وهذا التلاحم (السعودي-الإماراتي) جذوره ممتدة منذ قيام دولة الإمارات قبل أكثر من أربعة عقود.
مشاركة شعب دولة الإمارات أشقاءهم السعوديين احتفالات بلادهم بيومها الوطني الـ88 الذي يصادف يوم الـ23 من سبتمبر من كل عام يؤكد أن ملف العلاقات بين البلدين يحتل موقعاً استراتيجيا في فكر القيادة السياسية للبلدين، وأنه يستجيب لاستحقاقات الحاضر والمستقبل بشكل حقيقي وواقعي، ومن ثم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون ذلك الاهتمام الإماراتي بتلك المشاركة اللافتة إجراء دبلوماسيا تقليديا اتبعته كما تفعل باقي دول العالم، ويكفي المراقب السياسي الذي يتحلى بالموضوعية والمنطق استدعاء ما تم خلال الأعوام الثلاثة الماضية من تعاون وتفاهمات ثنائية كي يفهم حقيقة صورة تلك العلاقات بين البلدين، سواء في التعاون على المستوى الدولتين من مثل تناقل الخبرات العملية أو المستوى الإقليمي في مواجهة تحديات تهدد الأمن القومي العربي أو الدولي عبر التحدث بلغة سياسية واحدة.
القناعة السياسية في كل من الإمارات والسعودية حالياً أن كل طرف مهم بالنسبة للآخر، ومسألة الاهتمام المشترك في مناسبات البلدين هي رسالة لدول العالم لفهم أبعاد تلك العلاقة، وأن مستقبلها سيكون أكثر تماسكاً وتلاحماً
لاحظ الجميع التفاعل الإماراتي المجتمعي قبل الرسمي، وهي إشارة لها معناها الإنساني، خاصة إذا افترضنا أن التفاعل الرسمي ينبغي أن يكون شيئا اعتياديا على الأقل من منطلق التشارك في الكثير من الملفات التعاونية، ما يعني أن العلاقات بين البلدين تتعدى العلاقات السياسية التي تربط مصالح البلدين في المصير المشترك، وأن ما يربط الشعبين بكل شرائحهما المجتمعية من علاقات عائلية وثقافية تسبق أن تكون علاقات في التاريخ والمصير، والتي زادت من عمقها وترسخت في وقت الشدائد، وأن تلك العلاقة ليس مصلحة سياسية عابرة تنتهي بانتهائها، فأصبح من الطبيعي أن تجد السعودي يرفض المساس بدولة وقيادة الإمارات وكذلك الأمر بالنسبة للإماراتيين، ومن ثم فإن ما يمكن وصفه ما نراه من اهتمام الإماراتيين باليوم الوطني السعودي أنه دليل على تلاحم الشعبين.
وهذا التلاحم (السعودي-الإماراتي) جذوره ممتدة منذ قيام دولة الإمارات قبل أكثر من أربعة عقود، قد يكون بفعل الجغرافيا السياسية والمصير المشترك ولكن الرؤية السياسية للقيادتين حققت فيها نقلة نوعية بعدما صارت هناك رغبة مشتركة من أجل اتباع سياسة غير تقليدية في مواجهة التحديات التي تواجه ليس الدولتين فقط ولكن الأمن القومي العربي، حيث تقوم تلك السياسة أو الرؤية بـ"الفعل السياسي" وليس بردة الفعل كما هو دارج في السياسة العربية، خاصة أن نوعية التحديات الحالية اختلفت بعد فترة ما كان يعرف بـ"الربيع العربي" السيئ السمعة، وبعدما صارت الدولتان السعودية والإمارات هما مركز الثقل السياسي والاقتصادي العربيين، ومن ثم مثلت مرجعية للعديد من مراكز صنع القرار السياسي الدولي.
ووفق قراءة المشهد الاحتفالي الإماراتي-السعودي في أكثر من مكان، حيث شاهدنا ذلك في منافذ الحدود وفي احتفالات في مواقع أخرى، فإن الواضح جداً أن هناك رغبة حقيقية تريد من خلالها القيادة السياسية ترقية العلاقات لتكون أكثر تناغماً وانسجاما، مستفيدين من المكانتين الإقليمية والدولية التي تتربعها الدولتان الآن، وكذلك من التنسيق في ملفات استراتيجية إقليمية، مثل المصالحة في القرن الأفريقي والقضاء على واحد من أخطر التحديات الفكرية والسياسية "الإخوان المسلمين" والتي تسمح أهميتها بالتجاوز عن عقبات صغيرة التي لا تخلو في طبيعة العلاقات السياسية بين الدول.
القناعة السياسية في كل من الإمارات والسعودية حالياً أن كل طرف مهم بالنسبة للآخر، ومسألة الاهتمام المشترك في مناسبات البلدين هي رسالة لدول العالم لفهم أبعاد تلك العلاقة، وأن مستقبلها سيكون أكثر تماسكاً وتلاحماً.
يمكن وصف العلاقات الإماراتية مع أي دولة أخرى بالمهمة، ولكن مع السعودية لها شأن آخر على الأقل في ناحية التنسيق العسكري الذي تواجهانه في إيران وفي اليمن، ومن ناحية التنسيق السياسي في تعديل السلوك الإيراني في المنطقة، ومن ثم فإن التقدير بينهما بشأن هذه العلاقة لا بد أن يكون مختلفاً، لهذا فالاهتمام طبيعي بل ضروري ومجرد التفكير باعتبارها مجاملة دبلوماسية كما غيرها من الدول تقدير في "غير محله"، لأن تأسيس هذه العلاقة خاصة خلال الفترة الأخيرة تؤكد أن المصير بات مشتركاً بشكل حقيقي، والهدف واحد وأن هناك رابطا قويا لروح العلاقات بين البلدين تزيل كل "الأوهام" التي قد تكون عالقة في أذهان البعض في الإقليم وغيره.
لا يخرج الحديث في دولة الإمارات هذه الأيام رسمياً وشعبياً عن الاحتفال مع الأشقاء في السعودية بالإنجازات التنموية التي تحققت فيها على مدى الـ88 عاماً في كل مجالات الحياة، والتي بلا شك يستفيد منها ومن تجاربها الحكومات الخليجية التي تعتبر السعودية الشقيقة الكبرى ومرجعاً لها في القرارات التي تخص المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة