حقبة فرنسية جديدة في أفريقيا.. هل تضمد الجراح وتمحو ذاكرة الاستعمار؟
راسما حقبة جديدة لوجود فرنسي محدود يرتكز على الشراكة و"التواضع"، حاول الرئيس إيمانويل ماكرون مواجهة موجة من المشاعر المعادية لبلاده في المستعمرات الأفريقية السابقة.
تلك الحقبة والتي تتسم بتقليص الوجود العسكري الفرنسي في ست قواعد سيتم تحويلها إلى أكاديميات أو محاور لشراكات جديدة، قال عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن بلاده ستبتعد عن صراعات القوة "التي عفا عليها الزمن"، باعتبار الدول الأفريقية "شركاء" عسكريين واقتصاديين.
ورغم أن ماكرون كشف ملامح سياسة بلاده الجديدة التي ستتبعها في ولايته الثانية بأفريقيا، إلا أنه رفض في خطاب ألقاه قبل مغادرته إلى الجولة الأفريقية التي انتهت يوم السبت، قبول المسؤولية عن الانتكاسات.
وبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، جولة إلى عدد من الدول الأفريقية ترمي إلى عرض استراتيجيته بشأن القارة للسنوات الأربع المقبلة من أجل "تعميق الشراكة بين فرنسا وأوروبا والقارة الأفريقية"، وكذا "المسار الذي سيسلكه" في عهدته الثانية بحسب ما أفادت الرئاسة الفرنسية.
تلك الجولة اختتمت يوم السبت من كينشاسا بتحذيرات صارمة، خصوصا لكيغالي على خلفية النزاع في شرق الكونغو الديمقراطية، إلا أنها لم تتضمن إدانة صريحة لرواندا كما طلب منه الكونغوليون.
وكان ماكرون قال، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، إن أعمال العنف في المناطق الشرقية والناجمة عن حركة تمرد "لا ينبغي أن تكون غنيمة حرب، يجب أن يتوقف النهب المكشوف (للبلاد)، لا للنهب ولا للبلقنة ولا للحرب!".
وعاد إيمانويل ماكرون إلى ساحة دبلوماسية الحرب الشائكة في جمهورية الكونغو الديمقراطية المحطة الأخيرة من جولته في أفريقيا، حيث تواجه جهوده لإحلال السلام في شرق البلاد في مواجهة تمرد حركة 23 مارس معارضة.
أين تقف فرنسا من أفريقيا؟
تواجه فرنسا معارضة متزايدة من الحكومات المحلية بسبب استمرار وجودها العسكري في العديد من مستعمراتها السابقة، مما اضطرها لسحب مئات القوات من مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو خلال العام الماضي، فيما لا يزال حوالي 5000 جندي فرنسي متمركزين في قواعد مختلفة في جميع أنحاء القارة.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في تقرير لها، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شرع في السعي لكسب التأييد في جميع أنحاء أفريقيا على أساس سياسة "التواضع العميق"، التي جاءت في أعقاب تدخل عسكري محبط دام عقدا من الزمن، أملا في مواجهة موجة من المشاعر المعادية لفرنسا في المستعمرات الأفريقية السابقة لفرنسا.
وقال تييري فيركولون، باحث مشارك في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية: "يريد ماكرون إنقاذ ما في وسعه"، مشيرًا إلى أن ولايته الأولى كانت "فاشلة"، سواء من حيث الحرب على الإرهاب أو محاولة الحفاظ على النفوذ الفرنسي.
حقبة تقترب من نهايتها
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن فرنسا تركت مستعمراتها منذ عقود، لكن استمرت العادات والافتراضات القديمة حول السيطرة الفرنسية على مساحة من أفريقيا، والتي يرمز إليها الوجود العسكري الكبير والاستخدام المستمر لعملة الفرنك.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن عملية برخان مُنيت بالفشل، فيما انقلبت دول من بينها مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وآخرها بوركينا فاسو ضد الوجود الفرنسي، مما أدى إلى سحب فرنسا قواتها من الدول الثلاث خلال العام الماضي.
وأكدت "نيويورك تايمز" أن محاولات ماكرون لتصوير روسيا على أنها القوة الإمبريالية الحقيقية للعصر الحالي، أثبتت عدم فعاليتها إلى حد كبير، مشيرة إلى أنه بينما لا تبني روسيا العديد من الجسور أو المستشفيات في أفريقيا، لكنها تقدم خدمات الحماية للعديد من الدول في أفريقيا.
ومن بين الدول الأربع التي زارها ماكرون، امتنعت ثلاث منها -أنغولا وجمهورية الكونغو والجابون- عن التصويت الشهر الماضي في الأمم المتحدة على قرار يدعو إلى انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا، تم تبني القرار بأغلبية الثلثين، لكن كما توحي هذه الدول التي امتنعت عن التصويت، رفضت العديد من الدول الأفريقية دعم الإدانة الغربية للعملية العسكرية الروسية.
وحول أسباب ذلك، قالت "نيويورك تايمز"، إن الدول الأفريقية ترى "النفاق الغربي" في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، بالإضافة إلى ازدواج المعايير بالنسبة للأوروبيين مقارنة بالحروب الأفريقية، وفقدان الذاكرة بشأن الاستعمار.
فشل فرنسي
فيما تقول صحيفة "ذا سبيكتاتور" البريطانية، إن الإمبراطورية الفرنسية الفرنكوفونية الأفريقية -جنبًا إلى جنب مع مستعمراتها في جنوب شرق آسيا- سمحت لفرنسا بالإعلان عن موقعها كثاني أكبر قوة استعمارية في العالم.
وأشارت إلى أنه على عكس القوى الإمبريالية الأخرى نشرت فرنسا قيمها العالمية كجزء من "مهمة الحضارة"، إلا أنه مع مقتل حوالي 50 من العسكريين الفرنسيين وعدم ظهور نجاح يذكر في صد "الإرهاب"، أُجبر ماكرون على إعادة التفكير في استراتيجية فرنسا بأكملها تجاه أفريقيا.
في الوقت الحالي، يخدم أكثر من 3000 جندي فرنسي في السنغال وساحل العاج والجابون وجيبوتي، بالإضافة إلى 3000 جندي آخر في منطقة الساحل، بما في ذلك النيجر وتشاد، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إنه يتم تعويض التكاليف جزئيا عن طريق الأسلحة والعقود التجارية.
"لكن العداء لفرنسا في القارة هو في ذروته منذ الاستقلال" تقول "ذا سبيكتاتور"، مشيرة إلى أن الأجيال الشابة تنظر إلى وجود فرنسا بتشكك متزايد، مما دفع ماكرون إلى مناشدة الشباب الأفريقي مباشرة من أجل "علاقة متبادلة ومسؤولة"، متعهدا بالقطع عن سياسات ما بعد الاستعمار.
aXA6IDE4LjExOS4xMjQuNTIg جزيرة ام اند امز