أردوغان يواصل إحكام قبضته على وسائل الإعلام
تعيين 3 موالين للحزب الحاكم بالمجلس الأعلى للإذاعة والتليفزيون التركي (حكومي) مقابل استبعاد آخرين بالرغم من جدارتهم
عيّن المجلس الأعلى للإذاعة والتليفزيون التركي (حكومي) 3 موالين للحزب الحاكم مقابل استبعاد آخرين بالرغم من جدارتهم، ضمن سياسة حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسيطرة على وسائل الإعلام.
جاء ذلك بحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لصحيفة "برغون" المعارضة التي اعتبرت أن هذا التعيين استمرار لاستراتيجية حزب "العدالة والتنمية" الحاكم القائمة على إسناد المناصب إلى أهل الثقة على حساب أصحاب الكفاءة.
وذكرت الصحيفة أن رئاسة المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون عينت العديد من الأسماء المثيرة للجدل والتي تربطها علاقات وثيقة بالحزب الحاكم من بينها رئيس قسم خدمات الدعم السابق ببلدية أنقرة، أورهان أوزدمير، رئيساً لقسم التصريحات والتخصيصات في المجلس، وزوجة مدير القلم الخاص لزعيم حزب الحركة القومية دولت باهجة لي؛ الحليف الأول لأردوغان فاطمة تشليك ار، التي أصبحت رئيسة القسم الاستراتيجي بالمجلس.
كما تم تعيين أولجاي تشتشكلي طاش، الذى كان يعمل في وزارة النقل رئيسا لقسم تكنولوجيا المعلومات بالمجلس.
وتسببت هذه التعيينات في حالة غضب بين أعضاء المجلس من المعارضة واعتبروها تعدياً على حقوقهم.
وأكدوا أنه "يوجد في المجلس 30 موظفا يعملون منذ فترة طويلة، ويستطيعون أن يصبحوا رؤساء أقسام، إلا أن المجلس قد عين 3 رؤساء من الخارج بالرغم من عدم جدارتهم بسبب قربهم من السلطة".
ولم يقتصر المجلس على مجرد تعيين عناصر جديدة، بل وقع على عدد كبير من قرارات الفصل التعسفي، من بينها إقالة نائبي رئيس المجلس الأعلى حكمت إينجه، وإلكَر إيلغين، من منصبيهما مقابل تعيين آخرين.
وعلى إثر ذلك تقدم نائب حزب الشعب الجمهوري عن ولاية أضنة، برهان الدين بولوط، باستجواب برلماني حول الأمر لفؤاد أوقطاي نائب رئيس الجمهورية.
وذكر المعارض التركي أن هيئة الإذاعة والتلفزيون "ابتعدت عن مفهوم الإعلام المحايد".
ويوم 18 مايو/أيار الجاري، نظم موظفون بالتلفزيون التركي الرسمي (تي آر تي) وقفة احتجاجية أمام مبنى إذاعة "تي آر تي" بمدينة إسطنبول؛ اعتراضا على فصلهم من عملهم بدون أسباب مسبقة، بحجة أنهم عمالة زائدة.
وشمل القرار الذي وصف بـ"التصفية"، نقل 169 موظفا لجهات أخرى لا علاقة لها بالعمل التلفزيوني، مثل نقل بعض المراسلين لوزارة الصحة، ونقل فناني الراديو لوزارة الزراعة، وعدد من المذيعين لوزارة البيئة.
ورفضا لهذا القرار؛ قامت مجموعة من الصادر بحقهم هذا القرار بالاحتجاج على "التصفية" بالتصفيق والصفير، ورفعوا شعارات "لا لنظام الغنائم في تي آر تي"، "نريد أن تبقى تي آر تي كما هي"، و"خطأ في الإدارة وليس عمالة زائدة".
اتحاد عمال الإذاعة والصحافة اعتبر، في بيان له آنذاك، أن قرار تصفية 169 موظفا "هو أكبر مجزرة للعمال في تاريخ (تي آر تي)".
وأكد أن "الهدف من القرار الهيمنة السياسية وليس بسبب زيادة العمالة كما يزعمون"، موضحا أن "الشهر الماضي (أبريل/نيسان) نقلت الحكومة 280 عاملا من وكالة الأناضول للأنباء التركية إلى (تي آر تي)".
وفي سياق ردود الأفعال، قال النائب البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري علي أوزتونش، آنذاك: "هذا القرار يعجل بنهاية (تي آر تي)".
وشدد على أن "عملية النقل هذه هي عملية احتيال، حيث يتم ترحيل الموظفين المؤهلين من المؤسسة إلى مؤسسات أخرى للعمل بغير تخصصاتهم".
و"تي آر تي" واحدة من المؤسسات الإعلامية التي برزت بقوة على الساحة في أعقاب فوز الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية يونيو/حزيران 2018، وكانت خطوة ضم المجموعة الإعلامية تحت رئاسته مباشرة كفيلة بضمان ولائها.
وتملك المؤسسة حاليا 14 محطة تلفزيونية، و5 محطات إذاعية عامة، و5 إقليمية و3 دولية، فضلا عن عدة مواقع إلكترونية، أحدها يصدر بـ40 لغة، فضلا عن التركية، وفور فوزه قرر أردوغان نقل تبعية المؤسسة بالكامل إلى رئاسة الجمهورية في 24 يوليو/تموز الماضي.
وفي 20 أبريل/نيسان الماضي، صدر قرار رئاسي بمنح سلطة الإشراف على وكالة الأناضول للأنباء، وتعيين العاملين بها، إلى مكتب اتصالات رئاسة الجمهورية.
ووفق القرار، فإن مكتب الاتصالات الرئاسي سيكون مسؤولا عن الوكالة لمدة 5 أعوام، على أن يتولى أيضا الرقابة على ميزانيتها سنويا.
يذكر أن وكالة الأناضول كانت تتبع أحد نواب رئيس الوزراء، في النظام البرلماني الذي كان معمولا به في تركيا قبل أن تتحول إلى نظام رئاسي عام 2018.
ويرى معارضون أن هذه الخطوات والقرارات تأتي في ظل مساعي أردوغان للتحكم في الآلة الإعلامية بالبلاد بشكل كامل.
تجدر الإشارة إلى أن حزب الشعب الجمهوري، الذي يتزعم المعارضة التركية، كان قد كشف، في تقرير له مارس/آذار الماضي، عن سيطرة حزب العدالة والتنمية الحاكم على 95% من الإعلام، بخلاف إخفاء الحقائق عن الشعب، وحظر النشر الذي أصبح في ازدياد.
وتحت عنوان "الإعلام المتأزم في تركيا الاستبدادية"، شكا عدد من الهيئات والمنظمات الإعلامية من سيطرة النظام على وسائل الإعلام، لا سيما في الفترة التي سبقت الانتخابات المحلية التي أجريت نهاية مارس/آذار الماضي.
التقرير ذكر، كذلك، أنه بين عامي 2011 و2018 حظر النظام الحاكم في تركيا نشر 468 مادة إخبارية، بينما بلغ هذا العدد 34 خلال أول شهرين من عام 2019 الجاري.
وتابع التقرير قائلا: "وعندما ننظر إلى هذه الأرقام يتضح لنا بكل سهولة مدى العلاقة بين الإعلام والنظام، الذي يحكم البلاد منذ 17 عاماً".
ووفق التقرير، فقد شدد نظمي بيلغين، رئيس جمعية الصحفيين الأتراك، على أن طرح العلاقة بين النظام والإعلام للحساب والمساءلة أمر بالغ الأهمية بالنسبة لحق الشعب التركي في الحصول على الخبر.
وأضاف المتحدث قائلا: "الإعلام في تركيا بات في قبضة يد واحدة، ونحن حالياً نعيش في نظام إعلامي أكثر من 90% منه موالٍ للحكومة، فهناك عشرات الصحف التي تصدر بعناوين موحدة لصالح النظام الحاكم".
وأوضح أن الشعب أصبح فاقداً الثقة فيما تنشره وسائل الإعلام التابعة للنظام التركي.
وفي 2018، أحكم أردوغان قبضته على جميع مفاصل القرار ببلاده، عقب تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية نقلت البلاد إلى نظام الحكم الرئاسي، في خطوة أراد من خلالها الرئيس التركي تصفية جميع معارضيه ومنتقديه.
وطيلة العام، عملت سلطات أردوغان على تكميم أفواه الصحفيين، تحت زعم محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في يوليو/تموز 2016.
ومنذ ذلك التاريخ، وإلى جانب التضييق على المراسلين والصحفيين الأجانب، أغلق أردوغان أكثر من 175 وسيلة إعلام، ما ترك أكثر من 12 ألفاً من العاملين في مجال الإعلام دون وظائف، ورفع معدل البطالة بالقطاع إلى أقصاها وفق معهد الإحصاء التركي.