هل ينقلب التيار على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات المبكرة التي دعا إليها، والتي ستجرى في 24 يونيو المقبل؟
هل ينقلب التيار على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات المبكرة التي دعا إليها، والتي ستجرى في 24 يونيو المقبل؟
فحتى وقت قريب، كان يُنظر إلى أردوغان على أنه لا يُقهر انتخابياً، لكنه ربما يواجه بعض المشاكل الآن. وإذا ما حدث هذا، فإن المعارضة المتشرذمة هي من يُلقى عليها اللوم، حيث تفتقر المعارضة إلى رؤية شاملة، كما أنها غير قادرة على تقديم سياسات بديلة قابلة للتطبيق.
ويبدو أن التحدي الحقيقي الذي يواجهه أردوغان هو سياساته الاقتصادية. وتشير جميع الدلائل إلى حدوث تدهور متسارع. وكما أشارت تلك الدلائل مرارا وتكرارا، فإن أردوغان يواجه خصماً صعباً، ألا وهو نفسه. فإذا ما فشل فسيكون هذا بسبب أسلوبه غير المنتظم في اتخاذ القرار والعناد الذي يشتهر به.
كان أردوغان عازماً على ضمان أن وسائل الإعلام بأكملها تخضع لسيطرته عندما أعلن إجراء انتخابات مبكرة، لكن هناك حداً للاستفادة من مثل هذه الاستراتيجية. وحتى مع خضوع وسائل الإعلام لسلطة الرئيس، فلا يمكن للرئيس التركي أن يجعل الناخبين يتجاهلون تأثيرات المشكلة الاقتصادية.
وربما تكون قد حانت هذه اللحظة، وقد تكون أحزاب المعارضة قادرة على تغيير أردوغان، أو على الأقل تكون قادرة على استهداف الناخبين المحبطين بعيداً عن حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان.
ويرجع هذا إلى الاقتصاد، حيث كتب مارك بنتلي لموقع “أحوال تركية” يقول إن “الانخفاض في قيمة الليرة -وقد سجلت الليرة الهشة رقماً قياسياً أمام الدولار الأميركي (في 4 مايو الجاري)- قد يعرض أردوغان إلى تحد حقيقي من رموز المعارضة”.
وأضاف بنتلي، وهو مدير سابق لمكتب وكالة بلومبرغ في تركيا، أن المعارضة كانت “متأكدة من جذب الانتباه إلى الرقم القياسي المتزايد المريب لأردوغان على توجيه اقتصاد البلاد”.
ولهذا التحليل وجهة نظر جيدة، فقد سجلت الليرة تراجعاً نسبته 4.29 بالمئة أمام الدولار وقفز تضخم الأسعار الاستهلاكية بنسبة 10.9 بالمئة في أبريل من 10.2 بالمئة التي سجلها في الشهر السابق.
وهذه النسبة مرتفعة جداً بالمقارنة بمستويات التضخم في الدول الأخرى، 2.7 بالمئة في البرازيل، و4.3 بالمئة في الهند، و2.1 بالمئة في الصين، و2.4 بالمئة في روسيا. ولا تعير حكومة أردوغان انتباهاً للتحذيرات التي تقول إن الاقتصاد يشهد تدهوراً، وأعلنت مؤخراً عن حزمة جديدة من إجراءات التحفيز.
ويرى الخبراء أن السماوات تُظلم فوق رأس رجل تركيا القوي. وقال تيموثي آش أحد كبار الخبراء الاستراتيجيين المتخصصين في شؤون الأسواق الناشئة بمركز إدارة الأصول “بلوباي” في لندن “إذا ما استمرت الليرة في الغرق، فإن الرسالة التي يتم توجيهها للناخبين ستكون هي أن أردوغان فقد السيطرة على الجبهة الاقتصادية”.
ويبدو أن المعارضة مستعدة للهجوم حتى على الرغم من أنها غير قادرة على الاتحاد لاختيار مرشح لخوض الانتخابات أمام أردوغان. وبدلاً من ذلك، سيرشح كل حزب من أحزاب المعارضة الأربعة مرشحاً لخوض الانتخابات، وفي نفس الوقت تأمل المعارضة في ألاّ يفوز أردوغان بالانتخابات فوزاً مطلقاً من الجولة الأولى، والمنهج الذي تنتهجه المعارضة في الانتخابات يمكن تلخيصه في جملة واحدة هي “لنسقطه، ثم لنرَ ماذا نفعل بعد ذلك”. ولا توجد استطلاعات رأي يمكن الوثوق فيها، ومازال من المبكر جداً طبقاً للمعايير التركية، التنبؤ بمن يحصل على أصوات الناخبين. ويقول آش، إنه على الرغم من ذلك فإذا ساءت حالة الاقتصاد أكثر فربما يمكن التنبؤ بنتيجة الانتخابات.
وكان أردوغان عازماً على ضمان أن وسائل الإعلام بأكملها تخضع لسيطرته عندما أعلن إجراء انتخابات مبكرة، لكن هناك حداً للاستفادة من مثل هذه الاستراتيجية. وحتى مع خضوع وسائل الإعلام لسلطة الرئيس، فلا يمكن للرئيس التركي أن يجعل الناخبين يتجاهلون تأثيرات المشكلة الاقتصادية. لذا، ما الذي يلوح في الأفق بالنسبة لتركيا بعد الانتخابات؟ هناك ثلاثة سيناريوهات:
السيناريو الأول هو أن يفوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية، ويواصل حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان السيطرة على الأغلبية البرلمانية. وهذا السيناريو هو ما يحلم به الرئيس.
وإذا حدث هذا، فسيكون له كتلة إسلامية – قومية قوية موحدة. وسوف يضفي هذا السيناريو الشرعية على سياسات أردوغان، سواء مع الأصدقاء أم مع الخصوم على الساحة الدولية.
وستمنح مثل هذه النتيجة أردوغان تفويضاً مطلقاً لتمديد حملة التطهير التي يقوم بها ضد المعارضة وجماعات المجتمع المدني المعارضة. كما ستكون التغييرات السياسية الجارية في تركيا لفترة رسمية غير محددة.
السيناريو الثاني هو خسارة أردوغان سباق الانتخابات الرئاسية وخسارة الأغلبية البرلمانية. ومن غير المحتمل حدوث هذا. وستكون نتيجة هذه الخسارة الفورية حدوث تشوش سياسي لكن ستعني بالتأكيد نهاية حكم أردوغان، بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية كآخر معقل لتجارب الإخوان المسلمين في الحكم. وإذا ما حدث هذا، فإن جميع رجال الرئيس من المحتمل أن يبدؤوا في التفرق وستستغرق الأنظمة المحطمة لتركيا وقتاً لكي تعود مرة أخرى.
السيناريو الثالث هو أن يفوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية ويخسر الأغلبية البرلمانية. وإذا واصل خصمه الرئيسي -الاقتصاد- العمل ضده، فقد يكون هذا أحد السيناريوهات.
وإذا فاز حزب الشعوب الديمقراطي بأكثر من 10 بالمئة من إجمالي أصوات الناخبين، ثم تجاوز الحد المطلوب لدخول البرلمان، فقد يمثّل تحالف معارضة موحدا تجمع الأغلبية. وفي حالة حدوث مثل هذا الموقف فإن أردوغان سيكافح لكي لا يصبح بطة عرجاء.
ومع ذلك، فإنه سياسي ماهر ويمكنه التلاعب بخصومه عن طريق تعيين وزراء من أحزاب المعارضة. كما يمكن أن يحاول الحكم من خلال مرسوم رئاسي لتهميش المعارضة.
ومهما حدث فإن الانتخابات التركية ستكشف عن عمق الأزمة التركية النظامية.
نقلا عن "العرب اللندنية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة