هناك حالة من الاتفاق على أن أردوغان ليس له أمان ليس فقط في الدول العربية ولكن حتى مع الغرب، حيث اعتاد على ابتزازهم سياسيا بطرق مختلفة
هل يمكن لأحد أن يحسن النية في تفسيره لأي اجتماع يعقده أردوغان مع مسؤول عربي ممن يحملون فكراً ونهجاً سياسياً يتقارب مع أيديولوجية الإخوان المسلمين الذين يراهن عليهم الرئيس التركي في تحقيق أوهامه وأحلامه في دولة الخلافة؟!
ما يحدث من تعاون أردوغان وبعض السياسيين العرب ليس له تفسير غير أنه تفريط في السيادة الحقيقية لأوطانهم وتعبير واضح عن ضياع بوصلتهم السياسية
السؤال له ما يبرره لطرحه في هذا التوقيت، حيث قام، يوم السبت الماضي، رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي بزيارة إلى تركيا، وعقد اجتماعاً "مغلقاً" مع الرئيس أردوغان الذي يتمدد بطريقة ملفتة في ليبيا، ويحاول أن يختطف القرار السياسي في بعض الدول العربية، ويحاول أن يهدد استقرار الدولة المصرية التي أوقفت مشروعه السياسي من خلال تقديم الدعم للمليشيات الإسلامية فيها، وحيث إن تقدم الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر يسير نحو تحرير العاصمة طرابلس من المليشيات والمرتزقة التي يدعمها أردوغان، فليس مستبعداً أن تكون لهذا اللقاء تبعات معينة في الداخل التونسي الذي يعاني فراغاً في الحكومة يتهم بأن للغنوشي دوراً فيه، وإقليمياً من ناحية تقوية الموقف الليبي الوطني في إيقاف التدخل التركي.
قد يعتقد البعض أن أسلوب السؤال المطروح هو من النوع التهكمي أو العبثي، ولم يكن يفترض أن يطرح لمعرفة ما تحمله نوايا المجتمعين، لكن في ظل الأساليب والطرق الملتوية التي يتبعها الإخوان المسلمون ضد دولهم وشعوبهم أصبحت له أهمية، بل يكتسب شرعية إعلامية، حيث صارت لديهم الدولة الوطنية من دون أهمية في مقابل مصلحة الجماعة أو خدمة أحلام أردوغان وأوهامه في عودة الخلافة.
علينا أن نضع قاعدة أساسية في محاولة فهم ما يحيكه هؤلاء ضد دولهم؛ البحث والتفكير في "نوايا" المنتمين للإخوان المسلمين، لأنها الطريقة الوحيدة التي تتناسب وألاعيبهم وتساعد في فهم طريقة تفكيرهم. لأنه ليس هناك منطق أن يجتمع رئيس برلمان عربي مع رئيس دولة في غرفة مغلقة، إلا إذا كان ما يفعله يهدد استقرار وطنه وشعبه الذي يفترض أنه يمثلهم ويدافع عن مصالحهم ضمن الأمن القومي الوطني والعربي، والجغرافيا التي تنتمي إليها تونس.
ومع أن أردوغان لم يعد يفاجئنا بتمدده في الدول العربية ولا بنتائجه الكارثية على شعوب بعض الدول العربية التي سمحت له قياداتها بالعبث فيها، لكن صدمنا الغنوشي بعدم تقديره الشعب التونسي الذي يعرف عنه اعتزازه بدولته ووطنيته ورفضه أي مساس بها، كأنه لم يعجبه استقرار بلاده من الفوضى التي تسبب فيها الإخوان المسلمون في دول مثل سوريا وليبيا ومصر، أو أنه لم يعجبه تقدم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر كي يجتمع سراً مع أردوغان، كأنه يريد التنسيق معه ليدخل بلاده ضمن دائرة الفوضى التي يحدثها أردوغان، وهو يسير نحو أوهامه وأحلامه غير القابلة للتحقيق.
النقطة الجيدة في هذا التفاعل بين أردوغان وممثلي الإسلام السياسي في الدول العربية، أن الاثنين وجدا كل تفاصيل العبث والفوضى فيها، بدءاً من تخريب طموحات وآمال الشباب العربي الذي كان يسعى من مطالبه لتحسين أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية ومروراً بتدمير الأوطان والفشل في إدارة الحكم في البلدان التي وصلوا فيها إلى مناصب سياسية، إلى خدمة أهداف لدول لديها مشاريعها السياسية ضد الدول العربية، حيث سمح هذا الوجود بتراجع تلك النظرة المغلفة بالإعجاب للتجربة التركية، عندما كشف أردوغان عن حقيقته من خلال استغلاله الفراغ السياسي لغياب الدور السياسي العربي، وهذا فتح الباب أمام زيادة حجم الغضب لدى الرأي العام العربي ضد الإخوان المسلمين ونظام أردوغان، وظهرت حالة من الاستياء الشعبي لن تكون بعيدة أن تتبعها مظاهرات واحتجاجات وغضب مثلما يحدث الآن في عدد من الدول العربية ضد النظام الإيراني.
هناك حالة من الاتفاق على أن أردوغان ليس له أمان؛ ليس فقط في الدول العربية، ولكن حتى مع الغرب؛ حيث اعتاد على ابتزازهم سياسياً بطرق مختلفة؛ مرة بتهديدهم بفتح باب الهجرة إلى دولهم أو بإعادة تأهيل المليشيات الإرهابية، وبالتالي لا يمكننا تفسير أي لقاء مع الإخوان المسلمين بحسن نية، فهو اختار لنفسه أن يكون مصدر تهديد لاستقرار الدول العربية وغيرها من دول العالم، وبالتالي مهما حاول بعضنا محاولة الاقتناع أنها من الدول المحبة للسلم والاستقرار، تجد أن طموحات أردوغان في التمدد في الدول العربية بمساعدة الإخوان المسلمين، تزداد توحشاً وتخريباً.
ما يحدث من تعاون أردوغان وبعض السياسيين العرب ليس له تفسير غير أنه تفريط في السيادة الحقيقية لأوطانهم وتعبير واضح عن ضياع بوصلتهم السياسية، وأن ما يفعلونه هو مستنقع سترميه فيه شعوبهم بعد أن ترفضهم مثلما يحدث في لبنان والعراق، لأن الشعوب لن تقبل ببيع أوطانهم والتلاعب بآمالهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة