جمعية النهضة الخيرية الإثيوبية.. نموذج للعمل الإنساني والمجتمعي
جمعية النهضة الخيرية للتنمية المتكاملة بإثيوبيا بدأت كجمعية لعدد محدود من الشباب قبل أكثر من عقد لتتحول مؤخرا إلى جمعية عامة
تولد الأعمال الكبيرة من رحم المبادرات الصغيرة حينما تحمل في مضامينها وقيمها معاني إنسانية رائعة وكبيرة، وهو ما ستخبرنا به تجربة مجموعة من الشباب لم يتجاوز عددهم الـ15 شخصا أصبحت مبادرتهم جمعية خيرية تسع طموح دولة بأكملها.
جمعية النهضة الخيرية للتنمية المتكاملة بإثيوبيا، بدأت كجمعية لعدد محدود من الشباب، بمدينة هرر شرقي إثيوبيا، قبل أكثر من عقد، وكانت البداية بأنشطة حماية التربة ومحاربة التغيير المناخي، ساعية إلى المساهمة بدور شبابي في مكافحة التغيير المناخي العالمي، الذي كانت تنادي به الحكومة الإثيوبية كمشروع تكاملي ما بين الحكومة والمجتمع في تلك الفترة.
ومنذ تلك الفترة أصبح شباب منظمة النهضة الخيرية يشاركون في الأنشطة التنموية دونما يحصرون جهودهم في أنشطة بعينها، ليرتقي دورهم إلى العمل في أنشطة محاربة الفقر وتنمية المجتمع والاستجابة لنداء الحكومة في وقت واجه فيه فئة كثيرة من المواطنين كوارث طبيعية وإنسانية في مختلف المناطق بالبلاد، وهو ما جعل دور الجمعية يتوسع بصورة أكبر، وفق ما ذكره سلاميهون أكليلو، المدير التنفيذي لجمعية النهضة الخيرية للتنمية المتكاملة، والتي انطلقت من إقليم هرر شرقي البلاد.
يشار إلى أن الجمعية بدأت نشاطها من شباب بمدينة هرر، حيث المكتب الرئيسي، ولها 3 أفرع بإقليمي هرر والصومال ومدينة دري داوا، التي تتمتع بحكم إداري خاص كما هو حال العاصمة أديس أبابا، وتنفذ الجمعية عملها في أكثر من 10 مدن في عموم إثيوبيا، بحسب إفادة المدير التنفيذي للجمعية.
وأوضح أكليلو، لـ"العين الإخبارية"، أن محاربة الفقر وإعادة تأهيل المشردين من الشباب والنساء من أبرز مشروعات الدعم بالجمعية، مشيرا إلى أن الجمعية كما وزعت مؤخرا كراسي متحركة للمعاقين من أصحاب الهمم.
وقال: "الجمعية بدأت قبل 12 عاما بـ15 شابا، لكنها اليوم أصبحت منظمة كبيرة جدا وتعمل في مختلف المجالات بعد أن تمت شراكة مع الحكومة عبر مشروعاتها التنموية في أكثر من 10 مدن بالبلاد، منها إقليم هرر، الذي نشرف عليه".
وأضاف: "الهدف الرئيسي من عمل الجمعية أن يصبح الشباب العمود الفقري للمجتمع ويخرج من دائرة تلقي المعونات إلى المنتج والسند لمجتمعه متسلحا بالقيم والأخلاق الفاضلة".
ولفت أكليلو إلى أنهم ينظمون دورات تدريبية لتعزيز المهارات الحياتية من خلال مشاريع تعليم وتدريب المحتاجين على كيفية الإنتاج.
وأرجع تركيز دور الجمعية على الشباب لسرعة استيعابهم وإمكانياتهم لتنفيذ المشروعات التنموية في بناء البلاد، والمساهمة في التغيير ونقل تجاربهم للأجيال اللاحقة.
وقال: "الجمعية تقدم الغذاء والمأوى والعلاج والدعم النفسي والاجتماعي لمستهدفيها بجانب الدورات التدريبية، لرفع قدراتهم المهنية والإدارية الأساسية، ومن ثم مدهم بالأدوات اللازمة لعملهم".
وأوضح، أكليلو، أن جمعية النهضة بإقليم هرر تستهدف سنويا 175 مستفيدا، بميزانية قدرها 8.3 مليون بر إثيوبي تقدمها الحكومة ضمن مشروع برنامج شبكة الأمان الذي يموله البنك الدولي.
وأضاف: "هناك مشروعات وبرامج أخرى نعمل عليها من خلال توظيف المساعدات النوعية التي تقدمها منظمة إنسانية ألمانية، حيث نستقبل مستفيدين كل 5 أشهر".
ولفت إلى أن أعدادا كبيرة من الشباب الذين استفادوا من مشروعات الجمعية تغيرت حالتهم الاجتماعية، وكان بينهم شباب يعانون من الإدمان.
وشالتو محمد، إحدى المستفيدات من الجمعية، وتعتبر إحدى النماذج الناجحة التي غيرت مشروعات الجمعية الخيرية حياتها، بعد أن كانت واحدة من المشردات بشوارع مدينة هرر الإثيوبية، لكنها أصبحت اليوم صاحبة مشروع منتج.
وقالت شالتو، لـ"العين الإخبارية": "كنت في العاشرة من عمري وخرجت من أحضان أسرتي إلى الشارع في مدينة هرر بسبب وفاة أمي وزواج أبي من امرأة أخرى رفضت أن تقبلني كابنة لها".
وتابعت وهي تداري دموعها حينما تذكرت تلك الأيام وكيف وجدت نفسها في الشارع بعد ترك الدراسة من الصف الثاني الابتدائي، لتصبح مشردة بالشوارع لـ10 سنوات: "انتقلت من مدينة هرر إلى العاصمة أديس أبابا، وهناك نمت في الشوارع لفترة أنجبت طفلة أصبحت الآن كل حياتها".
وأضافت: "تلك الأيام كانت عصيبة جدا، وقضيتها تحت الأمطار الغزيرة وتعرضت خلالها لمضايقات من المشردين والسكارى، وحتى الحيوانات المفترسة واجهتها في بعض الأحيان".
وتحدثت شالتو، بكل حب وتقدير لأفراد جمعية النهضة، وقالت: "قبل 4 أشهر تركنا حياة التشرد أنا وابنتي بفضل الله وبفضل هذه الجمعية التي منحتنا مأوى وفرش، وقررت أن أبتعد عن حياة التشرد، وأقسمت ألا أعود مرة أخرى إلى هذه الحياة".
ولفتت إلى أنها رفضت أن تعيش في أديس ابابا مشردة وأخذت ابنتها وعادت إلى مدينة هرر وفتح الله عليها عبر الجمعية، موضحة أنه لم تتحدث مع والد طفلتها، التي يبلغ عمرها الآن العام، وعادت بها إلى هرر.
وأضافت: "الجمعية توفر لنا الزيت والصابون والسكن، وخلال فترة وجيزة من التدريب المكثف تعلمت مهنة التنظيف، والآن أعمل منظفة في المكاتب وستترعرع ابنتي في أمان في هذا المكان بإذن الله".
شالتو، التي كانت يملأها الأمل وتتمنى حياة أفضل بعد تذوقها لطعم التشرد ومرارته، دعت جميع الشباب والسيدات المشردات في الشوارع والطرقات إلى البحث عن حياة جديدة بعيدة، وقالت: "لمن يسمعني، حياة التشرد صعبة أكثر مما تتصوروا، ولا أتمني أن يمر أحد بما مررت به في حياتي".
وأضافت: "كل همي اليوم أن أحاول بقدر ما أمكن ألا تمر ابنتي بما مررت به حتى لا تعاني كما عانيت".
وحول تجربتها مع جمعية النهضة الخيرية، قالت شالتو: "أقلعنا عن الإدمان وتلقينا العلاج بعد كل المشكلات النفسية التي ظلت تلازمنا، وهذا بفضل الدورات التدريبية العلمية المكثفة".
وقالت: "أنا وابنتي هنا لفترة قصيرة وسنخرج من هذا المنزل الذي أجرته لنا الجمعية مع 80 امرأة أخرى، وتعهدت الجمعية لنا برعايتنا 6 أشهر انقضى منها 4، وبعدها سنبحث عن حياة من خلال ما تعلمناه ونتيح الفرصة لأخريات".
ولفتت إلى أن الجمعية دربتهم وعلمتهم كيف تديرون شؤون حياتهم، وأضافت: "أصبح لي مهارات تعلمتها منهم وأستطيع أن أدير شؤوني وستدفع لي الجمعية إيجار المنزل لمدة شهرين وبعدها سأنطلق في حياتي".
يشار إلى أن جمعية النهضة الخيرية بإقليم هرر، هي إحدى فروع الجمعية الكبيرة الموجودة في عدد كبير من مدن إثيوبيا، وهي شبه رسميةـ حيث بدأت بمبادرة شبابية وأصبحت تنسق مع الحكومة والمنظمات الإنسانية العالمية والمحلية لتوصيل ودعم المجتمعات المحتاجة وخاصة المشردين.
وضمن مشروعات الجمعية بإقليم هرر شرقي إثيوبيا، تم تأجير مبنى من طابقين، لتسكين المشردين وتدريبهم لفترة 6 أشهر، حيث يوجد في إحدى طوابق المبنى جناحا للرجال فيما خصص الطابق الآخر للنساء".
aXA6IDMuMTM3LjE2NC4yMjkg
جزيرة ام اند امز