هل سيكون هناك هذه المرة أيضاً شريحة كردية محسوبة على المحافظين والتقليديين البعيدين عن حزب الشعوب الديمقراطية واليسار التركي؛
توجهت الأنظار مجدداً نحو الناخب الكردي في تركيا لمعرفة كيف سيتصرف أمام الصناديق في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في 24 يونيو/ حزيران المقبل.
مرة أخرى تلتقي غالبية مراكز الأبحاث واستطلاعات الرأي التركية عند قناعة أساسية هي أن أصوات الناخبين الأكراد في جنوب شرق تركيا والمدن الكبرى هي التي ستشكل بيضة القبان في تحديد النتيجة، سواء أكان ذلك في الانتخابات البرلمانية أم الرئاسية التي ستجري في يوم واحد.
أهمية الصوت الكردي ستكون أكبر في تحديد اسم الرئيس الفائز في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة إذا ما فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الحصول على أكثر من نصف أصوات المقترعين في الجولة الأولى.
الأكراد هم الذين سيكونون أصحاب الدور البارز في انتخابات 24 يونيو، ولا أمل بفوز المعارضة ما لم تحصل على غالبية أصوات الناخبين الأكراد الذين يمثلون نسبة تصل إلى 18 بالمئة من إجمالي الناخبين في تركيا كما يرى البعض.
هل سيكون هناك هذه المرة أيضاً شريحة كردية محسوبة على المحافظين والتقليديين البعيدين عن حزب الشعوب الديمقراطي واليسار التركي؛ توفر لحزب العدالة والتنمية الفوز في آخر لحظة وبفارق ضئيل كما حدث في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في منتصف أبريل العام الماضي؟، وهل تتوحد أصوات هذه الفئة مع أصوات اليمين التركي المتشدد في حزب الحركة القومية الذي دخل في تحالف انتخابي مع أردوغان، متجاهلة حالة التباعد والاصطفاف السياسي والحزبي القائمة في البلاد؟.
وهل سيكون للعمليات العسكرية التركية المتتالية في شمالي سوريا والعراق ارتدادات سلبية على صوت الناخب الكردي في تركيا أم لا؟، وهل تنجح قيادات المعارضة التركية في كسب أصوات الأكراد، خصوصاً في صفوف حزب الشعوب الديمقراطي، رغم أنها استبعدتهم عن هذا التحالف خوفاً من فقدان أصوات اليساريين والعلمانيين والرافضين لأي انفتاح على حزب الشعوب؟، وهل سيقبل الناخب الكردي بالتوجه إلى الصناديق في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية إذا ما جرت ليدعم مرشح المعارضة محرم اينجه في مواجهة أردوغان؟.
وهل يعطي الناخب الكردي صوته لحزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة اليساري الأتاتوركي، وهو ما لم يفعله منذ سنوات طويلة؟، وهل هناك من فرص أن يتحول الأكراد نحو "حزب إيي" الذي تترأسه ميرال أكشينار والمنشق عن الحزب القومي الأم، والذي لا تختلف نظرته المتشددة إلى المسألة الكردية كثيراً عن نظرة حزب الحركة القومية؟.
الأكراد هم الذين سيكونون أصحاب الدور البارز في انتخابات 24 يونيو، ولا أمل بفوز المعارضة ما لم تحصل على غالبية أصوات الناخبين الأكراد الذين يمثلون نسبة تصل إلى 18 بالمئة من إجمالي الناخبين في تركيا كما يرى البعض.
مفاجأة حزب الشعوب الديمقراطي أقوى الأحزاب التي تمثل الصوت الكردي، كانت عبر قرار ترشيح رئيسه السابق صلاح الدين دميرتاش للانتخابات الرئاسية المقبلة من سجنه، حيث يُحاكم في عدد من القضايا أبرزها تهمة الارتباط بـ "حزب العمال الكردستاني" ، وهي مغامرة كبيرة لا يعرف بعد كيف ستجري، وهل سيكون لها نتائجها في التأثير على قرار الناخب الكردي لناحية رفع نسب الدعم للحزب في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
لكن مشكلة حزب دميرتاش ستكون في محاولة الحصول على 10 بالمئة من مجموع الأصوات ليتمكن من دخول البرلمان الجديد، وتشكيل كتلته النيابية. الفشل في ذلك يعني ذهاب غالبية مقاعده إلى حزب العدالة والتنمية الذي يأتي بعده في تراتبية تقاسم الأصوات في مدن جنوب شرق تركيا، مما يعطل فرص المعارضة في الحصول على الغالبية تحت سقف البرلمان؛ وعندها ستكون مشكلة المعارضة الأكبر.
لكن المؤكد هو أن ما سيحسم وضع مرشح حزب الشعب الجمهوري محرم اينجه هو نسبة الأصوات التي سيحصل عليها من قواعد حزب الشعوب الديمقرطي؛ في حال بقائه إلى الجولة الثانية من المواجهة مع أردوغان. من هنا فإن أيام الحملة الانتخابية التي لا تزيد عن شهر ونصف ستكون حاسمة في تحديد خيارات الصوت الكردي على ضوء الرسائل التي سيسمعها من المعارضة والتعهدات السياسية والإصلاحية التي ستقدمها في المسالة الكردية بعدما وصلت إلى طريق شبه مسدود مع حزب العدالة والتنمية؛ الذي اختار أن يتحالف مع القوميين أولا وأن يتبنى سياسة تتعارض مع تطلعاتهم وأحلامهم ثانياً لكنه ما زال يراهن على وقوف الناخب الكردي إلى جانبه.
فرصة المرشح اليساري اينجه في الحصول على الصوت الكردي قد تكون بسبب موقفه المخالف لقرار حزبه في موضوع رفع الحصانة عن بعض نواب حزب الشعوب الديمقراطي وزعيمهم دميرتاش والتمهيد لدخولهم السجن، حيث انتقد اينجه هذا القرار وها هو اليوم يعلن أنه كان من المفترض التنسيق مع كل من يرى في نفسه جزءاً من المعارضة التركية التي تريد إسقاط حكومة العدالة والتنمية، وتهدف لمنع ترسيخ النظام الرئاسي الذي يريده أردوغان.
فهل تقع مفاجأة في آخر لحظة يحققها اليساري الجمهوري اينجه بتوحيد أحزاب المعارضة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، أمله الوحيد في قلب التوقعات واستطلاعات الرأي رأساً على عقب؟
الأكراد في غالبيتهم، والذين عبروا عن موقفهم الداعم لحزب العدالة والتنمية بسبب سياسته الكردية من خلال التصويت له بنسبة عالية في انتخابات الأول من نوفمبر / تشرين الثاني 2015 البرلمانية، والذين وقفوا إلى جانبه مرة أخرى في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 16 أبريل / نيسان العام المنصرم، ومكّنوه من الوصول إلى ما يريد بفارق نقطة واحدة، يترددون كثيراً في الاستمرار بدعمهم هذا بعد الضربات الكثيرة التي تلقاها نواب حزب الشعوب الديمقراطية وقياداته وتعطل مسار الحلول التي كانوا يتطلعون إليها في المسألة الكردية في الداخل التركي، إلى جانب السياسة التركية المعتمدة في شمالي سوريا والعراق في الأشهر المنصرمة التي قطعت الطريق على الكثير من أحلام الكيان الكردي في الاستقلال هناك.
ما قيل في السابق حول شجاعة حزب العدالة والتنمية في التعامل مع ملف القضية الكردية في تركيا؛ لم يعد له هذا المفعول اليوم على ضوء الكثير من التحولات السياسية في طريقة تعامل الحزب وقياداته مع المسألة، خصوصاً بعد تباعد المواقف والخيارات بين السلطة السياسية وطروحات حزب الشعوب الديمقراطي في الأشهر الأخيرة.
الرئيس أردوغان كان يقول قبل عام " كُنّا مستعدين دوماً لمناقشة أي مشروع للسلام، ولكن شرطنا الوحيد كان عدم حمل السلاح وعدم الانصياع للمشاريع الانفصالية التي تحرّض عليها القوى الأجنبية، ولكن لم نجد من يصغي لذلك".
القيادات الكردية في حزب الشعوب الديمقراطي التي تحمّل الحكومة مسؤولية التخلي عن تعهداتها السياسية والاجتماعية في إنجاز عملية السلام الحقيقي، تقول "سنجتمع لنتشارك فرحتنا بترشيح صلاح الدين دميرتاش نفسه للرئاسة.. لقد أصبحنا قادرين بالفعل على رؤية مستقبل مشرق"."
الواضح تماما هو أن قرار تقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، من 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 إلى 24 يونيو/ حزيران المقبل، هدفه الإسراع في تغيير شكل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، ومنح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مزيداً من القوة والاستقلالية في رسم السياسات الداخلية والخارجية.
أردوغان أراد أن ينجز ذلك مع حليفه الجديد دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية اليميني، وأن يفاجئ المعارضة وهي في حالة استرخاء سياسي وحزبي، لكن يبدو أن قوى المعارضة كانت سريعة في إعلان الاستنفار العام للتحرك والرد؛ رغم أنها فشلت في الالتفاف حول مرشح واحد ينافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية، ورغم أنها لم تتوحد أمام خطة التحرك المشترك في الانتخابات البرلمانية أيضاً، والواضح أيضاً أنه لم يعد أحد في تركيا يتذكر عبد الله أوجلان المسجون في «إيمرالي» منذ 18عاماً، والذي لم يعلن ما يريده في هذه المرحلة، وهل يدعم ما يفعله دميرتاش أم لا، وهو الذي كان يراهن يوماً ما على فرصة الحوار نحو بناء سلام يمر عبر توحيد القواعد السياسية الكردية، ويؤكد على فرصها في التفاهم مع حزب العدالة والتنمية دستورياً وسياسياً؛ لكنه تعرض إلى خيبة أمل كبيرة بسبب وصول أحلامه إلى طريق مسدود.
تقول الإعلامية مينا العريبي "في الجمهوريات التي تشهد استقراراً نسبياً، تصبح للانتخابات أهداف أخرى، فعلى سبيل المثال، في تركيا، الانتخابات المرتقبة مغزاها تثبيت سلطة أردوغان، وليس تثبيت النظام التركي الذي شهد خلال القرن العشرين صراعاً بين الحكم المدني وسلطة الجيش"، ربما هي هنا تقصد مسألة توجه قائد الأركان التركي خلوصي اكار للاجتماع بالرئيس التركي عبد الله غول مع انتشار خبر استعداد الأخير لمنافسة أردوغان على مقعد الرئاسة باسم المعارضة في الشهر المقبل.
أكراد تركيا كانوا قبل عام تقريباً يتطلعون عبر حزب الشعوب الديمقراطي باتجاه توسيع رقعة انتشارهم حزبياً وسياسياً خارج مناطق الكثافة السكانية الكردية في جنوب شرق تركيا، وتقديم أنفسهم كحزب سياسي يعمل في نطاق تركيا بأكملها لكنهم فشلوا في ذلك.
من هنا فتاريخ 24 يونيو المقبل لن يكون يوماً عادياً في الحياة السياسية التركية، وتركيا بعد هذا التاريخ، ستكون غير تركيا ما قبله. هذا ما تعرفه قوى المعارضة جيداً لذلك فهي تعرف أيضاً أن فرصتها هي في عدم إهمال ما يقوله حزب الشعوب الديمقراطي، إذا ما كانت تريده إلى جانبها في المواجهة، مع أن حزب العدالة والتنمية يعاني من المشكلة نفسها في كسب الصوت الكردي أولاً، والتوفيق بين هذا الصوت في مدن جنوب شرق تركيا، وأصوات اليمين القومي في الأناضول التركي ثانياً. فمن سيفوز في السباق على الصوت الكردي في الأسابيع القليلة المتبقية؟.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة