أخيرا دخل الرئيس جو بايدن البيت الأبيض بعد صراع سياسي طويل مع الرئيس السابق ترامب.
وتجاذب كبير بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري يحتاج إلى بعض الوقت لترميمه على أرض الواقع، خاصة أن الرئيس ترامب صدّر أزمات حقيقية للرئيس بايدن، وليست أزمة واحدة، أخطرها بالفعل إحداث شرخ كبير في المجتمع الأمريكي بأكمله، وليس من السهل على الرئيس بايدن أن يُحدث توافقا شعبيا، وداخل الكونجرس وفي الساحة السياسية طوال الأشهر الأولى من الحكم، خاصة أنه سيتجه إلى تبني إجراءات وتدابير مباشرة لا تحتاج إلى توافقات حزبية داخل الكونجرس، وسيعمل على المسار الثاني، حيث سيصدر سلسلة من الإجراءات المباشرة، والمتعلقة بصلاحياته الدستورية، وبمقتضى النظام الفيدرالي، وهو ما سيتعلق بالتصدي لجائحة "كوفيد- 19"، وتدهور الاقتصاد الأمريكي واللامساواة العرقية والتغيّر المناخي، وهي قضايا تستوجب تحركاً عاجلاً على مستوى الرئيس، وليس الانتظار لتشريعات حزبية قد تأخذ بعض الوقت، إذ يريد الرئيس بايدن التصرف بسرعة لإعادة مكانة الولايات المتحدة في العالم بعد أن مست الصورة المبهرة لأمريكا في العالم بنموذجها السياسي والاستراتيجي والاقتصادي، ومن ثم فإن الرئيس بايدن سيعمل في الأسابيع، وليس الأشهر الأولى، على فتح المجال أمام البلاد للتقدم والتنمية والازدهار، وفقا لرؤية الحزب الديمقراطي العائد لتصدر المشهد السياسي.
في هذا السياق، يشار إلى أن الرئيس بايدن قد أعاد كلا من وزير الزراعة توم فيلساك ووزير الصحة فيفيك مورثي لتولي الموقعين مثلما كانا في إدارة أوباما، وكذلك وزير الخارجية أنتوني بلينكين، ووزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس، وكلاهما كان نائبا لوزير الخارجية في إدارة أوباما، وميريك غارلاند الذي شغل منصب وزير العدل، في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، كما عين جينا ريموندو، لتكون وزيرة للتجارة، وهي التي قادت ولاية رود آيلاند للخروج من واحدة من أسوأ أزمات البطالة في الولايات المتحدة بأكملها، كما اختار بايدن، عالم الوراثة إريك لاندر ليكون مستشارا علميا للبيت الأبيض، وهو المنصب الذي تركه الرئيس السابق ترامب شاغرا لمدة 18 شهرا، على أن يصبح هذا المنصب برتبة وزير للمرة الأولى، مما ترجم خطاب بايدن بالاهتمام بالعلم والحفاظ على ريادة أمريكا التكنولوجية عالميا.
وعلى جانب آخر، وبصرف النظر عما سيدور في الكونجرس ومجلس الشيوخ في ظل التوقع بحدوث مواجهات سياسية حقيقية تطول بعض النواب الجمهوريين، وتحقيقات المشرعين الأمريكيين، التي ترتبط بالتحقيقات الجارية، والتي ستوجه الاتهامات لبعض الأسماء داخل الكونجرس ومجلس الشيوخ، وليس بمستبعد أن تطول صقور الحزب الجمهوري أنفسهم، وبالتالي فإن ما سيجري سيكون مدعاة لمزيد من الانقسام، وليس التوحد، مما قد يدفع الرئيس بايدن للاتجاه إلى توظيف القرارات الرئاسية المباشرة، والاتجاه إلى تحقيق نجاحات حقيقية عاجلة تعيد ثقة الشعب الأمريكي بقيمه السياسية والديمقراطية بمعنى الكلمة، بدلا من الاستمرار في التجاذب، خاصة أن هناك تخوفا من استمرار حالة الاستثناء التي قد تعمل بها الأجهزة الأمنية لبعض الوقت، تخوفا من استمرار مد جماعات العنف، التي تتبنى خيارا تصعيديا في الساحة الإعلامية متخذة من منصات مواقع التواصل منبرا تحريضيا في مواجهة الدولة الأمريكية بكل مؤسساتها الكبيرة، التي تسترد حضورها في المشهد العام الأمريكي بعد سنوات من الصدام المعلن، والمستتر مع الرئيس السابق ترامب الذي لم يحدد بعد واجهته السياسية، وماذا سيعمل وهل سيعود إلى عمله السابق، أم أنه سيتفرغ للعمل عبر منصات التواصل الاجتماعي، كما أعلن، لكي يكون حاضرا في المشهدين السياسي والإعلامي قائدا لتياره الشعبوي اليميني، ما لم يقيد الكونجرس مجالات تحركه حال إدانته أو اتهامه، وقد تدخل المحكمة الفيدرالية على الخط، وهو ما ينهي حياته السياسية بصورة كاملة ولا تكون له فرصة للترشح في 2024 سواء من خلال الحزب الجمهوري، أو خارجه كمستقل، خاصة أنه لن تبدأ محاكمته في مجلس الشيوخ إلا بعد استتباب الأمر للرئيس بايدن فعليا.
ومن المؤكد أن الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن (دائرته الداخلية الضيقة مُشكَّلة من 15 وزيراً) ستراقب ما هو جارٍ، وما سيحدث في الأفق القريب بهدف المضي في مساره بدون قيود أو إشكاليات حقيقية، أو الحكم بتدابير أمنية قد لا تلقى قبولا حقيقيا من المواطن الأمريكي، الذي لن تروقه مثل هذه الظروف غير العادية أو الاستثنائية، ولا شك أن الرئيس بايدن سيعمل على تنفيذ خطته المعلنة لتحفيز الاقتصاد بقيمة 1.9 تريليون دولار عبر تقديم حزم مالية وغيرها من المساعدات الهادفة لإخراج الولايات المتحدة من أزماتها، تليها في الأسابيع المقبلة خطة استثمارات من أجل إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، وتقديم شيكات للأسر وتمويلات من أجل إعادة فتح المدارس، وأخرى لتحفيز إجراء فحوص وتسريع عملية التلقيح، وتأمين سيولة للشركات الصغرى ودعم غذائي كامل، كما أنه لن يقبل بنصف حل أو شبه خيار.
ودليل على ذلك، فإن المرشح لمنصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية كزافييه بيسيرا يتبنى استراتيجية محددة تعمل على توفير ودعم الرعاية الصحية للجميع من الموجودين على الأرض الأمريكية، فيما يريد الرئيس بايدن من بيسيرا أن يدعم خطة الرئيس المنتخب لتحسين قانون الرعاية الصحية المعروف باسم "أوباما كير"، إضافة إلى زيادة تحصين الشعب الأمريكي ضد فيروس كورونا، وتعزيز التعاون بين السلطة الفيدرالية والولايات وزيادة حملات الوقاية، مع إنشاء مواقع تطعيم جماعية في الملاعب الرياضية والمراكز المجتمعية ودور العبادة، بهدف توفير منافذ جديدة للمجتمعات التي تفتقر إلى المستشفيات والصيدليات.
لكل ما سبق من تحديات، فإن الرئيس جو بايدن ليست أمامه أولويات في مجال السياسة الخارجية على الأقل في الـ100 يوم الأولى من الحكم ما لم تطرأ مستجدات خطيرة وعاجلة تدفع الإدارة الأمريكية إلى التحرك والتعامل، وهو ما يؤكد أننا سنكون أمام رئيس سيعمل في ظل دائرة محددة وضوابط موجهة بالأساس للشعب الأمريكي، ثم يأتي العالم بعد ذلك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة