47 عاما من القتال.. خريطة الحركات المسلحة في إثيوبيا
بعد نحو شهرين على تجدد القتال في إقليم تيغراي إثر انهيار هدنة الخمسة أشهر، كان طرفا الأزمة على موعد مع محادثات للسلام في جنوب أفريقيا.
تلك المحادثات، والتي دخلت يومها الثاني، وسط تعتيم إعلامي كبير على مخرجاتها، يأمل من خلالها المتحاورون ورعاتها إلى وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى تيغراي حيث يواجه كثيرون الجوع، إضافة إلى انسحاب القوات الإريترية.
- تيغراي.. الجيش الإثيوبي يتقدم ووفدا مفاوضات السلام بجنوب أفريقيا
- مفاوضات جبهة تيغراي وحكومة إثيوبيا.. هل تنهي بريتوريا صراع العامين؟
ووسط تأكيدات بأنه لا حل عسكري للصراع في تيغراي، يأمل المجتمع الدولي أن تمثل هذه المحادثات أكثر السبل الواعدة لتحقيق سلام وازدهار دائمَين لجميع الإثيوبيين، وإسكات البنادق في سبيل الوصول إلى إثيوبيا موحّدة ومستقرّة ومسالمة وصامدة.
إلا أنه للوصول إلى هذه النقطة وما قبلها من اقتتال بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تيغراي، يجب التفتيش في الذاكرة عن اللمحة التاريخية حول هذا الصراع.
جذور الصراع
قبل وصول رئيس الحكومة آبي أحمد إلى السلطة في إبريل/نيسان 2018، من خلال ثورة شعبية أطاحت بنظام الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا التي ظلت متربعة على الحكم بإثيوبيا لنحو 27 عامًا، كانت الحركات المسلحة والمعارضة الإثيوبية تقيم في إريتريا لأكثر من 20 عامًا.
وظلت هذه الحركات تعيش في تحالفات مختلفة، محاولة الإطاحة بالجبهة الثورية الديمقراطية لعشرات السنوات، متخذة من العداء وقتها بين النظامين في إريتريا وأثيوبيا ثغرة لتحقيق أهدافها، إلا أنها فشلت في الوصول إلى أديس أبابا.
وما إن اندلعت ثورة شعبية في إثيوبيا كان فيها لإقليم أوروميا وأمهرة الدور الأكبر، صاحبها مواجهات شعبية وصلت أطراف العاصمة وكادت أن تعصف بالدولة الإثيوبية، إلا أن نظام الجبهة الثورية اتخذ وقتها قرارًا بانتخاب آبي أحمد أحد محركي التغيير رئيسا للجبهة ورئيسًا للحكومة.
بعدها شهدت إثيوبيا في السنة الأولى من وصول آبي أحمد، للسلطة عصرا ذهبيا، بإصداره قرارات العفو العام عن الحركات والمعارضة المسلحة والمصنفة إرهابية في إريتريا ورفعها من قائمة الإرهاب.
بعدها عادت جميع الحركات المسلحة بعضها بعتادها لإثيوبيا بينها، لتأتي قرارات حكومية أخرى تسمح لهم بممارسة العمل السياسي السلمي.
إلا أن هذه التحولات، قوبلت بحجر عثرة، بعد أن أعلن آبي أحمد، اعتزامه توحيد الائتلاف الحاكم في حزب وطني واحد تحت مسمى "الازدهار"، وهو ما رفضته جبهة تحرير تيغراي التي هيمنت على الحكم في إثيوبيا لنحو27 عامًا.
وما إن أعلنت الجبهة قرارها، حتى عادت إلى إقليمها (تيغراي) لترتيب نفسها بهدف الإطاحة بآبي أحمد، ليبدأ معها تاريخ جديد للحركات المسلحة في إثيوبيا.
فماذا نعرف عن الحركات المسلحة الحالية بإثيوبيا؟
"أونق شني"
جماعة مسلحة منشقة عن جبهة تحرير أورومو المعارضة، التي عادت بمقاتليها دون نزع سلاحهم من إريتريا، منتصف سبتمبر/أيلول 2018.
وقعت اتفاق سلام وقعته مع الحكومة الإثيوبية في أغسطس/آب 2018، بالعاصمة الإريترية أسمرا، لوقف جميع الأعمال العدائية بين الجانبين.
تشكلت إثر الخلاف مع زعيم جبهة تحرير أورومو داؤود ابسا، بقيادة كومسا دريبا المعروف بـ "جال ميرو".
انشقت عن الجبهة لتشكل حركة مسلحة اتخذت من جنوب أوروميا قاعدة لعملياتها في منطقة غرب "غوجي"، وأربع مناطق أخرى في الإقليم وهي "وللغا"، "قلم"، و"هورو غودور" شرق وغرب.
بعدها شهد إقليم "أوروميا" تجاذبا واستقطابا من قوى معارضة، جعلت من الإقليم الاستراتيجي، مركزا للصراع مع رئيس الوزراء الإثيوبي.
شن مقاتلو الجبهة أعمالا عدائية تمثلت في القتل والنهب والاختطاف والسيطرة على مناطق واسعة، في أعمال اعتبرتها الحكومة حرب وكالة تنفذها الحركة لجهات خارجية.
الصراع لا زال مستمرا مع الحركة التي كادت تقترب من مناطق قريبة للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا العام الماضي بعد تحالفها مع جبهة تحرير تيغراي.
جبهة تحرير تيغراي
أنشئت كحركة صغيرة في 18 فبراير/شباط من 1975 ثم في غضون 16 عامًا تطورت إلى أقوى حركة تحرير مسلح في إثيوبيا.
قادت تحالفًا من الحركات الإثيوبية الأخرى وقتها وهي (المنظمة الديمقراطية لشعب أورومو، الحركة الديمقراطية لقومية أمهرا، المنظمة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا ) لتشكل ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا.
وصلت إلى سدة الحكم في العام 1991 بعد الإطاحة بنظام مينجيستو هيلي ماريام العسكري بعد 16 عاما من القتال.
سيطرت الجبهة على المشهد السياسي في إثيوبيا عبر الائتلاف الذي شكلته للتتربع على حكم إثيوبيا لنحو 27 عاما.
أطاح بها في 2018 ثورة شعبية اندلعت بإقليمي أوروميا وأمهرة أكبر أقاليم إثيوبيا سكانا ومساحة بعد مواجهات وحراك شعبي وصل أطراف العاصمة أديس أبابا.
حاولت بعد الإطاحة بها تكرار سيناريو 1975 بإقليم تيغراي، أملا في الوصول لسدة الحكم، إلا أنها قوبلت بحرب شرسة مع الحكومة الفيدرالية.
تمكنت في الجولة الثانية من الحرب اختراق إقليم أمهرة المجاور ووصلت إلى مشارف العاصمة أديس أبابا بنحو أكثر من 100 كيلومتر، لكن تراجعت على وقع الطائرات المسيرة للجيش الإثيوبي.
دخلت مرحلة جديدة من الحرب في 24 أغسطس/آب الماضي حاولت فيها اختراق إقليم تيغراي من منطقة "قبو- راياط بإقليم أمهرة، لكنها لم تتمكن من الزحف للأمام.
تراجعت أمام تمكن الجيش الفيدرالي من إعادة ترتيب صفوفه وشنه هجوما كاسحا من 8 جبهات مكنته من إعادة الجبهة إلى إقليمها الإداري.
لا تزال الحرب مستمرة مع جبهة تحرير تيغراي بالتوازي مع مفاوضات انطلقت بجنوب أفريقيا أمس الثلاثاء يقودها الاتحاد الإفريقي.
حركة غوموز الديمقراطية الشعبية
جماعة متمردة نشطت عسكريا في إقليم بني شنقول جومز الذي يقع به سد النهضة الإثيوبي وهو من الأقاليم الإثيوبية الغنية والذي يجاور السودان غربا وتنتشر به جماعات ومليشيات مسلحة من الجومز والقبائل الأخرى التي تقطن الإقليم.
وقعت الحركة في أكتوبر/تشرين الأول الجاري اتفاق سلام مع حكومة إقليم بني شنقول جومز بحضور مسؤولين من الحكومة الفيدرالية.
وافقت بموجب الاتفاق على العمل السلمي من داخل الإقليم فضلا عن المشاركة في الأنشطة المختلفة بالإقليم.
حركة تحرير شعب بني شنقول
إحدى الحركات المسلحة التي تنشط في إقليم بني شنقول جومز.
قاتلت إلى جانب جبهة تحرير تيغراي ضدّ نظام منغستوهيلي ماريام العسكري، بإثيوبيا حتى إسقاطه، لتعود بعدها إلى إقليم بني شنقول ومنه إلى السودان.
ظلت نشطه بالسودان، زاعمة أن إقليم بني شنقول حيث تستقر جزء من الأراضي السودانية والذي تم ضمه لإثيوبيا باتفاقية عام 1902 بين البريطانيين والإمبراطور الإثيوبي منيليك الثاني.
جبهة تحرير السيداما
جماعة متمردة نشطة في منطقة السيداما في إثيوبيا والتي أصبحت الإقليم العاشر بعد إجراء استفتاء العام الماضي تمخض عنه إنشاء إقليم السيداما.
تحالفت هذه الحركة المسلحة مع مجموعتين متمردة أخريين، وهما جبهة تحرير أوغادين الوطنية وجبهة تحرير أورومو.
دخلت في اشتباكات متقطعة من حين لآخر بمختلف مناطق إقليم السيداما مع القوات الأمنية للإقليم والجيش الإثيوبي.
لا تمثل خطرا كبيرا على الحكومة الفيدرالية، على خلاف حركات أونق شني وجبهة تحرير تيغراي التي تعتبر أخطر وأكبر الحركات المسلحة والمصنفة إرهابية.
جبهة تحريرأوغادين
تأسست عام 1984 على يد أفراد كانوا منخرطين في جماعات سابقة سعيا للحصول على حكم ذاتي للمنطقة الحدودية مع الصومال.
ظلت تقاتل الحكومة منذ عام 1994 انطلاقا من الحدود الإثيوبية مع الصومال.
أدرجتها أديس أبابا في يونيو/حزيران 2011 ضمن قائمتها للمجموعات الإرهابية، قبل أن يرفعها البرلمان الإثيوبي في مايو/أيار 2018، بين إصلاحات قادها رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، لتعزيز عملية السلام بين فرقاء الإثيوبيين.
ألغت حكومة الصومال في 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري قرارا يصنف الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين منظمة إرهابية، بعد 5 أعوام من وضعها على قائمة الإرهاب.
وعاد زعيم جبهة تحرير أوغادين المعارضة الأميرال محمد عمر عثمان وعدد من قيادات الجبهة إلى إثيوبيا، في ديسمبر/كانون الأول 2018، قادمين من العاصمة الإريترية أسمرا بعد 24 عاما قضوها في محاربة الحكومة الإثيوبية.
حركة تحرير جامبيلا
إحدى الجماعات التي شاركت في عمليات مسلحة، بعد أن لجأت إلى إريتريا، في العقد الماضي.
عادت الحركة وقياداتها إلى إثيوبيا بعد سنوات من القتال المسلح الذي خاضته الحركة ضد حكومات أديس أبابا السابقة.
حركات أخرى
ويوجد بإثيوبيا عدد من المليشات المسلحة التي لا ترتقي لحركات كبيرة غير أنها ظلت نشطة من خلال تحركات فردية وجماعية في مختلف الأقاليم ،الإثيوبية من عمليات اختطاف وهجوم على مدنيين وعمليات نهب وسرقات في أقاليم، أبرزها الأمهرة وبني شنقول جومز وجامبيلا وجنوب إثيوبيا.