مؤرخ إثيوبي يكشف نظام الخلافة بالحبشة.. ودور علماء الريف في نشر الإسلام
ضمن نفحات شهر رمضان المبارك، نواصل التجول مع الأكاديمي والمؤرخ الإثيوبي البروفيسور آدم كامل فارس حول دور الحبشة في رسالة الإسلام.
ونرصد خلال هذه الرحلة نظام الخلافة في الحبشة وكيفية التعليم وحفظ القرآن وتثبيت السيرة النبوية من خلال المدائح التي تعرف محليا بـ"المنظومة".
وأشاد المؤرخ والكاتب الإثيوبي آدم كامل، بدور العلماء والأئمة في الحفاظ على شؤون مسلمي إثيوبيا ونشر الإسلام بصورة عامة بالبلاد، وقال لـ"العين الإخبارية" إن العلماء هم من تولوا عملية الحفاظ على شؤون المسلمين في الحبشة، مشيرا إلى أن 86% من مسلمي الحبشة في الأرياف.
وأوضح كامل أن وجود مسلمي إثيوبيا بأعداد كبيرة في الأرياف سهل على الأباطرة في إثيوبيا إهمال شؤون المسلمين وبالتالي لم تظهر مكانتهم في تاريخ العالم الإسلامي وما قدموه للإسلام ولرسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.
وتابع أن هذه التحديات فرضت على العلماء والمشايخ بالريف مسؤولية توعية المسلمين والاهتمام بشؤونهم، وأضاف أن الفضل في إنقاذ مسلمي الحبشة من الجهل يعود للعلماء والمشايخ بالأرياف.
نظام الخلافة في الحبشة
ولفت كامل إلى أن علماء الأرياف في الحبشة اختاروا أسلوب الخلافة للحفاظ على إدارة شؤون تعليم المسلمين في إثيوبيا، مؤكدا أن ذلك ساعد في حل مشكلة المسلمين الذين حرموا من الثقافة والتعليم.وأوضح المؤرخ الإثيوبي أن نظام الخلافة في إطار التعليم الديني عند مسلمي الحبشة بدأ في الأرياف الإثيوبية من الشيخ فقيه هاشم في منطقة هرر شرقي إثيوبيا، وانتقلت الخلافة إلى الشيخ أحمد بن صالح في أرجوبا شمال البلاد، ومنه إلى الشيخ فقيه الزبير من شمال وولو، مشيرا إلى أن الخلافة انتقلت بعد ذلك لأكثر من 10 خلفاء حتى وصلت إلى الشيخ محمد زين (الداني الثالث).
وأشار إلى أن مسلمي إثيوبيا ظلوا يحافظون على الإسلام على مدار 220 عاما من خلال الخلافة حيث أمضى كل خليفة قرابة 20 سنة.
وأكد أن التعليم الديني كان يعرف بالدرسة "الطلبة" الذين يتلقون تعليمهم الديني عبر "الخلاوي" أو المراكز العلمية في الأرياف، وأضاف أن الخلاوي تولت إعداد المدرسين وعلماء الإسلام، وفي منطقة وولو بشمال إثيوبيا وحدها كان هناك خمس مراكز علمية، الى جانب مناطق أخرى هي (جيما، وهرر، وأرسي، وبالي).
وقال إن منطقة وولو كانت تعتبر أزهر الحبشة فيما بلغت مراكزها اليوم 220 مركزا علميا موزعة في 12 محافظة في منطقة وولو، وأضاف أن أكثر من 664 من العلماء تخرجوا منها في شتى المجالات من تفسير القرآن الكريم والأحاديث النبوية والصرف والبلاغة والمنطق والسيرة النبوية.
وأشار الى أن علماء الأرياف الإثيوبية لهم بصمات خارج البلاد في دعم اللغة العربية كتركيا ومصر وجاكارتا والسعودية، مضيفا أن مكة وما حولها كان بها نحو 82 عالما من الحبشة أبرزهم الكبير أحمد الذي أم المسلمين في الحرم المكي لمدة ثلاث سنوات، معتبرا أنه شاهد على دور علماء الحبشة في تعليم الأمة الإسلامية.
وحذر المؤرخ الإثيوبي من تناقص أعداد الأئمة والمشايخ بالريف، وقال إن خلو الأرياف من العلماء والمشايخ يؤدي إلى انقطاع الخلاوي من أداء رسائلها، مشيرا إلى وفاة أكثر من 34 من علماء الأرياف السنة الماضية.
طرق التدريس في الخلاوي
وحول أسلوب التدريس في أرياف الحبشة، قال كامل إن طريقة التدريس بخلاوي الريف تختلف عن المناهج التعليمية الأخرى حيث تبدأ عملية التدريس والتوجيه من سن الخامسة، مشيرا إلى أن المشايخ المعتمدين في القرية يتولون عملية تدريس القرآن الكريم للطفل عن طريق اللوح.وأضاف: "بعد إكمال الحفظ ينتقل إلى تعليم الفقه على المذهب الشافعي والحنفي ومن ثم اللغة العربية ولكل فن من فنون العلم مركز خاص ومشايخ متخصصون كل في مجاله".
ولفت إلى أن هذه الخلاوي تعتمد على الفلاحين في التمويل، مؤكدا على دور الفلاحين والرعاة في نشر الإسلام ونجاح التعليم الديني بالأرياف للحفاظ على التعاليم الإسلامية.
المنظومة والمدائح النبوية الحبشية
تُقام في إثيوبيا طوال ليالي شهر رمضان الكريم حلقات ذكر تعرف بـ"المنظومة" ويؤديها مدّاحون؛ حيث يستخدمون آلة الطبل خلال مدحهم للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والصحابة.والمنظومة تعتبر من الأنشطة التي تحيي ليالي رمضان؛ وتؤدى بطريقة جماعية وفق طقوس معينة في الجلوس والوقوف معاً، وقال كامل إن الفضل في نشأة المنظومة يعود إلى علماء الأرياف وكان الهدف منها نقل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأوضح كامل أن المنظومة تستعرض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم منذ ولادته وجهاده وأوامره ونواهيه، ومؤلفاته، وأضاف أنها تصف الوقائع وكأنهم كانوا بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتابع كامل أن شهر ربيع الأول يتحول في الأرياف إلى شهر الاحتفالات بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "خلال شهر ربيع الأول تنظم حلقات الذكر للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم من خلال المدائح النبوية المعروفة بالمنظومة في إثيوبيا".
ولفت إلى أن أغلبية سكان القرى والريف لا يكتبون ولا يقرؤون لذا تجدهم يهتمون بسماع المنظومة وعبرها تصلهم الرسالة الإسلامية.