غادر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب البيت الأبيض والعاصمة الأمريكية واشنطن للمرة الأخيرة رئيساً للولايات المتحدة.
الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وكانت فترة رئاسته مختلفة وعلامة فارقة مثلما هي شخصيته. مراسم مهيبة اعتاد أن يتابعها العالم في يوم حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد كل أربع سنوات، غير أن هذه المرة كان حفل تنصيب الرئيس جو بايدن في ظروف استثنائية، على رأسها جائحة كورونا، وأحداث اقتحام الكونجرس الأمريكي، التي أربكت المشهد بأكمله. لم يحضر ترامب حفلة التسلم والتسليم ولكن نائبه مايك بنس كان حاضراً، ولم يُسمح إلا لعدد محدود بحضور مراسم التنصيب. أدّى الرئيس بايدن اليمين الدستورية، ودعا الأمريكيين إلى الوحدة وتجاوز الانقسامات وسط حضور من الرؤساء السابقين باراك أوباما وجورج بوش وبيل كلينتون. حفل تنصيب بايدن كان تاريخياً أيضاً لأنها المرة الأولى التي تتبوأ فيها امرأة أمريكية، كامالا هاريس، من أصول أفريقية وهندية، منصب نائب الرئيس.
وفور تسلم الرئيس بايدن مفاتيح البيت الأبيض وتربّعه على المكتب البيضاوي، أصدر سلسلة من الأوامر التنفيذية، تتراجع عن إجراءات اعتمدتها إدارة ترامب، وتشمل عودة الالتزام باتفاقية باريس حول المناخ والانضمام إلى منظمة الصحة العالمية، وإلغاء مرسوم الهجرة القاضي بحظر السفر على بعض الدول الإسلامية، وتعليق قرار بناء جدار على الحدود مع المكسيك. وتفرض جائحة كورونا نفسها على الملفات المطروحة على أجندة أولويات الرئيس بايدن، فقد بادر بالإعلان عن حزمة تحفيز مالية لدعم الشركات والأفراد لمواجهة تبعات الجائحة بعد أن أصبحت أمريكا البؤرة الأكبر لها في العالم. ومن المرجّح أن بايدن سيعكف في الأشهر الأولى لولايته على التعامل مع جائحة كورونا، وتضميد جراح الأمة الأمريكية، ولملمة ما يمكن لملمته مما خلّفته سياسات السنوات الأربع الأخيرة بالنسبة للشرخ العرقي العميق، وتزايد الراديكالية والاستقطاب، وتراجع الثقة بالدولة، والتشكيك في صدقية الإعلام وتجاهل استقلالية القضاء.
ما يهمنا في الرئيس الجديد هو ما سوف يفعله في الشرق الأوسط. المؤكد أن سياسة الرئيس بايدن تجاه المنطقة لن تتبلور في الأشهر الأولى من ولايته. وكما جرى الذكر من قبل، بأن أولوياته الحالية مرتبطة مباشرة بالداخل الأمريكي، على أن يفتح تباعاً ملفات المنطقة العالقة، وأبرزها ملف العلاقة مع طهران وإمكانية العودة للمفاوضات حول الملف النووي. بايدن ليس بجديد على منطقة الشرق الأوسط ويدرك تفاصيلها جيداً سواء من خلال عمله في الكونغرس أو لجنة العلاقات الخارجية فيه، أو من خلال الرئاسة عندما كان نائباً للرئيس أوباما. والمؤكد أن الخوف من تكرار سياسة أوباما في المنطقة أمر مبالغ فيه. صحيح أن العديد من الأسماء التي أعلن بايدن عن ترشيحها عملت ضمن كوادر أوباما، ولكن وجودهم لا يعني أن سياسته ستكون طبق الأصل من تلك التي اتبعها أوباما، فلم تعد المنطقة بعد عقد من الربيع العربي كما كانت خاصة بعد توقيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وتصاعد إرهاب إيران ومليشياتها، وأفول نجم جماعات الإسلام السياسي. وما يبعث على التفاؤل أن وزير الدفاع المرشح لويد أوستن أيّد وأثنى على اغتيال قاسم سليماني، وهو موقف لا بد من أنه صدم النظام الإيراني وخفض مستوى رهانهم على إدارة بايدن. وكذلك تعهد وزير الخارجية المرشح أنتوني بلينكن أمام الكونغرس بإشراك دول الخليج وإسرائيل في أي مفاوضات نووية بشأن إيران، وهذا موقف مختلف تماماً عن سياسة أوباما الذي حرص على إقصائهم وإدارتها في سرية.
العالم يستعد لأمريكا جديدة برئاسة جو بايدن تحترم فيها واشنطن المعاهدات الدولية والعلاقات التاريخية، وتعود للتعاون البناء مع حلفائها التقليديين في العالم. ورغم أنه من السابق لأوانه معرفة ملامح المرحلة المقبلة، إلا أنه من الواضح أن تحولاً كبيراً سيطرأ على كثير من الملفات الداخلية والخارجية، جراء الاختلاف الكبير بين رؤيتي الرئيس السابق وخلفه، وهو فارق سيشكل تغييراً بديهياً في بنية الوضع العالمي وطبيعة العلاقات الدولية، ومقاربة الأزمات الشائكة، جراء التأثير الأمريكي الكبير في السياسة العالمية، وحجم تداخلها في القضايا الدولية. والأكيد أن المجتمع الدولي سينتظر قليلاً اتضاح صورة واشنطن الجديدة ريثما يرتب الرئيس المنتخب البيت الأمريكي من الداخل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة