صناعة النشر العربية وخريطتها... الإماراتيون وصلوا
رقميا، يمثل الناشر الإماراتي، ومعه المؤلف والكتاب، قيمة أساسية وليست مضافة في معرض الشارقة الدولي للكتاب. إذ قبل صدور الأرقام الرسمية عن حجم المشاركات، يمكن التأكيد بأن القسمات المحلية تمثل العلامة الأبرز في الصورة الكلية للمعرض.
رقميا، يمثل الناشر الإماراتي، ومعه المؤلف والكتاب، قيمة أساسية وليست مضافة في معرض الشارقة الدولي للكتاب. إذ قبل صدور الأرقام الرسمية عن حجم المشاركات، يمكن التأكيد بأن القسمات المحلية تمثل العلامة الأبرز في الصورة الكلية للمعرض. وبجهد ذاتي، ومن خلال مراجعة قائمة العارضين، يتبين أن عدد العارضين الإماراتيين يتجاوز نسبة العشرة في المائة. وهي نسبة معتبرة في معرض يعد بحسب منظميه، واعتراف الجهات الدولية المختصة، الحدث الثالث في العالم. ومن بين مئات دور النشر الحاضرة من مختلف الدول العربية ومن شتى أنحاء العالم، هناك على وجه التقريب حوالي 200 عارض إماراتي، ما بين مؤسسة رسمية يعتبر النشر في اختصاص معين، أكاديمي أو قانوني أو معرفي عام، واحدا من أنشطتها، وبين دور نشر تعتبر صناعة الكتاب نشاطها الوحيد.
واللافت أن دور النشر المحلية هي من بين الدور الأكثر استقطابا للزوار داخل المعرض، سواء على سبيل الاطلاع أو بقصد الاقتناء. يكفي أن تمر في زيارات متتالية على أجنحة مثل دار كتّاب، أو دار مدارك، أو دار هماليل، لكي تلاحظ حجم الإقبال من جمهور متعطش لقراءة كتاب إماراتي. طبعا تمثل هذه الدور وغيرها القطاع الخاص في صناعة النشر الإماراتية، تتوازى معها جهات رسمية تجعل من النشر قاعدة أساسية لأنشطتها مثل دائرة الإعلام والثقافة في الشارقة، ودار كلمات، والإدارات التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، واتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، وغير ذلك من مؤسسات.
قبل عقدين من الزمن، كان الكتاب الإماراتي عبارة عن جهد ذاتي محض. فالمؤلف كان هو الناشر وهو الموزع وهو المروج في هذه الصناعة المعقدة. فأغلب الكتب التي أصدرها مولفون إماراتيون في تلك البدايات، تخلو من أية إشارة لأي دار نشر. كلها كانت عبارة عن نشر خاص بجهد خاص، ما خلا بعض المحظوظين الذين نشروا أعمالهم في بيروت أو القاهرة.
اليوم انقلبت المعادلة، فكثير من المؤلفين العرب يسعون إلى نشر أعمالهم في الإمارات عن طريق دور محلية، سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام. ولهذا التوجه أسباب مهنية وعملية. فالكتاب الصادر في الإمارات هو بكل المقاييس عالي الجودة، من حيث الطباعة واستخدام الألوان ونوعية الورق والتدقيق. ثم أن يحمل كتاب ما اسم دار نشر إماراتية فذلك يعني جواز سفره بلا حواجز أو عقبات، دون أن يعني ذلك حلاً لمشكلات التوزيع في العالم العربي، فتلك قضية تكاد تكون مستعصية في عالم النشر العربي.
وبحسب تأكيدات الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للناشرين، المؤسس والرئيس الفخري لجمعية الناشرين الإماراتيين، أثناء مشاركتها في القمة العالمية للنشر بمدينة فرانكفورت في ألمانيا، التي انعقدت تزامناً مع انطلاق معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، فإن صناعة النشر في الإمارات “شهدت تقدماً كبيراً وملحوظاً، الأمر الذي تؤكده الإنجازات اللافتة التي حققتها هذه الصناعة خلال العقود الثلاثة ونصف العقد الماضية، والتي بدأت بإصدار أول قانون للمطبوعات والنشر في ثمانينيات القرن الماضي، التي شهدت أيضاً انطلاق أول نسخة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، وشكلت هذه المبادرات الركائز الأساسية التي قامت عليها صناعة النشر الحديثة في الدولة، ما أسهم في تطوير وتوسيع هذا القطاع الحيوي، كما شكّل إطلاق العديد من المشروعات الثقافية الرائدة على مستوى الإمارة، في أواخر عام 2000، دفعة قوية لهذا القطاع وتطويره بمهنية عالية”.
وبحديث الأرقام تقول الشيخة بدور القاسمي: "تعد سوق النشر الإماراتية واحدة من أسرع أسواق النشر نمواً على المستوى العالمي، وتشير الإحصاءات إلى أن هذه السوق حققت نمواً سنوياً بنسبة 12% خلال العقد الماضي، ويقدر إجمالي قيمتها حالياً بنحو 233 مليون دولار أميركي (855 مليون درهم)، حيث تصنف 24 عالمياً من حيث عدد الكتب والعناوين التي يتم نشرها في كل عام. ونحن اليوم ننشر نحو 500 عنوان جديد في العام مقارنة مع ستة كتب فقط تم إصدارها عام 1970، فيما تتجاوز صادراتنا من الكتب نحو 40 مليون دولار أميركي سنوياً، وتعد أوروبا أكبر شريك تجاري عالمي لنا في هذا القطاع، وتبلغ قيمة التبادلات التجارية في قطاع النشر بين الإمارات والاتحاد الأوروبي ما يزيد على 90 مليون دولار أميركي (نحو 331 مليون درهم) سنوياً”.
لكن هل تعني هذه الأرقام أن قطاع النشر الإماراتي ينطلق بلا عقبات؟ تجيب الشيخة بدور القاسمي بأن 40% من الناشرين يعتقدون أن فجوات المهارات تشكل التحدي الرئيس أمام تطور صناعة النشر ونموها، وهو الأمر الذي ناقشته باستفاضة ندوة عن صناعة النشر في الإمارات، أقيمت في إطار فعاليات المعرض، تحدث فيها الناشر جمال الشحي، مؤسس دار كتّاب، عما أسماه، ضرورة إلمام الناشر المحلي بالواقع الثقافي الإماراتي، بالإضافة إلى وجوب تمتعه بخلفية إدارية معينة يستلزمها هذا القطاع. وهو ما أكد عليه أيضا الكاتب سلطان العميمي بحديثه عن اشتراطات الوعي والثقافة والخبرة في صناعة النشر، وفصّلته الناشرة البريطانية ايزابل بالهول في كلامها عن غياب قواعد البيانات الضرورية لضبط العلاقة بين الناشر والموزع في عملية التسويق.
هذه الصورة عن قطاع النشر في الإمارات قد تبقى صورة بلا إطار، لو لم ترتبط بجهد مميز تقوم به هيئة الشارقة للكتاب من خلال برنامج تدريب الناشرين، وهو نشاط سنوي تنظمه بالتعاون مع مركز النشر في كلية الدراسات المهنية بجامعة نيويورك. والبرنامج بشكله ومضمونه الأكاديمي المهني يتميز ببعد آخر هو الفرص التي يوفرها للناشر المحلي، بالاتصال مع شبيهه في العالم لتبادل الخبرات والمنافع.
إذن، حوالي 200 دار وجهة نشر في الإمارات، تنتج 500 عنوان جديد كل عام.. ولكن ما هو الجديد في تلك العناوين؟ في الإجابة يمكن الاختصار والإجمال، بالقول إنه زمن الرواية الإماراتية.. لكن هذه المسألة تستحق معالجة خاصة..