أشرنا في الأسبوع الماضي إلى السباق الذي بدأ فعليا بين كل من الولايات المتحدة والصين لتوطين تكنولوجيا وصناعة أشباه الموصلات.
لا سيما في ظل النقص القائم في الأسواق حاليا، مما أثر على صناعات أخرى، مثل صناعات السيارات والإلكترونيات.
وستشق الصين طريقها لتوطين التكنولوجيا والصناعة طبقا لخطتها الخمسية 2021-2025 التي تمت موافقة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني عليها، وينتظر أن تعلن تفاصيلها بعد مناقشتها من قبل المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني خلال الشهر المقبل.
أما في الولايات المتحدة فقد بدأت الضغوط تتكثف من اتحاد صناعة أشباه الموصلات ومن بعض أعضاء الكونجرس في سبيل تقديم الدعم لهذه الصناعة المهمة. لكن حسب ما تذهب إليه وكالة "بلومبرج" للأنباء الاقتصادية فسوف يجد المشرعون الأمريكيون الذين يأملون في إحياء صناعة رقائق أشباه الموصلات أن هذا الأمر صعب في المدى القصير، حتى لو ألقى الكونجرس بمليارات الدولارات من الدعم على هذه المشكلة.
وهناك دعم بالفعل من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي لزيادة طاقة تصنيع الرقائق محليا مع اضطرار مصنعي السيارات في الولايات المتحدة لإبقاء مصانعهم معطلة مع الاضطراب في سلاسل الإمداد نتيجة للوباء العالمي. ومما قد يجعل من هذا الهدف مهمة سهلة سياسيا تضمينه في برنامج الرئيس بايدن الخاص بالبنية التحتية، والذي يتم وضعه الآن بالتركيز على خلق الوظائف.
لكن الرغبة والأموال كما تقول "بلومبرج" ليسا بكافيين للقفز بإنتاج أي صناعة. ولا تزال الولايات المتحدة تقود العالم في تصميم الرقائق، ولكن تم التخلي عن تصنيعها لصالح شركات أجنبية. والقليل من الشركات التي تصنع الرقائق محليا، والتي تتضمن شركتي إنتل وتكساس للمعدات، ليس لديهما حاليا لا الطاقة ولا السجل الحافل بالتنفيذ للتنافس مع شركات مثل شركتي تايوان لتصنيع أشباه الموصلات وسامسونج للإلكترونيات.
بل وحتى الصين التي استثمرت مليارات الدولارات في توسيع طاقتها الإنتاجية من الرقائق، لديها القليل مما يمكن أن تعرضه في هذا السياق. فطبقا لأحد المراقبين "لا يرجع هذا إلى عدم محاولتهم. فقد وضعوا الكثير من الأموال في هذا المجال، ولكنهم ليسوا تنافسيين على الإطلاق".
ومن المتوقع أن يعمل نقص الرقائق على محو مبيعات سيارات تبلغ قيمتها 61 مليار دولار مع تعطل التصنيع نتيجة الحاجة لأجزاء معقدة من رقائق السليكون. وتهدد التداعيات الآن بضرب صناعة الإلكترونيات الأكثر اتساعا.
ويرى الكونجرس فرصة لمعالجة هذا الموضوع بخلق حوافز ضريبية ومد مليارات الدولارات في شكل منح فيدرالية لبناء مصانع لتصنيع أشباه الموصلات التي يطق عليها "مسابك"، وفي الولايات المتحدة يقول دعاة الموافقة على المعونات كجزء من الخطة الأوسع للبنية التحتية أن هذا يمكن أن يحول دون حدوث النقص مرة أخرى، حتى لو لم يتم فعل أي شيء لمساعدة المشروعات القائمة بالفعل.
ويمكن لهذا مساعدة شركات الولايات المتحدة على أن تصبح أقل اعتمادا على حفنة من المنتجين الأجانب وتفادي اضطرابات العرض الناجمة عن المنازعات التجارية أو العوامل الخارجية، مثل الوباء. وسوف يعمل هذا على التخفيف أيضا من مخاطر الأمن القومي نتيجة لنقص الرقائق المستخدمة في التكنولوجيا العسكرية أو نظم الحكومة. كما يمكن لهذا الأمر المساعدة أيضا في خلق العديد من فرص العمل الصناعية المتقدمة التي تتلقى أجورا مرتفعة.
ويدفع اتحاد صناعة أشباه الموصلات الكونجرس نحو إعطاء الضوء الأخضر لمنح عشرات المليارات من الدولارات في خطة البنية التحتية المقبلة. ويمكن لهذه المعونات أن تعوض عن التكلفة المرتفعة لصنع الرقائق في الولايات المتحدة.
ويذهب تقرير لاتحاد الصناعة إلى أن توطين مصنع في الولايات المتحدة يكلف أكثر بنحو 30% من تكلفته في تايوان، وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وربما يكون توطين المصنع في الصين أرخص من الولايات المتحدة بمقدار 50%.
فبناء مصنع لصنع الرقائق أمر مكلف ويتطلب استثمارات مستديمة. ويمكن لمسابك أشباه الموصلات التي تقوم بصنع الرقائق الأكثر تقدما أن تستغرق أكثر من ثلاث سنوات في بنائها ويمكن أن يكلف كل مسبك منها 10 مليارات دولار.
وتؤكد دوائر صناعة أشباه الموصلات أن الاستثمارات الكبيرة من قبل دافع الضرائب يمكن أن تؤتي أكلها، فحوافز تبلغ قيمتها 50 مليار دولار قد تمكن الولايات المتحدة من استقطاب نحو 25% من طاقة التصنيع العالمية الجديدة، مقارنة بنحو 6% فقط بدون المساعدة الفيدرالية، وذلك طبقا لدراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية بتمويل من اتحاد صناعة أشباه الموصلات. وتقول الدراسة إن الولايات المتحدة ستصبح أكثر ثاني الأماكن جذبا لبناء "مسبك"، وذلك بعد الصين، ويمكنها بهذه الحوافز بناء عدد يصل إلى 19 منشأة جديدة وخلق 70 ألف فرصة عمل مرتفعة الأجر.
وهناك جماعات من الحزبين في الكونجرس تدفع نحو برنامج للمنح المالية ومنح إعفاءات ضريبية.
وقد تحدث النائب عن تكساس مايكل ماكول عضو لجنة الشؤون الخارجية من الحزب الجمهوري إلى البيت الأبيض عن الحاجة إلى معونات لصناعة أشباه الموصلات، وقد تم تلقي حديثه بشكل جيد طبقا لأحد المساعدين العاملين في لجنة الشؤون الخارجية كما تقول "بلومبرج".
ومن جهة أخرى يقود جو كورنين الجمهوري من تكساس، ومارك وارنر الديمقراطي من فرجينيا الجهود في مجلس الشيوخ في هذا الشأن. وقد شارك كورنين شيوخ من الحزبين في كتابة خطاب يوم 2 فبراير لرئيس المجلس الاقتصادي القومي، مناشدين الإدارة العمل في موضوع النقص العالمي في أشباه الموصلات وتأمين التمويل من أجل تنفيذ أحكام أشباه الموصلات التي تمت الموافقة عليها ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني خلال العام الماضي.
وقد سمح قانون الدفاع في ديسمبر باستخدام الحوافز الفيدرالية من أجل حفز تصنيع أشباه الموصلات والبحث في الولايات المتحدة، ولكن القانون لم يتضمن تمويلا من أجل المنح ولا إعفاءات ضريبية قال المشرعون إنها ضرورية لجذب الاستثمارات.
وذكر خطاب الشيوخ "هذا النقص (في أشباه الموصلات) يهدد انتعاشنا الاقتصادي بعد الجائحة، وعواقبه من المحتمل أن تكون حرجة بشكل خاص في الولايات التي تسيطر عليها صناعة السيارات".
وقال السناتور وارنر بدون بذل الجهود لإعطاء دفعة للتصنيع تبقى الولايات المتحدة في خطر من "سلاسل إمداد خطيرة وثغرات أمنية، وهو ما يعطي أفضلية لخصومنا حول العالم".
لقد حدد مسؤولون في إدارة بايدن أشباه الموصلات باعتبارها مجالا استراتيجيا للاستثمار المحلي للتنافس مع الصين. ومن المتوقع أن يقوم الرئيس بالتوقيع على أمر تنفيذي يدعو إلى مراجعة سلاسل الإمداد المتعلقة بالسلع الحرجة بما فيها أشباه الموصلات.
وتنظر كل من شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات وشركة سامسونج في بناء مصانع لها في الولايات المتحدة. إذ أعلنت شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات عن بنائها لمسبك في أريزونا سيكلف 12 مليار دولار، وذلك فيما إذا استطاعت ترتيب دعم كاف على مستوى الولاية وعلى المستوى الفيدرالي. بينما تنظر شركة سامسونج في إنفاق أكثر من 10 مليارات دولار لبناء أكثر مصانعها تقدما في صنع الرقائق في أوستن بولاية تكساس، ولكن خططها في هذا الشأن ليست نهائية. وكما يقول أحد الخبراء "لو كنت شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات أو واحدا من المسابك، فعلى حكومة الولايات المتحدة جعل الأمر يستحق وقتك"، ويضيف "ليس لمجرد أن الأمر مهم للأمن، يعني أنه مربح".
وتدفع كل من الولايات المتحدة والصين واليابان نحو تصنيع أشباه الموصلات وبناء المصانع المتطورة داخل حدودها. ولآسيا كما يقول أحد الخبراء أفضلية في أن سلاسل إمداد صناعة الإلكترونيات تتوطن هناك.
وتتأخر الولايات المتحدة في تصنيع الرقائق، حتى بعد أن أصبحت أشباه الموصلات جزءا مندمجا في الصناعة كجزء حرج ومهم في تكنولوجيات تتراوح من السيارات إلى الذكاء الاصطناعي. وقد هبط نصيب الولايات المتحدة من الطاقة الإنتاجية العالمية لصناعة أشباه الموصلات من 37% عام 1990 إلى 12% عام 2020 طبقا لاتحاد صناعة أشباه الموصلات.
ويوضح أحد التقارير البحثية أن الولايات المتحدة عرضت معونات قليلة للبحث والتطوير مقارنة بالبلدان الأخرى، حيث أتى ترتيبها 24 بين 34 من الاقتصادات الرئيسية. وتبلغ حوافز الصين تقريبا نحو 2.7 مرة أكثر من تلك التي قدمتها الولايات المتحدة.
والحوافز الأمريكية على وشك التراجع. فهناك تغيير متضمن في قانون الضرائب الجمهوري سيصبح ساريا عام 2022 سيغير قواعد المحاسبة فيما يتعلق بالإعفاء من أجل البحث والتطوير، بما سيجعل من قيمة الحوافز أقل بحوالي 40.1 مليار دولار في العام المقبل، وذلك وقفا لتقديرات من قبل هيئة الضرائب. وتقول صناعة أشباه الموصلات إن على هذه الحوافز أن تبقى وأن تضاف إليها حوافز جديدة، من أجل جعل الساحة مهيأة أمام الولايات المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة