على الدول العربية تجنب الاعتماد على تركيا كلياً أو جزئياً من الناحية الاقتصادية، وعليها أيضاً فرض قيود على المستثمرين الأتراك.
اعتادت تركيا منذ نحو عقدٍ من الزمن التدخل في كلّ شاردة وواردة في عدّة دولٍ عربية تحظى فيها بنفوذ سياسي وعسكري من خلال جماعة "الإخوان المسلمين"، حيث تسعى أنقرة من خلالها لفرض نفسها كراعية رسمّية على هذا البلد أو ذاك كما هي الحال حالياً في أجزاء من سوريا والعراق وليبيا وقطر والصومال وغيرها من الدول التي تنشط فيها الجماعة الإرهابية.
إن محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اعتبار نفسه جهاز تحكّم عن بُعد لعدّة دول عربية، فشلت في بعض الأحيان ولكنه رغم ذلك يحاول حتى الآن إعادة تجاربه الفاشلة تلك ويحاول تحريك تلك الدول كما لو أنها قنوات على شاشة التلفاز من بوابة الاستثمار الاقتصادي خاصة في الدول التي لا يحظى فيها بدعمٍ سياسي أو عسكري.
وتبرز هذه الخطة السياسية من خلال ما أكده مراراً وزير الخارجية التركي مولود جاوويش أوغلو عن وجود عشرات آلاف المستثمرين والعمال الأتراك في لبنان مثلاً، حتى أنه خلال زيارته ما قبل الأخيرة إلى العاصمة بيروت قال إن عددهم يبلغ حوالي 50 ألفاً. وهذا يعني وجود جالية تركية كبيرة في لبنان، في وقت تتسابق إليه كلاً من أنقرة وطهران للسيطرة عليه بالكامل.
ولابدّ من التذكير أن أنقرة تفرض قيوداً على الاستثمارات الاقتصادية على أراضيها ومن ضمنها وجود شريك تركي لكلّ مستثمر أجنبي، لكن العواصم الأخرى لا تعامل أنقرة بالمثل، ما يعني عدم وجود شريك لبناني لكل مستثمر تركي في بيروت أو غيرها من العواصم العربية، وهو ما يؤدي إلى غياب الرقابة الفعلية على المشاريع التركية التي غالباً ما تكون على صلة باستخبارات بلادها.
ولذلك على السلطات اللبنانية وغيرها في الدول العربية فرض قيودٍ على تلك الشركات بما فيها تلك التي يتواجد فيها شريك من مواطنيها، وفرض رقابة جزئية على الأقل على تلك الاستثمارات ونشاطاتها الفعلية، لا سيما وأنه لا ضمانة لدى أولئك المستثمرين بعدم دعم حركاتٍ إرهابية بهدف زعزعة استقرار هذه الدول التي يتواجدون فيها تلبية لأوامر أردوغان الذي يستطيع استخدامهم بسهولة ويحركهم حسب حاجته.
وفي الواقع، لا تكفي مراعاة الدول العربية للجانب الأمني لدى الاستثمار التركي، بل عليها أيضاً اتخاذ بديل للمستثمر والمنتجات التركية. فلو كانت العواصم العربية هي التي تتدخل في الأزمات الداخلية في تركيا، كان أول ما سيفعله أردوغان هو طرد رؤوس الأموال العربية. كما أنه قد يستخدم الاقتصاد كسلاحٍ جديد ضد هذه الدول في المستقبل وبإمكانه بكل بسهولة حجز رجال الأعمال العرب أو القائمين بأعمالهم ومنع وصول الصادرات التركية إلى العالم العربي.
وفي هذا الصدد لابد من التذكير بتجربة إقليم كردستان العراق الذي يستند بأمنه الغذائي بشكل كلي على أنقرة. ففي غضون الاستفتاء الفاشل للاستقلال عن العراق الذي قاده الرئيس السابق مسعود البارزاني قبل أكثر من 3 سنوات، هدد أردوغان حينها مخاطباً سكان الإقليم، بأنه سوف يغلق المعبر الحدودي الذي يربط تركيا بالإقليم، ويتركهم يموتون جوعاً وعطشاً!
وبالتالي، على الدول العربية تجنب الاعتماد على تركيا كلياً أو جزئياً من الناحية الاقتصادية، وعليها أيضاً فرض قيود على المستثمرين الأتراك ومشاريعهم على أراضيها، بالتزامن مع سحب رؤوس أموال مواطنيها من أنقرة تدريجياً. دون حصول هذا الأمر قد يتحول الاستثمار التركي في العالم العربي إلى قنبلة موقوتة يفجرها أردوغان عن بُعد متى ما أراد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة