جولة أردوغان الخليجية.. الفرص والاحتمالات
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستعد للقيام بجولة خليجية تشمل المملكة العربية السعودية وقطر والكويت
يُعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقيام بجولة خليجية يبدؤها الأحد، تشمل المملكة العربية السعودية وقطر والكويت كما أُعلن في أنقرة.
هذه الجولة ستختلف كليا عن جولة أردوغان الأخيرة إلى دول الخليج التي تمت في شهر فبراير/شباط المنصرم، وكان هدفها تعزيز العلاقات بين الجانبين في الإطار الثنائي والإقليمي وبأكثر من اتجاه، لتتحول هذه المرة إلى محاولة تركية لحماية ما أنجز والحيلولة دون تراجع وتدهور العلاقات التي تمر الآن بمرحلة من الترقب والانتظار، تمهيدا لتوضيح المواقف والسياسات التي قد يعقبها مراجعة الخيارات والخطوات في الجانبين.
أنقرة تقول إنه تحرك تركي في إطار الجهود التي تبذل لدعم الوساطة الكويتية لحل الأزمة في الخليج، لكن أصواتا تأتي من الدوحة تجعل من مهمة أردوغان شبه مستحيلة، وهي تردد باستمرار أنها نجحت في رد التصعيد ضدها، نتيجة الدعم التركي الكبير المقدم سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
مجموعة الصحفيين التي رافقت أردوغان في طريق عودته من قمة الدول العشرين في ألمانيا قبل أسبوع، نقلت عنه: "سيكون لديّ تحركات دبلوماسية خاصة بعد 15 يوليو/تموز، أود أن أزور الخليج مرة أخرى، علّنا نتمكن من المساهمة في إعادة الحوار بين دول المنطقة خلال الزيارة، نخطط لزيارة قطر والكويت والمملكة العربية السعودية بالذات".
ربما هو يخطط أيضا لزيارة عواصم خليجية أخرى لم يعلن عنها، لكنها ستكون إذا ما تحققت فرصة لسماع مواقف هذه الدول ليس فقط حول أسباب التوتر الخليجي القطري، بل سيكون هناك بحث مطول في الموقف التركي نفسه الداعم لقطر وارتداداته السلبية على مسار العلاقات التركية الخليجية ومخاطر المرحلة المقبلة.
العائق الأبرز الذي ينتظر الرئيس التركي في تحركاته واتصالاته الخليجية يتعلق بما قاله هو في الـ10 من يوليو/تموز المنصرم حول أنه "سيقوم بجولة خليجية لبحث إنهاء الحصار على قطر، ودعم الوساطة الكويتية في الأزمة الخليجية"، هو يجمع بين تناقضين ينتظرانه في الخليج؛ الأول حديثه عن "حصار يريده أن ينتهي"، والثاني "دعمه الوساطة الكويتية".
القيادة السياسية التركية بمقدورها دعم الوساطة الكويتية، لكن ليس بمقدورها أن تتجاهل ما تقوله المطالب والشروط الرباعية في بنود تعنيها بشكل أو بآخر، مرة في موضوع الإخوان وأخرى في مواقف تركيا حيال سياسة إيران الخليجية، ومرة ثالثة تتعلق بالمطالبة بإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر وهو ما رفضته أنقرة والدوحة.
ما سيقوله أردوغان في الخليج مهم حتما، لكن المهم أيضا هو ما سيسمعه من القيادات هناك في موضوع ضرورة وأهمية بقاء تركيا على الحياد والالتزام بما أعلنته أنقرة أكثر من مرة لناحية وجودها على مسافة واحدة من دول الخليج، في إطار استراتيجية تركية موحدة ثابتة.
تركيا حتى الأمس القريب، كانت تكرر أن سياستها الانفتاحية هي على دول الخليج جميعها، وأنها تقف على مسافة واحدة من الكل، وأن مركز الثقل في سياستها الخليجية هو قطع الطريق على التهديدات الإيرانية.
الوقوف إلى جانب قطر خيار تركي يعني القيادة السياسية مباشرة، لكن الحديث عن الحياد والوجود على مسافة واحدة من الجميع هو ما ستجد أنقرة صعوبة بالغة في إقناع الكثير من الدول الخليجية به، بعد مسارعة إيران للاصطياد في المياه التركية والخليجية على السواء.
أردوغان قد يقوم بهذه الجولة لشرح أسباب وقوف أنقرة المبكر إلى جانب قطر، وقد يكون هناك بعض التفهم لما سيقوله لناحية رد الجميل للدوحة التي وقفت إلى جانب تركيا في أكثر من ملف داخلي وإقليمي، لكن العواصم الخليجية ستذهب أبعد من ذلك عند شرح موقفها، خصوصا التنسيق التركي الإيراني السريع في اليوم الثاني لاندلاع الأزمة مع قطر.
أنقرة استقبلت وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بعد ساعات على انفجار الأزمة الخليجية للتشاور، وهو ما فهم وترجم خليجيا على أنه اصطفاف تركي إيراني إلى جانب قطر في مواجهة العديد من الدول العربية.
لا وساطة تركية يحملها أردوغان إلى الخليج؛ لأن تركيا أعلنت أكثر من مرة أنها مع قطر في محنتها وأزمتها، وأن القاعدة العسكرية التركية ستبقى هناك إلى أن تطلب الدوحة نفسها إغلاقها، فكيف تكون أنقرة وسيطا وهي تحولت إلى طرف انحاز إلى قطر دون أي تردد؟ على عكس ما سمعه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي قال إن تركيا أبلغتنا أنها على الحياد، ونتمنى أن تستمر في موقفها الحيادي.
لا يمكن لأنقرة ألا تكون تعرف أن الجبير نفسه قال أيضا إن إيران من الدول الداعمة للإرهاب، فكيف ستقبل الرياض مثلا أي تعاون أو تقارب تركي إيراني في موضوع أزمتها مع الدوحة؟
رغم الموقف الخليجي الذي تحدث عن تلقيه الرسائل التركية المعلنة حول حيادية أنقرة في موضوع الأزمة، والتبني التركي لمشروع الوساطة الكويتية، والتنسيق التركي الأمريكي المستمر باتجاه دعم خطة تفعيل الحوار بين دول الخليج، فالعلاقات التركية الخليجية تعيش حالة من الجمود والترقب قابلة للتحول إلى تصعيد وتوتر سينعكس على العديد من الملفات السياسية والمشاريع الاقتصادية والتنسيق العسكري إذا لم تحسب جيدا خطوط الرجعة.
عندما تكرر دول الخليج أنها متمسكة بمطالبها وشروطها وأنها لن تفاوض في ذلك، فهناك الجزء الذي يعني تركيا في ما تقوله، والرئيس التركي يدرك جيدا صعوبة مهمته خصوصا الأخطار المحدقة بمسار العلاقات التركية الخليجية إذا لم تحسب كل خطوة بدقة وحذر.
ما قالته الرياض مثلا ردا على إبداء تركيا استعدادها لفتح قاعدة عسكرية في المملكة، سيتحول تدريجيا إلى تراجع سياسي وإعلامي وسياحي وتجاري في علاقات البلدين إذا لم ينجح الرئيس التركي خلال محادثاته في حماية الإنجازات التي حققها هو في الأعوام الأخيرة، ليس مع السعودية وحدها بل مع العديد من العواصم الخليجية.
أردوغان إذا ما كان يقصد الخليج من أجل تأكيد موقف بلاده الداعم للوساطة الكويتية، واستعداد أنقرة للانفتاح حيال ما تقوله دول الخليج والمساهمة في قلب المشهد نحو الحلحلة شيء، وإذا ما كان يتوجه إلى هناك للمطالبة برفع التدابير المتخذة ضد قطر، أو طلب تفهم السياسة التركية نحو الدوحة وطهران في ملف الأزمة الخليجية فهو شيء آخر.
جولة أردوغان الخليجية قد تساعده في اكتشاف مسار سياسة تركيا، ليس فقط الخليجية بل العربية والإقليمية بأكملها، وأين هي اليوم حيال ملفات عديدة، مقولة الشعوب معنا لا يهمنا موقف القيادات السياسية وما تقوله الأنظمة معادلة يصعب البناء عليها في براجماتية السياسة، ومنطق أسس وقواعد العلاقات بين الدول.
من حق أردوغان أن يدافع عن الموقف التركي كما يريد، لكنه سيكون مطالبا أيضا بأن يحمل معه الجديد الذي لا بد أن يقنع ويرضي إذا كان يريد إصلاح العلاقات الخليجية مع قطر، ومن ثم حماية العلاقات التركية-الخليجية.. الرئيس التركي وكما عودنا لا بد أن يحمل بعض المفاجآت في جعبته هذه المرة أيضا، لأنه يدرك تماما أن التوتر الخليجي-القطري سيكون له عاجلا أم آجلا ارتداداته المباشرة على العلاقات التركية-الخليجية، خصوصا إذا طال وترسخ.
لقاءات وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الأخيرة في أنقرة، كانت كما قال الإعلام التركي محاولة ثنائية لفتح الطريق أكثر أمام الوساطة الكويتية، لكن واشنطن أبلغت أنقرة كما يبدو رفضها تحويل المسألة إلى وساطة تركية بين قطر وأمريكا، والدليل أن القيادات الأمريكية ركزت في مواقفها على أن الأزمة خليجية-خليجية بالدرجة الأولى، ومعالجتُها تتمّ داخل الأسرة الخليجية نفسها، في إشارة واضحة لأنقرة أنها لن تدخل في عملية اصطفاف خليجي تتركها في خندق واحد مع إيران في مواجهة دول المقاطعة.
سعت تركيا منذ بداية الأزمة في الخليج للمساهمة في حلها، عبر اتصالات دبلوماسية مكثفة أجراها الرئيس أردوغان مع ما يزيد على 16 دولة، أكد خلالها ضرورة الحل بالجلوس أمام الطاولة الخليجية.. التزام أنقرة بالطرح الكويتي الذي يقول إن حلّ هذا النزاع مسألة خليجية-خليجية لا يمكن سوى المضي في دعمه، وإلا فإنها ستسهم في منح إيران ما تريده لناحية صب الزيت فوق نار التوتر.
ما بقي في الذهن هو التفاؤل الذي أبداه الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين قبل أسبوعين؛ حول وجود دلائل إيجابية تشير إلى إمكانية حل الأزمة الخليجية، وقوله إن إرسال تركيا مواد غذائية إلى قطر كان بدوافع إنسانية بحتة، ثم ما أعلنه وزير الخارجية التركي مولود شاووش أن "جميع دول الخليج هي دول شقيقة وعلى مسافة واحدة بالنسبة لنا"، لكن هناك في المقابل موقف الرئيس التركي وقوله إن الاتهامات الموجهة لقطر غير عادلة، وإن العقوبات المفروضة على الدوحة غير صحيحة.. ما الذي يدفع أردوغان للقيام بجولته الخليجية إذا لم يكن يحمل الجديد، خصوصا أن فئة كبيرة من الشعب التركي تصر على حماية العلاقات التركية-الخليجية وعدم تعريض ما تم تشييده بصعوبة ومشقة للانهيار بهذه البساطة؟
aXA6IDMuMTQ1LjEwMi4xOCA=
جزيرة ام اند امز