تناولنا في مقالة سابقة كيف ربحت دولة الإمارات حربها مع التطرف الديني وسنخصص هذا المقال لموضوع مهم آخر لا يقل في الأهمية وهو النموذج الإماراتي في تنظيم فضائها الديني.
فلكي تسطر دولة الإمارات انتصارها في معركتها ضد التطرف كان يتوجب عليها تنظيم المجال الديني وذلك للأسباب التالية: 1. لعدم ترك الفضاء الديني مستباحاً من الجماعات المتطرفة تبث فيه ما يفسد على الناس دينهم ودنياهم ويهدد الدولة والنظام العام، لأن تلك الجماعات لا تؤمن بالدولة الوطنية وعادة ما تستخدم من قوى إقليمية ودولية في غير صالح دولهم ومجتمعاتهم. 2. توفير مساحة للفاعلين في المجال الديني الذين يسعون بصدق لتنشئة الناس على مكارم الأخلاق وحسن المعاملة والولاء للوطن والسعي لنهضة المجتمع ونمائه المستدام.
ولكن ما هي أبرز آليات تنظيم دولة الإمارات لمجالها الديني؟ يمكننا القول بأن الدولة اعتمدت عدة آليات لتنظيم مجالها الديني من أهمها توحيد خطبة الجمعة للتمكن من بث محتوى واضح ومدروس وواقعي لتثقيف الناس في دينهم وخصوصاً فيما يتصل بمنظومته الأخلاقية والوطنية والنأي بخطبة الجمعة عن أي أدلجة أو غلو وعدم استخدامها في نقل ثقافات غير إماراتية أو استغلالها في نقل الصراعات الخارجية للدولة وكذلك الاستفادة من توحيد الخطبة من لإيصال رسائل موحدة تخدم المجتمع في جميع المجالات.
كما جعلت الدولة من مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي مركزاً موحداً للإفتاء والمخول الوحيد للإفتاء الشرعي في الدولة. كما سعت الدولة من خلال هذا المجلس لتطوير صياغة خطاب شرعي استباقي يراعي الإرث الثقافي للدولة ويبنى نموذجا حضاريا للفتوى يدعم الجوانب الإنسانية.
كما حدثت الدولة مناهج التعليم لتتناسب أكثر من أي وقت مضى مع قيم التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية. كما ساهمت الدولة في تدعيم البرامج الإعلامية التي تبث محتوى مناهضا للتطرف ومفككا للأفكار الظلامية.
ولم تكتف دولة الإمارات بتنظيم فضائها الديني الداخلي المباشر، ولكنها تعاونت مع الدول الشقيقة والحليفة لتنظيم الفضاء الديني الإقليمي والعالمي نظراً للتداخل بين الوطني والإقليمي والعالمي في عصر العولمة. فعلى سبيل المثال شاركت شخصيات دينية وأكاديمية إماراتية في اجتماع هو الأول من نوعه لمسلمي دول البريكس، حيث أكد هؤلاء مع نظرائهم من الدول الأخرى أهمية التعاون المشترك في تنمية وتوسيع نطاق التعاون في المجال الديني بين الهيئات الدينية الإسلامية لدول أعضاء مجموعة البريكس لتعزيز قيم الحوار والسلام بين ممثلي الديانات والطوائف في المجتمع وحفاظا على القيم الروحية والأخلاقية للبشرية.
كما استضافت دولة الإمارات على أراضيها “مجلس حكماء المسلمين" ويضم في عضويته نخبة من العلماء ويهدف إلى تعزيز السلم، وترسيخ قيم الحوار والتسامح والانفتاح على الآخر ومد جسور التعاون بين بني البشر على اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم.
وأثمر كل ما سبق تنقية الفضاء الديني الإماراتي من الأفكار المتطرفة والهدامة وبالتالي تعزيز استقرار المجتمع والتركيز على التنمية والازدهار. كما أثمر ذلك دورا إقليميا ودوليا لدولة الإمارات في كيفية تنظيم الفضاء الديني وفي كيفية التعاون الدولي في مجال مجابهة الأفكار المتطرفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة