الموت يتسرب تحت الأقدام.. جيل كامل يواجه السرطان بسبب «مشروع مانهاتن»

في مقاطعة سانت لويس بولاية ميزوري، تعيش مجتمعات كاملة على إرث مميت تركه مشروع مانهاتن منذ أربعينيات القرن الماضي.
على عمق 240 قدماً في مكب بريدجتون، يستعر حريق خفي منذ 14 عاماً، وصفه السكان بـ"وحش أسطوري" يتغذى على مخلفات البناء القديمة. تحيط بالموقع أغطية نارية ثلاثية الطبقات ويعمل نظام متطور لشفط الغازات، لكن الخطر الأكبر يتمثل في وصول النيران إلى مكب "ويست لايك" المجاور، حيث دُفن نحو 47 ألف طن من نفايات المشروع النووي بصورة غير قانونية. هذا السيناريو، كما يؤكد كيفن ستولمان، نائب رئيس الإطفاء، لم يحدث من قبل، ولا أحد يعرف عواقبه.

الجذور التاريخية للتلوث
بدأت القصة في 17 نيسان/أبريل 1942، حين وافق إدوارد مالينكروت الابن، رئيس شركة "مالينكروت كيميكال ووركس"، على استخراج 40 طناً من اليورانيوم لصالح الحكومة الأمريكية لتطوير أول تفاعل نووي مستدام. مع انتهاء الحرب، واصلت الشركة تخصيب اليورانيوم حتى 1957، لكن النفايات الإشعاعية الهائلة خُزنت منذ 1946 في براميل قرب مطار لامبرت دون علم السكان. عام 1947، حذرت لجنة الطاقة الذرية من أن هذه النفايات قد تشكل "أخطر المشاكل" إذا أُهملت. بحلول الستينيات، احتوت المنطقة أكبر تركيز من الثوريوم-230 في الولايات المتحدة، وهو نظير مشع يفوق تركيزه الطبيعي بـ25 ألف مرة ويستمر نشاطه لأكثر من 77 ألف عام.

مع توسع الضواحي، شُيدت المنازل حول المواقع الملوثة دون تحذير السكان. في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أصبح "كولد ووتر كريك" ملتقىً للأطفال للعب وصنع الكعك الطيني والقفز من الأراجيح. كيم فيزنتاين، التي ولدت عام 1969، عاشت طفولة سعيدة قبل أن تفقد ابنها زاك عام 2006 بعد إصابته بورم دماغي نادر. في العقد التالي، أنشأ أقرانها من المدرسة صفحة على "فيسبوك"، واكتشفوا انتشار سرطانات نادرة بينهم، مثل أورام الدماغ والسرطانات النسائية والملحقية. توصلت جينيل رايت، أستاذة الاقتصاد، بعد مسح إحصائي، إلى أن هذه الإصابات لا يمكن أن تكون عشوائية، وأن معظمها يتركز قرب مجرى النهر.

منذ أن كشفت كيم فيزنتاين وزملاؤها عن صلة أمراضهم بالنفايات، أسسوا مجموعة "كولد ووتر كريك – الحقائق فقط" على فيسبوك، وجمعوا بيانات دقيقة رسمت خريطة مذهلة لتجمع حالات السرطان على طول المجرى. إحصاءات المجموعة كشفت عن معدلات مرتفعة لأورام نادرة، منها أكثر من 60 حالة لسرطان الزائدة الدودية في دائرة نصف قطرها خمسة أميال، رغم أن احتمالية الإصابة به لا تتجاوز 1 في 200 ألف.
وبعد ضغطهم، أعادت وزارة الصحة في ميزوري دراسة بيانات ثماني مناطق بريدية (1996–2011)، لتجد زيادة إحصائية في حالات سرطان الدم، القولون، البروستاتا، الكلى، المثانة، والثدي لدى النساء، إضافة إلى ارتفاع واضح في أورام الدماغ والجهاز العصبي بين الأطفال. تقرير آخر لوكالة المواد السامة والأمراض عام 2019 أكد أن التلوث الإشعاعي في "كولد ووتر كريك" قد زاد بالفعل من خطر بعض أنواع السرطان، مثل الرئة والعظام واللوكيميا، لأولئك الذين عاشوا أو لعبوا قربه.

في ستينيات القرن العشرين، باعت لجنة الطاقة الذرية 121,050 طناً من المخلفات المشعة لشركة Contemporary Metals، التي نقلتها بشكل عشوائي، مما أدى إلى تسرب كميات ضخمة في الطريق. لاحقاً، أُعيد خلط النفايات بآلاف الأطنان من التربة لتخفيف تركيزها، ثم نُقلت عام 1973 إلى مكب "ويست لايك" لاستخدامها في تغطية القمامة. خبراء جيولوجيا مثل بوب كريس وماركو كالتوفن يؤكدون أن المنطقة الآن ملوثة بجزيئات مجهرية لا تُرى بالعين، تُقدّر بتريليونات تنتشر بفعل الرياح والفيضانات، وتزيد احتمالات الإصابة بالسرطان كلما اقترب السكان من مواقع النفايات.

الضحايا يطالبون بالعدالة
في عام 2011، اكتشف سكان المنطقة عبر موقع فيلق المهندسين بالجيش الأمريكي برنامج إزالة المخلفات المشعة من المواقع القديمة، ليتأكدوا أن منطقتهم ملوثة بالثوريوم-230 واليورانيوم-235 والراديوم-226. ومنذ ذلك الحين، يطالبون الحكومة بإجراءات عاجلة لحمايتهم وتعويض المتضررين. تحذر الدراسات العلمية من أن هذه الجسيمات المجهرية، التي تقدر بتريليونات، ستبقى تهدد البيئة والصحة العامة لآلاف السنين، بينما ما زالت آلاف العائلات تكافح الأمراض الناتجة عن التلوث في صمت، مطالبة بإغلاق فصل مظلم من تاريخ الحرب النووية الأمريكية.