رغم الشكوك الكثيرة التي تدور حول حقيقة وقوع المحاولة الانقلابية التي تمّت قبل نحو 4 سنوات ونصف على حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
فإن الأخير يتصرّف اليوم كما لو أن هناك انقلابا آخر وشيكا سيحصل في البلاد؛ إذ أمر مطلع العام الجديد بمنح أفراد الشرطة وعناصر وكالة الاستخبارات الوطنية أسلحة ثقيلة من ممتلكات الجيش التركي، وذلك بواسطة مرسومٍ حكومي نُشر في الجريدة الرسمية يوم السادس من يناير/ كانون الثاني الجاري.
إن منح أفراد الشرطة وعناصر وكالة الاستخبارات المحلية تلك الأسلحة الثقيلة التي تعود ملكيتها في الأصل للمؤسسة العسكرية، هو أمر متكرر؛ إذ حصل في تسعينيات القرن الماضي في تركيا، إلى أن تم إلغاء ذلك في عام 1997، إذ أُعيدت تلك الأسلحة التي كانت بحوزة أفراد الشرطة وعناصر الاستخبارات إلى الجيش في العام ذاته، لكن يبدو أن الرئيس التركي بدأ يفقد في الفترة الأخيرة ثقته بجيش بلاده، لذلك يجرّده من الأسلحة الثقيلة رويداً رويداً، ويسند ملكيتها إلى جهازي الشرطة والاستخبارات، المسيطر عليهما بالفعل.
ويتزامن هذا القرار مع مواصلة السلطات الأمنية ملاحقة كبار ضبّاط الجيش وآلاف الجنود، بتهمة التورّط في المحاولة الانقلابية المزعومة التي وقعت منتصف عام 2016، وهو ما يوحي بوجود رغبة كبيرة لدى الرئيس التركي في الحد من تأثير المؤسسة العسكرية على الأرض داخل بلاده، ومن ثمّ منع حصول أي محاولة انقلابية عسكرية جديدة على حكمه في المستقبل، وهو أمر من شأنه أن يعزز من قبضته الأمنية على كامل مفاصل الدولة، وذلك بعد سيطرته على نقابة المحامين والقضاء ووسائل الإعلام وحتى مواقع التواصل الاجتماعي التي رضخت مؤخراً لشروطه وعيّنت ممثلين لها داخل الأراضي التركية.
وبالتالي يعمل أردوغان حالياً على وضع عقباتٍ كبيرة أمام الجيش إذا ما أراد التحرّك ضده يوماً ما، فهو مجرّد من أسلحته الثقيلة من جهة، وهناك الآلاف من كبار ضبّاطه وجنوده يقبعون في السجون من جهةٍ أخرى، الأمر الذي يعني عجزه عن تنفيذ أي محاولة انقلابية على المدى القريب وربما البعيد أيضاً، وهو الهدف الأساسي للرئيس التركي الذي يسعى إلى التخلص من كابوس الانقلاب السابق الذي يلاحقه على الدوام.
لذلك لا يمكن استبعاد وجود خلافات حقيقية بين الرئيس التركي ووزير دفاعه خلوصي آكار، فالأول يجرّد مؤسسة الأخير من أسلحتها الثقيلة، ما ينذر بوجود أزمة ثقة بينهما قد تتطوّر إلى انقلابٍ عسكري لاحقاً، وهو ما يسعى أردوغان لتفاديه، وقد يصل به الأمر إلى إقالة آكار وطرده من منصبه في المرحلة المقبلة لحماية حكمه.
وفي جميع الحالات، من المؤكد أن هناك تغيرات عاصفة على تركيا والمنطقة برمّتها مع وصول الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض، وإلى حين معرفة تلك المتغيرات بشكلٍ دقيق سوف يحاول الرئيس التركي إحكام قبضته الأمنية أكثر على بلاده، خاصة أنه محاصر بأزماتٍ داخلية ومشاكل متفاقمة مع الخارج، في مقدمتها أمريكا والاتحاد الأوروبي ودول الجوار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة