الصحافة في عهد أردوغان.. حبس وتكميم للأفواه
في اليوم العالمي لحرية الصحافة أصبحت معاناة الصحفيين في تركيا عنوانا لتقارير كل المنظمات والهيئات الدولية المعنية بالحريات.
اعتقال وترهيب سياسي ومعاناة اقتصادية.. هذا هو حال الصحفيين في عهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لم يسلم من مقصلته أحد، فلم تسفر الانتقادات الدولية التي يواجهها بسبب انتهاكات نظامه للحريات الأساسية عن إثنائه عن قمع الصحافة، والزج بالصحفيين في غياهب السجون، فهناك 150 صحفياً وعاملاً في مجال الصحافة ما زالوا يقبعون في السجون التركية منذ وقوع انقلاب عام 2016.
وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة، أصبحت معاناة الصحافة والصحفيين في تركيا عنوانا لتقارير كل المنظمات والهيئات الدولية المعنية بالحريات وحقوق الإنسان، فقد تراجعت حرية الصحافة في تركيا خلال العامين الأخيرين، خاصة منذ إعلان حالة الطوارئ في البلاد عقب الانقلاب العسكري الفاشل في منتصف يوليو/تموز 2016.
الأحكام بالسجن التي يواجهها الصحفيون ما زالت مستمرة، وكان آخرها ما أصدرته محكمة تركية في إسطنبول في 25 أبريل/نيسان الماضي، بسجن 14 من صحيفة "جمهوريت" التركية المعارضة بتهم فضفاضة بينها "دعم الإرهاب".
"العفو الدولية".. تركيا تحوّلت لسجن
في أحدث تقرير لها عن حرية الصحافة في تركيا وصفت منظمة العفو الدولية، تركيا بأنها تحوّلت إلى سجن كبير، وشددت على ضرورة توقف تركيا عن استخدام حالة الطوارئ كذريعة للتضييق على الصحفيين والمعارضة والحقوقيين وقادة المجتمع المدني.
وفي تقرير للمنظمة بعنوان "مواجهة العاصفة"، قالت المنظمة إن الحكومة التركية تواصل استخدام حالة الطوارئ لتقليص المساحة المخصصة لوجهات النظر المعارضة أو البديلة.
وأضاف التقرير أن الوقت قد حان لأن ترفع تركيا حالة الطوارئ المفروضة حاليا والتدابير الصارمة التي رافقتها والتي تتجاوز الإجراءات الشرعية لمكافحة تهديدات للأمن القومي.
غلق الصحف والاستيلاء على ممتلكاتها
أقدمت أجهزة أمن أردوغان القمعية على إغلاق نحو 178 مؤسسة إعلامية، بحجة دعم انقلاب 2016، في الفترة من 20 يوليو/تموز و31 ديسمبر/كانون الأول عام 2016، وسجن نحو 150 صحفيا للسبب نفسه.
ولم يتورع نظام الرئيس التركي عن سرقة أموال الصحفيين والصحف، فأغلق العديد من الصحف وصادر مقارها وممتلكاتها، وكان في مقدمتها صحيفة زمان.
وفي نهاية شهر مارس/آذار الماضي، داهمت قوات الأمن التركية المقر الرئيسي لجريدة "أوزجورلوكجو ديموقراسي" الكردية والمطبعة الخاصة بعد تغطياتها الخبرية التي كانت تعارض عملية احتلال عفرين السورية التي يطلق عليها أردوغان "غصن الزيتون"، وصادرت السلطات التركية مصادرة ممتلكات الصحيفة بما فيها المطبعة، وحوّلت ممتلكاتها إلى صندوق تابع لرئاسة الوزراء.
في تركيا.. الصحفي "مشتبه به"
في ظل نظام أردوغان أصبح كل صحفي يتحسس رقبته فلم يدع الرئيس التركي، فرصة لأي حركة أو همس أو رأي يعارضه فيراقب الهواتف وبرامج المراسلات، ومواقع التواصل الاجتماعي، بغرض تكميم فم كل مَن يحاول أن يعارضه، أو يتواصل مع أي مصدر يدلي برأيه للصحافة لا يرضى عنه نظام أردوغان، وأصبح كل من يعمل في الإعلام والصحافة محط شبهات.
وبحسب آخر تصنيف لحرية الصحافة في تركيا الذي أصدرته منظمة "صحفيون بلا حدود" لعام 2017، فإن تركيا تحتل المرتبة 155 من أصل 180 في ترتيب حرية الصحافة.
وكانت الحكومة التركية فرضت سيطرتها على مؤسسة الاتصالات والإنترنت منذ فبراير/شباط 2014، عقب تمريرها قانونا يسمح بفرض الرقابة الشاملة على شبكة الإنترنت، والاحتفاظ ببيانات مستخدمي الإنترنت بين سنة وسنتين.
انتقادات دولية
الانتقادات الدولية لنظام أردوغان لم تتوقف، فبحسب التقرير السنوي للمفوضية الأوروبية، الذي أكد أن على تركيا، التي تقدمت للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، إنهاء الاعتقال المؤقت المنافي للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والإفراج عن الصحفيين والكتاب والأكاديميين والناشطين الحقوقيين.
وعبّرت فرنسا، في وقت سابق، عن قلقها من انتهاكات النظام التركي للحريات الأساسية وحرية الصحافة، ردا على إدانة القضاء التركي 5 صحفيين بينهم مراسل سابق لصحيفة ليبيراسيون الفرنسية، وجددت دعوتها لتركيا إلى احترام "الحريات الأساسية" وحرية الرأي والتعبير والصحافة، ووقف انتهاكات القوانين وحقوق الإنسان.
واعتبرت الدول الغربية أن أردوغان يستخدم الانقلاب ذريعة لخنق المعارضين لحكمه القائم منذ 15 عاما.
أردوغان يحصد جائزة "الأسوأ في العالم"
في مطلع العام الجاري، حصد أردوغان المركز الأول، في فئة زعماء العالم الذين لا يتحملون الانتقاد، ومنحته لجنة حماية الصحفيين في مدينة نيويورك الأمريكية، جائزتين في فئتين من بين 5 فئات لانتهاكات حرية الصحافة.
اللجنة الأمريكية أرجعت أسباب منحه الجائزة إلى الاستهداف المستمر من السلطات التركية للصحفيين والقنوات والمواقع الإخبارية ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في قضايا إهانة أردوغان.
التضييق الاقتصادي على الصحافة
لا يفوت الرئيس التركي أردوغان فرصة إلا واستغلها لقمع كل من يعارضه، آخرها حين استخدم السلطة التشريعية متمثلة في البرلمان في حزمة من القوانين، التي ضيقت ماليا على الصحف وأفقدت الصحف المحلية نصيبها من الإعلانات الرسمية، حيث يوجد نحو 1156 صحيفة محلية يحق لها الحصول على نصيب من الإعلانات الرسمية على الصعيدين المحلي والإقليمي، خرج 90% منها من الحسبان.
وأصبحت الإعلانات الرسمية، مثل إفلاس الشركات وغيرها، عقب تمرير تلك القوانين، تنشر على الموقع الإلكتروني لهيئة الإعلانات الصحفية التابعة للدولة وحدها بدلاً من نشرها في الصحف المحلية، بعد أن كانت الإعلانات الرسمية تعد في الماضي من أهم مصادر دخل الصحف التي تعاني من مشاكل مالية في الوقت الراهن، ما اضطر الكثير من الصحفيين إلى هجر المهنة، أو حتى الهجرة من تركيا إلى بلدان أخرى.
وبحسب آخر بيانات هيئة الإحصاء التركية، فقد أصبحت معدلات توظيف الصحفيين في تركيا الأدنى من بين الوظائف الأخرى، وتشير إلى أن نسبة قطاع الصحافة والإعلام بلغت 54.6%.
ويقبع في سجون نظام أردوغان نحو 50 ألف شخص على ذمة المحاكمة لدورهم في الانقلاب الفاشل، كما أوقفت السلطات عن العمل نحو 150 ألفاً من الموظفين الحكوميين، بينهم مدرسون وقضاة وجنود بموجب أحكام الطوارئ التي فرضتها تركيا بعد محاولة الانقلاب.