ينتظر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفارغ الصبر، ما سيقوله الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن العلاقات بين البلدين في المرحلة المقبلة.
وتحديدا بشأن المنظومة الصاروخية إس-400 التي اشترتها بلاده من روسيا على الرغم من الرفض الأمريكي والأطلسي.
عشية هذا الانتظار الصعب، يبدو المشهد متناقضا على ضفتي العلاقة، فلسان حال أنقرة يقول إنها لن تتخلى عن إس-400 مهما كلفها الأمر، بل إن أردوغان لوح بعقد صفقة شراء جديدة من هذه الصواريخ، وكمخرج للأزمة تقترح أنقرة تشكيل لجنة فنية-تقنية مشتركة مع واشنطن للبحث في مخاطر هذه الصواريخ على أسلحة الحلف الأطلسي وأمنه.
في المقابل ترفض واشنطن حتى الآن هذا الاقتراح، وتقول إنه لا يمكن القبول باقتناء تركيا العضو في الحلف الأطلسي هذه المنظومة، كونها تقوض أمن الحلف، وعليه اتخذت واشنطن إجراءات وعقوبات ضد أنقرة في الفترة الماضية، منها إخراجها من صفقة المقاتلة إف-35، وفرض عقوبات على صناعاتها العسكرية، وهو ما وضع أردوغان في أزمة حقيقية وأمام خيارات صعبة؛ إذ إن المضي في هذه الصفقة حتى النهاية، أي تشغيلها، قد يعرض العلاقات الأمريكية- التركية إلى القطيعة وربما الصدام، لتفاقم الخلافات الكثيرة بين البلدين، وهذا أمر لن يتحمله نظام أردوغان، خاصة أن بايدن في ضوء تصريحاته السابقة قد ينتهج سياسة صارمة ضد أردوغان، فهو الذي وصفه بالحاكم المستبد، وأبدى استعداده لدعم المعارضة التركية للتخلص منه في صناديق الانتخابات، فيما التخلي عن إس-400 سيعرض أردوغان لانتقادات شديدة في الداخل، في وقت تتراجع فيه شعبيته وحزبه الحاكم بشكل كبير؛ إذ لا يمكن تبرير ذلك، خاصة أن مبالغ مالية كبيرة صرفت على هذه الصفقة، في وقت تتعرض فيه البلاد لأزمة مالية ومعيشية صعبة، كما أن التخلي عن هذه الصفقة قد تعرض أردوغان لغضب روسي شديد؛ إذ بالتأكيد ستخشى موسكو على كشف أسرار منظومتها الصاروخية بعد أن أصبحت على الأراضي التركية.
أردوغان الذي يجيد المناورة، واللعب على الحواف، واستغلال التناقضات الروسية- الأمريكية لصالح أجندته، يدرك أن الرياح تتغير في واشنطن ليست لصالحه، أردوغان هذا انتهج منذ البداية سياسة مراوغة في قضية منظومة إس-400؛ إذ إنه رغم مضيه في إتمام هذه المنظومة فإنه أبقاها في المستودعات دون تشغيل، بعد أن كان مقررا ذلك في أبريل/نيسان الماضي، وهو عندما انتهج هذا الأسلوب كان يدرك أن ساعة الحقيقة ستأتي، وهي ساعة ستكون صعبة له؛ إذ إن خيار تأجيل التشغيل وصل إلى نقطة النهاية.
وعليه.. فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل سيبقي أردوغان هذه المنظومة غير مفعلة بشكل دائم كي يتجنب القطيعة والصدام مع الإدارة الأمريكية الجديدة؟ سؤال يضع أردوغان أمام مفترق طرق، وهو في بحثه عن مخرج لأزمته قد يبحث عن صفقة مع الساكن الجديد في البيت الأبيض، صفقة يمكن ملاحظتها في مناشداته المتكررة لأمريكا وأوروبا، باستعداده لفتح صفحة جديدة، صفقة قد تبدأ بطرح تركيا من جديد استعدادها لشراء منظومة باتريوت، وإعادتها إلى صناعة المقاتلة إف-35، مقابل تقديم تنازلات في شرقي المتوسط، وانتهاج سياسة جديدة في شمال شرق سوريا، بما في ذلك الانفتاح على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الحليف الأساسي للتحالف الدولي في محاربة داعش، فضلا عن تعزيز العلاقات مع إسرائيل ودول الخليج العربي؛ إذ إن أردوغان يدرك أن الذهاب إلى الصدام مع الإدارة الأمريكية الجديدة حتى النهاية لن يكون سوى بمثابة انتحار سياسي في وضح النهار، إذ ثمة قناعة راسخة في أنقرة بأن تركيا لا تتحمل البقاء بعيدا عن الولايات المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة