إثيوبيا واللغة العربية.. علاقات عريقة تثبتها "النقوش"
تعتبر إثيوبيا من الدول التي تكثر فيها اللغات واللهجات، إذ يتراوح عدد لغاتها الوطنية بين 70 و80.
وبالرغم من تعدد اللغات في هذه الدولة الأفريقية التي تجاوز تعدادها الـ 100 مليون نسمة، شكلت اللغة العربية فيها حضورا قويا وعلاقات تليدة وتاريخ عريق أثبتته النقوش والمخطوطات فضلا عن المعاملات التجارية التي عززها الإسلام منذ أن حط الصحابة رحالهم في أرض الحبشة في العام 615 ميلادية.
وتتمتع اللغة العربية بمكانة متميزة على الخارطة اللغوية الإثيوبية، حيث استقرت في البلاد منذ وقت طويل يسبق دخول أي لغة أوروبية إليها.. "العين الإخبارية" التقت الباحث الأكاديمي الإثيوبي حسن محمد كاو، الأستاذ المحاضر بجامعة أديس أبابا، بجانب تحضيره لرسالة الدكتوراه في مجال تاريخ الكتابة والكتب بجامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، لكشف التفاصيل.
وقال حسن محمد كاو، إن المخطوطات العربية لها علاقة بهجرة الصحابة إلى أرض الحبشة فأول كتابة وصلت إلى الحبشة كانت رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملك "أصحمة بن أبجر النجاشي"، مشيرا إلى أن الرسالة كانت عبارة عن دعوة من الرسول ليقبل الملك النجاشي الإسلام.
وتعود حكاية الهجرة النبوية الأولى، إلى قرية النجاشي بإقليم تجراي شمال إثيوبيا على بعد نحو 770 كم من العاصمة أديس أبابا، حيث حط الصحابة رحالهم، وشيدوا بها أول مسجد في أفريقيا، كأول أرض أفريقية عرفت الإسلام، حين أمر النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) صحابته في السنة الخامسة من البعثة (615 ميلادية) بالهجرة إلى الحبشة، حيث أحسن ملكها "أصحمة بن أبجر النجاشي"، معاملتهم، ورفض تسليمهم إلى قريش.
وتابع "كاو": وعقب تلك الرسالة ووصول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة بدأوا يتدارسون القرآن في تلك الفترة، ولم تكن الكتابة متطورة وتوجد بصور مختلفة منها ما هو مكتوب على الأحجار، ومنها ما هو مكتوب على الأخشاب ولم تُجمع في شكل صحيفة.
ولفت إلى أن طبيعة الإسلام تشجع على القراءة وهو ما ساعد في انتشار اللغة العربية بالحبشة، وساهم بالتالي على نشر ثقافة القراءة والكتابة.
وأضاف: نمتلك أدلة كثيرة على ذلك بالنقوش التي كتبت باللغة العربية على القبور خاصة في إقليم تجراي الذي شهد استقبال الصحابة، ومنطقة هرر شرق البلاد ومنطقتي بالي، وأرسي في إقليم أوروميا، مؤكدا على أن كل تلك المناطق تقف آثارها شاهدة على وجود اللغة العربية بإثيوبيا منذ وقت بعيد.
وتابع "كاو": أقدم نقش حجري مكتوب بالحرف العربي في إثيوبيا نجده في منطقة "كويحا" بإقليم تجراي ويعود للعام 361 هجرية، فهو منقوش على أحجار ثابتة تبقى لأزمنة طويلة وهو ما يؤكد بأن هناك شعوب كانت تعيش حول هذه المناطق.
وكشف أن المخطوطات المكتوبة باللغة العربية في إثيوبيا تعود إلى العصور القديمة، وأكد على أن هذه المخطوطات منشورة ومطبوعة وأول من نشرها العالم الايطالي "شيرو لي" وتعود إلى العصور الأولى حتى القرون الوسطى في عهد مملكة "ايفات".
وأشار إلى أن المخطوطات القديمة بدأت تكثر بسبب هجرات علمية من الحبشة إلى العالم العربي والعالم الإسلامي، بهدف التعلم ولهم في العالم الإسلامي والعربي أربطة وأروقة خاصة بهم لأهل المنطقة والقرن الأفريقي عموما.
وأوضح أن أروقة الإثيوبيين موجودة في بلاد الشام بالمسجد الأموي الكبير وهي ما ذكرها الرحالة ابن بطوطة ورأى ركن خاص بالزيالعة في كتابه المشهور، وكذا في الأزهر الشريف واليمن كالمدرسة التي تعرف بالجبرية في مدينة الزبيد يدرس فيها الطلاب من القرن الأفريقي والعالم العربي، وقد تأسست على يد شخصيات لها أصول في القرن الأفريقي أوالحبشة بالتحديد.
وتحدث "كاو"، بشئ من الفخر والاعتزاز لعلاقة إثيوبيا باللغة العربية، وقال إثيوبيا تتمتع بتاريخ عريق مع العربية يمتد إلى ما قبل الإسلام، وتؤكدها المخطوطات التي وجدت مكتوبة باللغة العربية إلى جانب اللغة المحلية.
ولفت إلى أن المخطوطات التي كتبت باللغة العربية ألفها علماء محليين من إثيوبيا فضلا عن جهود أخرى في نسخ الكتب القديمة التي ألفت في الدول العربية، وقال إن العلماء الإثيوبيين ألفوا كتبا في مجال الفقه، وعلوم اللغة العربية نفسها بأنواعها المختلفة ومجال علم المنطق والفلسفة حتى في مجال الطب وجميعها كانت باللغة العربية.
ولفت إلى العلاقات التجارية القديمة بين إثيوبيا والجزيرة العربية، حيث كان التجار العرب يأتون إلى إثيوبيا من هذه المنطقة ويذهبون إلى العالم العربي.
وأشار إلى أن التجارة في العصور القديمة لم تستخدم الكتابة لكن دخول الإسلام شجع مهارة الكتابة والقراءة باللغة العربية، وهو ما ساعد في أن تصل اللغة العربية إلى هذه المنطقة بقوة وخير شاهد على ذلك المخطوطات العربية الموجودة.
وقال إن اللغة العربية في إثيوبيا هي لغة الثقافة، والناس هنا دون أن يتركوا لغتهم الأصلية المحلية يتعلمون اللغة العربية.
وأوضح أن من ضمن اللغات الإثيوبية (الأعجمي) التي كتبت بحرف عربية مثلها مثل الأردية، والفارسية، ولغات إثيوبية مثل الأورومية والأمهرية التجرانية والهررية كأقدم لغات، ولها كتب قديمة كثيرة كتبت قديما بالعربية إلى جانب اللغات القبينية والسلطية والصومالية والعفرية والولنية.
وأضاف أن هذه الكتب القديمة تحتوي عدة موضوعات أكثرها في المدائح النبوية وكتابة التاريخي المحلي، أو تدوين عن الحياة اليومية.
وتابع: اللغة العربية خدمت أيضا الكنيسة الأرثوذكسية بإثيوبيا، فهناك إنجيلا باللغة العربية أو فوائد كتبت باللغة العربية، ويرجع ذلك إلى العلاقة المتينة للكنيسة الإثيوبية مع مصر حيث كان يعين البابا للكنيسة الأرثوذكسية في إثيوبيا، وكانوا يكتبون مذكراتهم اليومية باللغة العربية، مؤكدا أن هذه النماذج مازالت موجودة في الكنائس الإثيوبية.
aXA6IDEzLjU5LjIuMjQyIA== جزيرة ام اند امز