هذا التسامح هو الذي أتاح بيئة مبدعة جاذبة جعلت من الإمارات في الصدارة في كافة المقاييس
في مثل هذه الأيام من كل عام نقف بالتأمل أمام تلك الحالة الخاصة التي يترفل في نعمها شعبنا، ونقف على الضفة الأخرى من النهر لنتأمل دروس التاريخ التي تخبرنا أن هناك دائماً عقيدة سياسية، وهوية وطنية تؤسس لحالة شعب أو قيام دول وإقامة اتحادات بين الشعوب.
إن المدقق في سر قوة اتحاد الإمارات يجد أن عنوانه الكبير هو التسامح، ذلك التسامح الذي جعل الوطن بيتاً لكل القاطنين على أرضه، ووحّده، فصار شعاره «البيت متوحد»؛ بمعنى وحدة القيادة التي كانت دائماً مصدر الثقة التي تجذّرت منذ اللحظات الأولى في قلوب الشعب تجاه قيادته
وقد تكون الفلسفة السياسية التي تقوم عليها دولة ما أساسها فكرة التمييز العرقي، لتعتبر أن كل من لا ينتمي إلى نفس العرق أو الفصيل لا يجب أن يكون له حقوق المواطنة ويجب إبعاده، وقد يصل الأمر إلى إبادته بشكل منهجي أو تهجيره في أفضل الأحوال.
كما أن هناك من الدول من قامت على أساس المذهب الذي ينفي معه المخالفين لهم من أصحاب المذاهب الأخرى رغم مواطنتهم الكاملة استناداً إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ، كما أن هناك دولاً قامت على أفكار وفلسفات تنتمي لطائفة بعينها وتحاصر كل ما عداها، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، سواء في بعدها الزمني أو في إطارها الحاضر.
فالاتحاد السوفييتي السابق، وألمانيا الأمس، وميانمار الحاضر، أمثلة واضحة وجلية على الأسس التي يمكن أن تقوم عليها الدول، لكن وقفة للتأمل في مآلات تلك الحالات وما دانت إليه أحوالها نجد أن تلك الأفكار والفلسفات الإقصائية قد تكون أدت دورها في ظرف ما؛ لتحقيق هدف ما تحت ضجيج النعرات وصخب الكلمات، غير أنها تنهار مع أول اختبار تتعرض له، فالاتحاد السوفييتي تفكك وانفرط العقد.
كما أن ألمانيا النازية انهارت وقسمت معها الوطن إلى شطرين ظل ينزف لسنوات طوال، كما أن ميانمار بسبب ذات الفكرة شرّدت شعبها وفتحت الباب على مصراعيه لزرع الكراهية والحقد بين أبناء الشعب، وأشعلت ناراً ستدوم لسنوات ولا أحد يعرف كيف سيتم إخمادها.
كل تلك الحالات وغيرها تجعلنا ننظر بكثير من التدقيق والتحليل والتعمّق في نموذج الإمارات العربية المتحدة، حيث عوامل التوحّد وأسرار النماء والقوة التي تزداد مع إشراقة كل صباح؛ لنجد أن الإمارات نأت بنفسها عن كافة تلك الأفكار، سواء العنصرية أو العرقية أو المذهبية، وخطت لنفسها طريقاً آخر قائماً على التسامح بين الإمارات، التي اختارت أن تكون متحدة، هذا التسامح جعل الجيل المؤسس يبحث عن مصلحة شعب ونماء تلك المنطقة دون البحث عن أمجاد ذاتية أو غطاءات آيديولوجية تتخفى تحتها.
إن المدقق في سر قوة اتحاد الإمارات يجد أن عنوانه الكبير هو التسامح، ذلك التسامح الذي جعل الوطن بيتاً لكل القاطنين على أرضه، ووحّده، فصار شعاره «البيت متوحد»؛ بمعنى وحدة القيادة التي كانت دائماً مصدر الثقة التي تجذّرت منذ اللحظات الأولى في قلوب الشعب تجاه قيادته، حين أدرك أنها تسعى لإسعاده والأجيال القادمة، وأن تكون لهذه المنطقة من العالم مكانها ومكانتها.
وقد كان، ذلك التسامح الذي أسس له زايد الخير وإخوانه حكام الإمارات عندما قال «إن الأرض أرض الله، والخير من عند الله»، كما أكد على أن الإنسان قيمته أنه من خلق الله، يجب معاملته بقيمته الإنسانية دون النظر إلى جنسه وعرقه ولونه ودينه، مما جعل من الإمارات أرض التسامح، حيث التصق بأرضها ما يزيد على مائتي جنسية دون أن يشعر أي منهم أنه مُنتقَص الحق أو يُعامَل على أسس غير القانون الذي يشمله وغيره.
هذا التسامح هو الذي أتاح بيئة مبدعة جاذبة جعلت من الإمارات في الصدارة في كافة المقاييس التنموية العالمية بحقائق وأرقام لا تقبل الجدال، وهذا التسامح هو الذي أضاف لقوة الوطن قوة أخرى بين شعوب العالم أجمع، وهو الأمر الذي أكد عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في رسالة التسامح قائلاً «إن أكثر ما نفاخر به الناس والعالم عندما نسافر ليس ارتفاع مبانينا ولا اتساع شوارعنا، ولا ضخامة أسواقنا، بل نفاخرهم بتسامح دولة الإمارات، نفاخرهم بأننا دولة يعيش فيها جميع البشر، على اختلافاتهم التي خلقهم الله عليها، بمحبة حقيقية وتسامح حقيقي.. يعيشون ويعملون معاً لبناء مستقبل أبنائهم دون خوف من تعصب أو كراهية أو تمييز عنصري أو تفرقة بناء على لون أو دين أو طائفة أو عرق».
في تقديري أن هذه الرسالة من سموّه تستعرض في قول فصل سياسة دولة الإمارات التي قام عليها الاتحاد، باعتبارها ميراث جيل المؤسسين والأمانة المُصانة، كما أنها في الوقت ذاته إعلان عن رؤية الدولة وطريقها الذي اختارته لنفسها خلفاً عن سلف، فطوبى لمن أسس، وطوبى لمن حفظ الأمانة وصانها، وطوبى لمن جعل التسامح طريقه، وعاش اتحاد التسامح.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة