المسؤولية التركية عن ظاهرة انتشار المرتزقة مسؤولية مباشرة، وهي تعد في إطار الجرائم التي تخالف بنود معاهدة جنيف لحقوق الإنسان
مع توريط أردوغان بلاده في الحروب المشتعلة في سوريا وليبيا وناغورني قره باغ، طفت إلى السطح ظاهرة المرتزقة الذين يرسلهم السلطان العثماني الجديد إلى ساحات الحروب من أجل تحقيق مشروعه التوسعي، وما يفعله أردوغان اليوم، سبقه إليه أجداده العثمانيين.
إذ تقول صفحات التاريخ إن السلطان العثماني مراد الأول " 1362 - 1389"، كان أول من لجأ إلى هذا الأسلوب، عندما أسس الفرق الإنكشارية التي كان أفرادها من أسرى الحروب والغلمان الذين ينفصلون عن أهاليهم وأصولهم، وهؤلاء كانوا من أبطش فرق القتال العثمانية في عهده حيث كانت مهمتهم الوحيدة هي أعمال القتل والحرق والنهب.
كما يحدثنا التاريخ عن الألوية الحميدية التي أسسها السلطان عبد الحميد الثاني في عام 1890، وقد تم تشكيل هذه الألوية من الأقليات المسلمة التي كانت تعيش في كنف الدولة العثمانية ولاسيما التركمان حيث كان يتم زجهم في الحروب ضد الأرمن وروسيا القيصرية، كما يخبرنا التاريخ الحديث كيف شكلت الحكومة التركية في نهاية الثمانينات القرن الماضي منظمة "القورجية – سكان القرى" في المناطق الكردية بتركيا، وكيف دربت وسلحت الأهالي لقتال الحركة الكردستانية في تركيا بحجة مكافحة الإرهاب، حيث بلغ عدد عناصر هذه المنظمة قرابة مئة ألف مسلح.
وهؤلاء شجعتهم الحكومة التركية على ارتكاب أفظع الجرائم و الانتهاكات، وصلت إلى حد حرق وتدمير قرى بكاملها وتهجير أهاليها، والقيام بعمليات اغتيال للمثقفين والسياسيين والحقوقيين، واليوم أنشأت تركيا العديد من المنظمات والشركات التي تقوم بأعداد المرتزفة وإرسالهم إلى ساحات الحروب والصراعات، وعلى رأس هذه الشركات شركة صادات التي يرأسها عدنان تانرفردي الذي عينه أردوغان مستشارا عسكريا له بعد أن كان ضابطا متقاعدا، حيث بات الرجل يتمتع بنفوذ مؤثر وقوي داخل المؤسسة العسكرية والأمنية التركية، ومهمته الأساسية هي تجنيد المرتزقة وتدريبهم وإرسالهم إلى ساحات الحروب، وهكذا حول أردوغان تركيا إلى معمل لتفريخ المرتزقة، فلا تكاد هناك ساحة مشتعلة ولا تجد فيها أصابع تركية.
بدأت القصة من الشمال السوري، عندما جلب أردوغان العناصر الإرهابية والمتشددة إلى هناك، وقدم مختلف اشكال الدعم العسكري واللوجستي والاستخباراتي لهم، وهكذا انتشرت جماعات النصرة والقاعدة وداعش والإيجور والتركستاني وغيرها من الجماعات الإرهابية.
كما أطلق أسماء عثمانية كالسلطان سليم، والسلطان الشاه، والمعتصم، والفاتح، وبايزيد على الجماعات السورية المسلحة، حيث كان أردوغان يريد استخدام هذه الجماعات لإسقاط النظام السوري، قبل أن تتدخل روسيا في الأزمة السورية وتقلب حسابات أردوغان، إذ شكل استعادة الجيش السوري سيطرته على مدينة حلب منعطفا، فمنذ ذلك الوقت، بدأ أردوغان يستخدم هذه الجماعات ضد أكراد سوريا، ثم أرسلهم للقتال في ليبيا إلى جانب الميليشيات المتطرفة في طرابلس ضد الجيش الوطني الليبي، قبل أن يستفيق العالم على أخبار إرسال أردوغان مئات أن لم نقل آلاف المرتزقة إلى ساحات الحرب في إقليم ناغورني قره باغ حيث الصراع التاريخي بين أرمينيا وأذربيجان على الإقليم، واعلان أردوغان تقديم مختلف أشكال الدعم لأذربيجان في هذه الحرب.
في الواقع، منذ بداية الأزمة السورية، استغل أردوغان معاناة السوريين، فبعد أن فتح حدود بلاده لهم، سرعان ما حولهم إلى ورقة إبتزاز ضد أوروبا من خلال التهديد الدائم بإغراقها باللاجئين ما لم تقدم أوروبا له الأموال والامتيازات والتنازلات هنا أو هناك، واليوم مع الهدوء النسبي في جبهات القتال في شمال سوريا، وتحول المسلحين هناك إلى عاطلين عن العمل، والظروف المعيشية والحياتية الصعبة، عرف أردوغان كيف يستغل ظروفهم ويجندهم مقابل المال في أرض غير أرضهم، و وطن غير وطنهم، وهو ما ألحق أكبر ضرر بصورة السوريين في العالم.
فأردوغان بعد أن وضع هذه المناطق تحت سلطته، بدأت أجهزته الاستخباراتية تضع الفصائل العسكرية والمدنيين بما في ظل الفتيان أمام معادلة صعبة، أما خيار الذهاب إلى القتال لصالح أجندته أو التعرض لعقوبات واجراءات رادعة، وهو ما شجع هؤلاء المرتزقة على الانخراط في ممارسة مختلف أشكال العنف وارتكاب الجرائم والانتهاكات أينما حلو، ولعل ما جرى ويجري في منطقة عفرين السورية المحتلة تؤكد حقيقة هذه الانتهاكات التي أدانتها الأمم المتحدة في تقرير لها قبل أسابيع.
والمسؤولية هنا تتجه أيضا إلى قوى المعارضة السورية المرتبطة بتركيا، ولاسيما الائتلاف الوطني الذي يسيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين، وجناحه العسكري المسمى بالجيش الوطني، فهذه الجماعات تتحرك بأوامر من تركيا، وتنفذ أجندتها إزاء الأزمة السورية على حساب قضيتها السورية، وهي في كل ذلك تبدو أسيرة للتركي وقراراته، وغير قادرة على التحرك خارج أجندته، ولاسيما أن هؤلاء يتخذون من تركيا مقرا لهم، ويتلقون الرواتب والمساعدات من خلالها، وهكذا بات هؤلاء تحت قبضتها، وكل من يخرج عن طاعتها مصيره أما السجن أو الطرد أو الاضطرار إلى الفرار منها كما حصل مع العديد من المعارضين السوريين.
من دون شك، المسؤولية التركية عن ظاهرة انتشار المرتزقة مسؤولية مباشرة، وهي تعد في إطار الجرائم التي تخالف بنود معاهدة جنيف لحقوق الإنسان عام 1949، كما أن مسؤولية الأطراف الدولية المعنية بالأزمة السورية، ولاسيما روسيا والولايات المتحدة حاضرة في استغلال أردوغان للأزمة السورية، إذ كلما تأخرت هذه الدول في ايجاد تسوية سياسية لهذه الأزمة تمعن أردوغان في استغلال معاناة السوريين لصالح أجندته، والأهم التحرك باتجاه أجبار أردوغان على وقف هذه الظاهرة التي تهدد الأمن في العديد من المناطق ولاسيما في ظل التقارير التي تشير إلى ارساله خلايا أمنية ومرتزقة إلى اليمن ومالي والصومال ولبنان .. وغيرها من بلدان المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة