مربط الفرس في معضلة العلاقات بين الصين والهند، أن كلتا الدولتين ترفضان تحويل حدود السيطرة الفعلية إلى حدود دولية مُعترف بها.
على مدى الأسابيع الأربعة الأخيرة، تعددت الاشتباكات بالأيدي والعِصِيّ والهِراوات بين أفراد من الجيشين الصيني والهندي على الحدود بين البلدين على قمة جبال الهمالايا التي ترتفع بمقدار 4200 قدم فوق سطح البحر، وتنخفض فيها درجة الحرارة إلى عديد من الدرجات تحت الصفر.
ويرجع سبب اللجوء إلى هذه الأدوات إلى النص الوارد في الاتفاق المُبرم بين البلدين عام 1996 والذي منع استخدام الأسلحة والمُتفجرات على مدى 2 كيلومتر على طول الحدود بين البلدين.
تتشارك الهند والصين حدوداً طويلة يبلغ طولها 3440 كيلومتراً والتي لا تُمثِّل خطاً مُستقيماً أو حدوداً طبيعية واضحة وإنما تتخللها أراضٍ وأنهار وبُحيرات وقِمم جِبال. وهي الحدود الموروثة من زمن السيطرة البريطانية على الهند وكانت محل خلاف منذ استقلال الهند عام 1947 ونشوب الثورة الصينية عام 1949، حيث تدَّعي كل منهما سيطرة الأُخرى على أجزاءٍ من إقليمها.
وعلى سبيل المثال، فإن الصين تُطالب بهضبة "أروناتشال براديش" الموجودة حالياً في الهند والتي تسميها الصين التبت الجنوبية، في الوقت الذي تُطالب فيه الهند بولاية "أكساي تشين" الموجودة حالياً ضمن إقليم شنغيانغ في الصين.
استمرت الخلافات بين البلدين، ولم تعترف أي منهما بأن الحدود القائمة تُمثِّل حدوداً قانونية مُعترف بها وإنما تعاملت كل منها معها على أنها "خط السيطرة الفعلي" للإشارة إلى أنها خطوط "أمر واقع" وليس لها سند قانوني.
وفشلت مباحثات رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو ونظيره الصيني تشو إن لاي في عام 1960 في الوصول إلى حلٍ سِلمي للمشكلة. وفي أكتوبر1962، اندلعت الحرب والتي انتهت دون تغيير الأمر الواقع، فبعد أن كان الجيش الصيني قد سيطر على مساحات في داخل الحدود الهندية، فإنه انسحب منها فيما بعد إلى حدود ما قبل اندلاع الحرب.
واستمرت الاشتباكات العسكرية المحدودة في مناطق الحدود في أعوام 1967 و1975 و1986 و1987 و2006 و2009 و2013 و2014 و2015 و2017، وصولاً إلى اشتباكات مايو ويونيو 2020.
ومع استمرار هذه الاشتباكات والمواجهات، عقد البلدان عدداً من الاتفاقات للحيلولة دون الانجرار إلى حرب شاملة بينهما، فتم توقيع اتفاقية لحفظ السلام والاستقرار عام 1993 في مناطق الحدود نصت على منع وجود واستخدام الأسلحة لدى الجنود والدوريات في هذه المناطق.
وتلتها اتفاقات أُخرى مُشابهة في 1996 و2005 2012 و2013 والتي هدفت إلى تعزيز الثقة بين الطرفين وسُبُل التعاون بينهما في مناطق الحدود.
يعود الاهتمام بهذا الموضوع إلى أن البلدين هما أكثر دول العالم سُكاناً، مع وجود فارق بسيط بينهما، فيبلغُ عدد السكان في الصين 1.39 مليار، وفي الهند 1.35 مليار، أي أنهما يُشكِّلان أكثر من ثلث عدد سكان العالم. كما أنهما يمتلكان أكبر جيشين في العالم، إذ يبلغ عدد أفراد الجيش الصيني 2.1 مليون، والجيش الهندي 1.4 مليون.
إضافة إلى أنهما قوتان نوويتان، فلكلٍ منهما ترسانة هائلة من الأسلحة في مجال القُدرات الجوية والبحرية والسيبرانية وإن كانت الصين تتفوق بشكلٍ واضح في مجال الإنفاق العسكري الذي يبلغُ خمسة أمثال نظيره في الهند.
لذلك، فإن التوترات على الحدود بين البلدين تُمثِّل تهديداً ليس فقط في آسيا ولكن أيضاً في العالم كله. والحقيقة، أنه يجب النظر إلى هذه التوترات الحدودية في سياق أكبر وهو التنافس الجيو-استراتيجي بين البلدين. فهناك قضية التبت واستضافة الهند للدلاي لاما، الزعيم الروحي للبوذيين، منذ هروبه من الصين عام 1959 وقيام الصين بعد ذلك بإدماج منطقة التبت ضمن التنظيم الإداري لها.
وهناك قضية العلاقة مع باكستان والخلاف الهندي الباكستاني، فعندما قامت الهند في أغسطس 2019 بتغيير الوضع القانوني المتميز لإقليم جامو وكشمير، وإلغاء الاستقلال الذاتي الذي تمتع به لمدة سبعة عقود، وإخضاعه للإدارة الهندية، انتقدت الصين هذا الإجراء ووصفه بيان لوزارة الخارجية الصينية بأنه "غير مقبول ولن يكون له أي أثر قانوني".
وهناك التنافُس العسكري البحري بين البلدين في الباسيفيك وبحر الصين ورغبة كل منهما في الظهور في صورة الدولة البحرية الأكثر وجوداً وتأثيراً، وخشية الهند من تزايد الوجود البحري الصيني في المحيط الهندي، وأن يزداد وجودها ونفوذها في الموانئ القريبة من الهند.
الموضوع إذاً أكبر من قضية نزاع حدودي، ويوجد الكثير من أواصر التعاون وجوانب الخلاف بين البلدين مما يجعلُ العلاقة بينهما مُعقدة ومُلتبسة.
مربط الفرس في معضلة العلاقات بين الصين والهند، أن كلتا الدولتين ترفضان تحويل حدود السيطرة الفعلية إلى حدود دولية مُعترف بها.
فمن ناحية، هناك علاقات تجارية كبيرة بينهما والصين هي الشريك التجاري الثالث للهند، وفقاً لأرقام يوليو تموز 2020 و ارتفعت وقيمة التجارة بين البلدين من 200 مليون دولار في عام 1990 إلى 92.5 مليار دولار في عام 2019.
وكلاهما لا يرغب في مواجهة عسكرية شاملة بينهما سوف يكون لها آثارها المُدمرة على الاقتصاد والسلم والأمن في آسيا والعالم.
ومن ناحية أُخرى، فإن الهند تتخوف من تطور العلاقات بين الصين وباكستان، والتي كان من أبرز مظاهرها الاتفاق الذي أبرمه البَلَدَان عام 2013 بشأن إدارة الصين لميناء جودار ذي الموقع الاستراتيجي المُهم الذي يربط بين جنوب آسيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. بينما تتخوف الصين من منافسة الشركات الهندية لها في بعض البلدان مثل الفلبين وماليزيا وسريلانكا وبنجلاديش.
كما تتخوف من تطور علاقات الهند مع الولايات المتحدة الأمريكية خاصةً مع التدهور السريع فى العلاقات بين واشنطن و بكين فى 2020. وتستغل الصين وجود خلافات حدودية بين الهند وعدد من جيرانها لدعم موقفها. وفي المقابل، تنظر الهند بعين الحذر والريبة تجاه استراتيجية "الحزام والطريق" الصينية والتي تعتبرها خطراً على نفوذها التقليدي في عدد من الدول الآسيوية، وتستغل خلافات الصين مع اليابان، وماليزيا، والفلبين، وفيتنام لدعم وجهة نظرها.
ومربط الفرس في معضلة العلاقات بين الصين والهند، أن كلتا الدولتين ترفضان تحويل حدود السيطرة الفعلية إلى حدود دولية مُعترف بها، وتعجزان عن الوصول إلى حل وسط يُلبي الحد الأدنى من مطالب الطرفين. وفي نفس الوقت لا ترغبان في اندلاع حرب شاملة لحسم الخلاف. لذلك، تظلُ المُشكلة دون حل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة