بين الثقافتين الهندية والإماراتية وامتزاج للتقاليد والقيم المجتمعية.
وكما تلعب الجالية الهندية في دولة الإمارات دوراً مهماً في تحريك عجلة التنمية في دولة الإمارات وكذلك في الحياة اليومية للمواطن الإماراتي وأسرته وأعماله، فإن التحويلات المالية من العاملين في الإمارات تمثل مصدراً مهماً للدخل لدى ملايين الأفراد من أسر وتوابع أفراد الجالية في وطنهم الأم الهند.
ولتلك الشراكة الشعبية مردودها على قطاع السياحة في دولة الإمارات، حيث يزداد عدد السائحين الهنود إلى الدولة عاماً بعد الآخر. كما صارت الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند، بينما الهند ثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات.
ومن الأمور اللافتة والمهمة في مستجدات العلاقات الإماراتية الهندية، عدم الاقتصار في التعاون بين البلدين على الإطار الثنائي، وذلك اتساقاً مع سعي دولة الإمارات الدائم إلى الارتقاء بعلاقاتها التعاونية مع الدول الصديقة. حيث طورت الإمارات فكرة الشراكات الثنائية التي أقامت عدداً كبيراً منها مع مختلف دول العالم في الأعوام الأخيرة، لتتحول إلى شراكات جماعية تنتظم فيها الروابط بين مجموعة دول وتتعاظم المصالح والعوائد المشتركة لها معاً.
والنموذج الواضح لهذا النمط هو مشروع الممر التجاري العالمي الذي يربط الهند بأوروبا مرورا بالشرق الأوسط، والذي أعلن عنه في سبتمبر/أيلول من العام الماضي ضمن فعاليات قمة العشرين التي انعقدت في نيودلهي، أثناء حضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لأعمال القمة. ليجسد خطوة جديدة نحو توثيق التعاون الثنائي تحت مظلة اتفاقية الشراكة الشاملة، وتوظيف ذلك المسار الثنائي في إطار جماعي.
جدير بالانتباه في العلاقات بين دولة الإمارات والهند، استشراف المستقبل وبعد النظر الإماراتي في توجيه بوصلة التعاون والتنسيق مع دول العالم. فالاهتمام الإماراتي بالعلاقة مع الهند يعكس إدراكا واعيا لطبيعة الوثوقية الحاصلة بالفعل والتداخل بين مصالح الشعبين ومكاسبهما من تطوير العلاقات.
وفي الإطار الأوسع، ترمي دولة الإمارات بنظرها بعيداً إلى مستقبل النظام العالمي وما ينتظر الهند من صعود وتنامٍ في مكانتها عالمياً، سواء في المنظومة الاقتصادية العالمية أو من منظور جيواستراتيجي، حيث تلعب الهند دوراً محورياً في أكثر من دائرة إقليمية، سواء في غرب آسيا أو كدولة مطلة على المحيط الهندي وقريبة من بحر العرب والخليج العربي، أو كواحدة من نقاط عبور التجارة العالمية، والبحرية خصوصاً، بين الشرق والغرب. وكما تقوم سياسة دولة الإمارات الخارجية على التوازن الدقيق في تحالفاتها ومسارات تعاونها مع مختلف القوى الكبرى، فإنها تنظر بعين التقدير والاهتمام إلى الدول الأخرى التي لا تنخرط بشكل كامل في تحالفات مغلقة، وتحرص على تنويع تحالفاتها وموازنة روابطها مع القوى الكبرى والجديدة في النظام العالمي، والهند هي النموذج الواضح والناجح في هذا الاتجاه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة