تنظيم "البجع".. عصا أردوغان لدفن أسرار داود أوغلو
بلاغ أمام القضاء ضد مجموعة "البجع" المرتبطة بأردوغان، ومراقبون يرون أنها محاولة منه للتعتيم على علاقته بالتنظيم الإلكتروني
تسونامي من الانشقاقات يهز حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وانتقادات واتهامات لاذعة تصيب الرئيس رجب طيب أردوغان في مقتل، وتدفعه نحو الرد درءا لتداعيات "مذبحة" حزبية يخشى أن تودي بحكمه.
بلاغ ضد مجموعة "البجع" التركية، يطالب بالتحقيق في نشاط هذا التنظيم الموالي للرئيس رجب طيب أردوغان، في خطوة يشكك البعض في مدى جديتها ومصداقيتها، خصوصا تزامنها مع الحرب المستعرة داخل الحزب الحاكم.
تنظيم سري ينشط عبر الإنترنت، يصل أخيرا إلى القضاء، للتحقيق في اتهامات موجهة إليه بتوجيه الرأي العام بالبلاد، و"الاغتيال المعنوي" لكل من لا يرضى عنهم النظام.
صحيفة زمان التركية ذكرت أن محاميين تقدما للنيابة العامة في إسطنبول ببلاغ يطالبان فيه بفتح تحقيقات حول "مجموعة البجع" (بليكان)، هذا التنظيم السري الذي قال رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو إنه استهدفه في فترة رئاسته للوزراء، وكان السبب في استقالته.
شكوى تأتي في خضم الأحداث المتسارعة مؤخرا في تركيا، خصوصا ما يتعلق منها بالقنابل التي فجّرها داود أوغلو بكشفه لكواليس من حكمه، وتوجيه انتقادات حادة واتهامات ضمنية لأردوغان.
رئيس الوزراء الأسبق عاد بمواطنيه إلى حقبة حكمه، وكيف أنه اضطر إلى إعلان استقالته من منصبه في مايو/أيار 2016، عقب اتهامات وُجهت إليه عبر بيان، بـالعمالة لصالح ألمانيا، نشرته "مجموعة "البجع"، على حد قولها، مشيرا إلى أن المجموعة يترأسها سرهاد ألبيراق شقيق وزير الخزانة والمالية برات ألبيراق، صهر أردوغان.
ويرجح محللون أن تكون المجموعة تشكلت في ذلك الوقت تحديدا، وأن لبنتها الأولى وضعت خصيصا للإطاحة بداود أوغلو، وهذا ما تجلى من خلال البيان الشهير الذي اطلع عليه الرأي العام التركي في الأول من الشهر المذكور، وتضمن هجوما لاذعا عليه قاد نحو إقالته من منصبه.
وفي المذكرة المقدمة إلى النيابة العامة في إسطنبول، قال المحاميان إن "تنظيم البجع يقوم باستهداف الأشخاص من خلال طرق مشابهة لتنظيم (غلاديو) السري، والأخير منظمة أنشأها حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد الحرب العالمية الثانية ضد الشيوعيين.
من جانبها، أصدرت النيابة العامة قرارا بفتح إدارة مكافحة الإرهاب بمديرية أمن إسطنبول، تحقيقات دون توجيه أية اتهامات لأشخاص بعينهم، في وقت يعتقد فيه قسم واسع من الرأي العام أن القضية ستُقبر سريعا طالما تمس أردوغان وعصابته.
"البجع" بمرمى التحقيقات
في الوقت الذي تناقش فيه قيادات الحزب الحاكم أسباب الأحداث السلبية التي يشهدها الحزب، استهدف أيهان سفر أوستون، النائب السابق عن العدالة والتنمية، ورئيس لجنة التحقيق البرلمانية في انتهاكات حقوق الإنسان سابقا، مجموعة البجع (بليكان)، برئاسة هلال كابلان الصحفية العاملة في جريدة "صباح" الموالية لأردوغان، وزوجها صهيب أويوت.
أوستون قال إن عصر المشورة في آليات القرار داخل حزب العدالة والتنمية انتهت، مشيرا إلى أن مجموعة البجع التي تردد اسمها بنشرها بيانا تسبب في استقالة داود أوغلو من منصب رئيس الوزراء، أصبحت صاحبة القرار في الحزب.
وأضاف أوستون، في حديث لموقع إخباري محلي، أن مجموعة البجع باتت هي من تتخذ وتنفذ القرارات الاستراتيجية داخل الحزب، بدلاً من اللجان القانونية المعروفة المسند إليها اتخاذ وتنفيذ القرارات.
وتابع أن مجموعة البجع التي تحاول تشريع وحماية نفسها من خلال الدفاع عن أردوغان، توغلت في حزب العدالة والتنمية كخلية سرطانية خبيثة، داعيا الحزب إلى تصفية هذا الكيان غير الشرعي أولا.
وأوضح أوستون أنه في بادئ الأمر كان هدف تشكيل المجموعة هو أن تنشط على حسابات التواصل الاجتماعي لحزب العدالة والتنمية، والرد على الانتقادات الموجهة للحزب الحاكم، قائلا: "في بادئ الأمر كانت مبادرة حسنة النية، غير أن هذه المجموعات بدأت تتحرك لاحقا وفق توجيهات ومطالب ورغبات مؤسسيها، وبدأت المجموعات ترعى مصالح مؤسسها عوضا عن مراعاة مصالح الحزب، ورؤساؤها الجدد منحوها إمكانات استثنائية".
تمويه؟
مراقبون يرون أن البلاغ المقدم للنيابة العامة بإسطنبول ليس سوى محاولة من أردوغان للتعتيم على علاقته بالتنظيم الإلكتروني، وخطوة استباقية يريد منها قطع الطريق أمام أية تفاصيل أخرى قد يكشفها داود أوغلو بهذا الشأن.
فالواضح من حديث أوستون أن التركيز يشمل بالأساس كون هذه المجموعة باتت خطرا على حزب العدالة والتنمية، و"سرطانا" يهدده، كما حاول تسليط الضوء على أن المجموعة تغطي على أهدافها الحقيقية من خلال ادعاء الدفاع عن أردوغان، مع أن المجموعة منذ ظهورها لم تقم بنشاط سوى استهداف أي صوت يعارض الرئيس التركي سواء من داخل الحزب أو من خارجه.
كما أن هجماتها الأخيرة على المعارضة حين فازت ببلدية إسطنبول وتشكيكها في نتائج الاقتراع، جميعها شواهد لا يمكن أن تمضي إلا لصالح أردوغان، وإلا فما الذي يفسر استمرار وجود المجموعة إن لم تكن كذلك؟ أو لم يكن أردوغان قادرا على اجتثاثها لو تعارضت مع مصالحه؟
ما مجموعة "البجع"؟
تتكون المجموعة من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ والسلطة داخل العدالة والتنمية، وتمتلك عددا من وسائل الإعلام الموالية لأردوغان، على رأسها جريدة "صباح" التي يمتلكها شقيق برات ألبيراق.
المجموعة مجندة للانقضاض على أي اسم أو حتى حساب عبر مواقع التواصل، يبدي نوعا من الانتقادات للنظام الحاكم في تركيا، وآخر ضحاياه الكاتب السابق لخطابات أردوغان ونائب الحزب السابق عن مدينة أنقرة آيدن أونال.
وبدأت المجموعة باستهداف أونال في الفترة الأخيرة بعد أن قال صراحة إن "مجموعة البجع أخطر من حركة الخدمة (غولن) وحزب العمال الكردستاني؛ فهي مجموعة تسم جسد حزب العدالة والتنمية. يجب تصفيتها فورًا".
لم يمر إلا 3 أشهر فقط على تصريحات أونال، حتى بدأت المجموعة بمهاجمته من خلال حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
طرحٌ آخر يفرض نفسه بقوة في هذا السياق، وهو أن أردوغان الذي أحرجه تصريح داود أوغلو بأن "البجع" هي التي كانت الوسيلة التي أقيل بها من منصبه قبل 3 سنوات، يرد على طريقته في محاولة لتفنيد رئيس وزرائه الأسبق وقلب الطاولة عليه.
فبإحالة المجموعة للتحقيق، فإن الأمر قد يصل إلى حد توجيه لائحة اتهامات رسمية، وهذا ما سيستخدمه أردوغان تعلَّةً لتصفية من عجز عن تلفيق تهم الانتماء لحركة غولن لهم أو لحزب العمال الكردستاني، وبهذا يضمن عصفورين بحجر واحد، إقصاء معارضيه والتخلص من داود أوغلو.
رسالة إلى داود أوغلو
القصة برمتها تبدو محبوكة سلفا، فما خرج للرأي العام اليوم هو تقديم بلاغ، والنيابة العامة تفتح تحقيقا في الموضوع، وهو ما يؤكد أيضا أن أردوغان يريد من خلال هذه الحركة بعث رسالة مضمونة الوصول إلى داود أوغلو، يحذره فيها من المضي قدما في كشف أسرار حكمهما معا.
فإن تلقف الأخير الرسالة وأحجم عن فضح المزيد من الأسرار فسيتوقف الأمر عند التحقيق، وسيغلق الملف لعدم كفاية الأدلة، لكن في حال واصل داود أوغلو فسيمر أردوغان إلى الخطوة التالية، وهي توجيه لائحة اتهامات رسمية للمجموعة، ومن ثمة اتهام داود أوغلو بأنه كان أحد أعضائها، فيخضع للتحقيق والمحاكمة، وتسقط مصداقيته في أعين الشعب، ويتلاشى بالتالي تأثير جميع أقواله السابقة، خصوصا المتعلقة بدفاتر الإرهاب، والتي اتهم فيه أردوغان ضمنيا بالتخطيط مع داعش لتنفيذ تفجيرات 2015.
ولم يكتف بذلك، وإنما هدد بأن فتح دفاتر الإرهاب سيتسبب بـ"سواد وجوه كثيرة"، وبأن لديه أسرارا ستجبر أردوغان وحزبه، في حال خروجها للعلن، على الخجل من النظر في وجه الأتراك.
aXA6IDE4LjIxNy4yNDYuMTQ4IA== جزيرة ام اند امز