حكومة أردوغان في تزييف البطالة: لا أكذب ولكني أتجمل
البيانات الرسمية التركية تكشف عن عمليات احتيال منظمة لتجميل أرقام البطالة المخيفة عبر إخفائها في جداول مختلفة.
مع اقتراب موعد الانتخابات التركية، والتي تبدأ الأحد المقبل، لا يكف مرشحو حزب الرئيس أردوغان عن تقديم الوعود البراقة، التي تتضمن مكافحة البطالة، لكنهم لا يقدمون حلولا مفصلة تتعلق بكيفية تحقيق تلك الوعود وتجاوز المشكلات المزمنة.
البيانات الرسمية التركية تكشف عن عمليات احتيال منظمة لتجميل الأرقام المخيفة عبر إخفائها في جداول مختلفة؛ لتخفيف وقعها على المستثمرين والرأي العام. وتحاول حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان التلاعب بالصورة القاتمة لضمان عبور الانتخابات بأي ثمن.
وتقدم الهيئة التركية للتعبئة والإحصاء تعريفات خاصة لحصر نسبة البطالة بمن بحثوا عن العمل بشكل شهري فقط، لكي تتجنب إدراج من كانوا يبحثون عن العمل قبل تلك الفترة رغم كونهم عاطلين بالفعل.
وتشكل تلك البيانات الخاضعة للتجميل الممنهج المصدر الرئيسي لأرقام البطالة والتي تخفي الكثير عن العمالة غير الرسمية والعاملين دون أجور، وصولا إلى فاقدي الأمل في العثور على فرصة عمل، وعندما يتم تحليلها بعين متخصصة وبشكل تفصيلي، فإن الفجوة ما بين البطالة الحقيقية وأرقام البطالة الرسمية وكذلك المشاكل المزمنة في سوق العمل والتشغيل تتكشف للعيان بشكل واضح.
أرقام البطالة الحقيقية
الهيئة التركية للتعبئة والإحصاء حين تقوم بتحديد نسبة البطالة تعتبر من بحثوا عن عمل خلال الأسابيع الأربعة الماضية فحسب عاطلين عن العمل. بينما لا يُعتبرُ من العاطلين عن العمل من بحثوا عن عمل ووظائف قبل الأسابيع الأربعة الماضية، ومن لم يبحثوا عن عمل، بالرغم من كونهم عاطلين بالفعل. حيث يُصنَّفُ هؤلاء في فئة تُسمَّى "من لا يبحثون عن عمل ويكونون مستعدين له".
ولكن أرقام البطالة الحقيقية تظهر عندما يتم دراسة الفئة التي اعتبرتها الهيئة التركية للتعبئة والإحصاء عاطلة عن العمل رسميًا و"من لا يبحثون عن عمل ويكونون مستعدين له".
إن أفراد الكتلة التي لا تبحث عن عمل وتكون مستعدة له حين يُسألون عما إذا كانوا يرغبون في العمل أم لا؟ يجيبون باستعدادهم للعمل والانخراط في وظيفة ما، إلا أنهم لا يُعتبرون عاطلين عن العمل نظرًا لأنهم لم يبحثوا عنه خلال الفترة الزمنية المحددة.
ووفقًا لبيانات هيئة الإحصاء الخاصة بشهر فبراير/ شباط الماضي، بلغ العدد الرسمي للعاطلين عن العمل في تركيا 3 ملايين و354 ألف مواطن، بينما بلغ عدد المستعدين للعمل ولا يبحثون عنه 2 مليون و323 ألف مواطن، وبالتالي فإن العدد الحقيقي للعاطلين عن العمل في تركيا يبلغ 5 ملايين و677 ألف شخص.
وفيما يتعلق بمعدلات البطالة فإنه إلى جانب معدل البطالة الرسمية الذي يبلغ 10.6% توجد فئة مستعدة للعمل ولكنها لا تبحث عنه تبلغ نسبتها 8%. وبالتالي فإن معدل البطالة الحقيقية يكون 18.6%.
فاقدو الأمل لعبة لإخفاء العاطلين
ويعاني سوق العمل في تركيا العديد من المشاكل المزمنة؛ يشكل أهمها "فاقدو الأمل في العثور على فرصة عمل". وهؤلاء لا تعتبرهم الحكومة التركية عاطلين عن العمل؛ إذ صاروا لا يبحثون عن وظائف.
ووفقًا للبيانات الرسمية فإن هناك 668 ألف شخص انضموا إلى قائمة فاقدي الأمل في العثور على عمل. وهذه الكتلة يتم تجاهلها حيث لا تعتبرها الدولة عاطلة عن العمل؛ بينما هي عاطلة عنه بالفعل منذ سنوات طويلة ويجب اتخاذ تدابير توظيفية وتشغيلية خاصة بشأنها.
وبالنظر إلى سوق العمل في تركيا يتضح أن البطالة خرجت من كونها مشكلة مؤقتة لتصبح مشكلة مزمنة فيه؛ حيث إن 732 ألف شخص من عدد العاطلين عن العمل البالغ 3 ملايين و335 ألف شخص -حسبما تشير بيانات هيئة الإحصاء المعنية- يعانون البطالة لفترة أطول من سنة. هؤلاء الأشخاص يصنفون على أنهم "عاطلون عن العمل لفترة طويلة". بينما 540 ألفا من هؤلاء يُصنفون عاطلين لفترة أطول من سنة واحدة، و127 ألفا منهم لفترة أطول من عامين، و65 ألفا منهم عاطلون لفترة أطول من 3 سنوات.
ومما يشكل واحدة من أهم مشكلات سوق العمل في تركيا أيضًا عدم عثور 732 ألف شخص يمثلون نسبة الربع تقريبا من العاطلين على عمل لمدة أكثر من عام واحد.
كما أن العمالة غير الرسمية والتي تعني تشغيل العاملين بشكل غير قانوني دون تسجيل في مؤسسة الضمان الاجتماعي، قد بلغت أبعادًا مخيفةً. وتشير بيانات الهيئة التركية للتعبئة والإحصاء إلى أن 9 ملايين و78 ألف شخص من بين 28 مليونا و166 ألف شخص يعملون بشكل غير رسمي ودون ضمان اجتماعي ولا تأمين. ويبلغ معدل العمالة غير الرسمية 32.2%..
إن البيانات الرسمية للدولة تظهر أن جزءًا كبيرًا من العمالة في تركيا غير مسجل، ويتم تشغيلهم دون ضمان اجتماعي ولا تأمين. وبينما يشكل هذا الوضع سببًا مهمًا في حوادث العمل فإن ظاهرة انتشار استغلال العمال والعاملين تشكل تهديدًا خطيرًا لنجاح العمل.
الأسر العاملة بدون أجر
ووفقًا لبيانات هيئة التعبئة والإحصاء فهناك 2 مليون و758 ألفًا من الأسر العاملة بدون أجر يعملون بشكل غير رسمي ودون الحصول على دخل. وبالرغم من هذا لا يتم قبولهم كعاطلين عن العمل.
وتبلغ نسبة الأسر العاملة بدون أجر 9.8%، وعندما نتذكر أن نسبة البطالة 10.6% يتضح أن نسبة الأسر العاملة بدون أجر تشكل كتلة كبيرة مثل العاطلين عن العمل.
إن قبول الأسر العاملة بدون أجر ضمن سوق العمل يجعل نسبة البطالة تبدو منخفضة. غير أنه يستحيل الحديث هنا عن توظيف وعمل حقيقي. ففي حالة اعتبار هذه الكتلة عاطلة عن العمل يصل عدد العاطلين إلى 9 ملايين.
من جانب آخر، تشتعل الميادين بسرعة على بعد أيام من انتخابات 24 يونيو/ حزيران الجاري، ومع أن البيانات الانتخابية لمرشحي الرئاسة والأحزاب تحتوي وعودًا شتى بمكافحة البطالة والحد منها إلا أنها لا تذكر حلولًا مفصلة تتعلق بكيفية تحقيق تلك الوعود وتجاوز هذه المشكلات المزمنة.
الغموض هو الأبرز فيما يتعلق بكيفية تحقيق التوظيف في ظل وجود ما يتجاوز 6 ملايين عاطل عن العمل، والظروف الاقتصادية التي تتقلص بسرعة.
ومن الظاهر أن الأحزاب والمرشحون الرئاسيون يلفتون الانتباه بوعودهم المتعلقة بالرأي العام على الأكثر والتشغيل المحدود. ويركز بعض المرشحين على تقديم وعود بالتوظيف في القطاع العام، رغم أنه يمثل مشكلة خطيرة تؤدي لزيادة مخصصات الرواتب في الميزانية العامة للدولة.
aXA6IDMuMTQ2LjM0LjE0OCA=
جزيرة ام اند امز