"أفورتما" في إثيوبيا.. قصة مسجد بني على "قاعدة فقهية" (صور)
على قاعدة فقهية، يقف مسجد "أفورتما" بإقليم أوروميا في إثيوبيا شاهدا على حضارة إسلامية فريدة.
"أفورتما" بلغة قومية الأورمو أكبر قوميات إثيوبيا تعني "الأربعون"، وأطلق هذا الاسم على المسجد الذي أسس قبل أكثر من 190 عاما، ولم يتخل عن دوره حتى الآن في تعليم القرآن الكريم وعلومه.
كاميرا "العين الإخبارية"، توقفت في رحلتها أمام مسجد "أفورتما" بمدينة جيما غربي إثيوبيا، حيث بيّن الشيخ أحمد شريف، إمام المسجد وأحد أقدم مشايخ المنطقة سبب التسمية وما القاعدة الفقهية التي بني عليها.
وقال إن تاريخ إنشاء مسجد "أفورتما" يعود إلى الملك السادس ملك أبا بوقا عم الملك أبا جفار أحد ملوك آخر مملكة إسلامية بأرض الحبشة وقتها.
وأوضح شريف أن "أفورتما" تعود لقاعدة فقهية ونظرا لأقوال بعض فقهاء الإسلام بأن أقل عددٍ تُقام به صلاة الجمعة هو "40 رجلاً من أهل وجوبها مع الإمام"، مؤكدا أن المسجد بني على هذه القاعدة الفقهية قبل 190 في مساحة تسع أكثر من 40 مصليا وأقيمت به أول صلاة للجمعه في المنطقة.
وأشار شريف إلى أنه وفي فترة لاحقة من إنشاء المسجد تم جمع 40 عالما دينيا بمسجد "أفورتما" من مختلف مناطق البلاد (أرسي بالي، وهرر وولو، وتجراي) ، وعلماء من الجزائر والسعودية وذلك في عهد ملك أبا جفار (1878 -1932).
وأضاف أن المسجد كان بمثابة أول جامعة إسلامية في المنطقة، حيث كان يدرس به الشيخ عبدالحكيم الذي وفد إلى المنطقة من شمال إثيوبيا.
ومسجد "أفورتما"، له 7 أبواب لكثرة توافد العلماء وطالبي العلم، توجد إلى جانبه مقبرة على مساحة 100 متر، دفن بها ملك أباجفار وابنته التي كانت زوجة للملك أياسو، بجانب أكثر من 70 عالما من حفظة القرآن أحدهم من الجزائر وهو الحاج زكريا محمد، كان معلما للعلوم الشرعية في عهد الملك أبا جفار، وفق ما أفاد به إمام المسجد لـ"العين الإخبارية".
وأشار إلى أن المقبرة سجلت ضمن المعالم التاريخية لمنطقة جيما لوجود رفات الملك أباجفار فيها، وأضاف أن الملك كان يؤدي الصلوات الخمس بهذا المسجد ويحضر الصلوات وسط موكب يتألف من 80 حصانا.
رمضان بمسجد "أفورتما"
ويتميز مسجد "أفورتما" بمدينة جيما ببرامج مختلفة في شهر رمضان المعظم، فقد ظل على مدى أكثر من 190 عاما وجهة للفقراء ومتكئا للعباد والقراء في شهر رمضان،
وقال الشيخ شريف، إن هذا المسجد التاريخي يشهد في شهر رمضان حركة ونشاطا كبيرين، حيث يمتلأ بالمصلين الذين يأتون للمشاركة في برامج تلاوة القرآن والترتيل الجماعي.
وأكمل أن من البرامج الدينية تلاوة القرآن في شهر رمضان، حيث يتم ختم القرآن 3 مرات من قبل كبار العلماء في شكل مجموعات يصل عددها 10 قراء لكل مجموعة.
وأكد أن الملك أبا جفار كان يذبح ثورا يوميا للمصلين ويجهز لوجبة الإفطار وظل المسجد وجهة للفقراء من قديم الزمان.
وارتبط اسم مسجد أفورتما في منطقة جيما بالملك أبا جفار الذي حكم المنطقة ضمن فترة آخر الممالك الإسلامية ببلاد الحبشة، وكان لملوك أبا جفار دور في بناء المساجد وحماية المسلمين ولهم لمسات واضحة في أن يظل مسجد أفورتما وجهة لطالبي ودارسي العلوم الشرعية وتعاليم الدين الإسلامي.
وقال عالم الآثار بمنطقة جيما نجيب رايا إن مسجد "أفورتما" يعد من المعالم والآثار التاريخية بالمنطقة كأول مسجد أديت فيه صلاة الجمعة قبل 190 عاما، لافتا إلى أن المسجد يعتبر وجهة سياحية لما يحتضنه من آثار ومقبرة تاريخية.
وأضاف لـ"العين الإخبارية"، أن الملك أبا جفار كان يفاخر ببناء المساجد ويعود له الفضل في بناء نحو 300 مسجد في المنطقة، متابعا: "الشيخ عبدالحكيم قدم مبادرة لبناء مسجد في عهد الملك السادس أبا جفار أحد ملوك آخر مملكة إسلامية في منطقة جيما، وأصبح المسجد قبلة لكبار العلماء والتجار من مختلف مناطق إثيوبيا خاصة القادمين من شمال البلاد".
ولفت إلى أن الملك أبا جفار بعد وفاة الشيح عبدالحكيم، عمل على جلب علماء الدين الإسلامي من مناطق وولو وجوندر وهرر وأرسي وحتى من المملكة العربية السعودية والجزائر، وأضاف أن الملك منح هؤلاء العلماء أراضي زراعية وزوجهم من بناته ليشجعهم على الاستقرار وتدريس العلوم الشرعية الإسلامية لأهل المنطقة.
وأضاف أن من بين العلماء كان الشيخ كبيري روفي من منطقة ليمو بضواحي جيما، والذي ساهم بشكل كبير في نشر الإسلام بالمنطقة.
وأكد رايا الدور الكبير الذي قام به ملك أبا جفار في التعليم ونشر الإسلام والدفاع عن المسلمين في تلك الفترة.
وقال: "في عصر الإمبراطوريات الإثيوبية كان هناك اضطهاد واضح للمسلمين، وقدم ملك أبا جفار الكثير من الحماية للمسلمين في تلك الفترة وأصبحت المنطقة وجهة للمسلمين الفارين من اضطهاد الإمبراطور يوهانس الإثيوبي، خاصة أهل منطقة ولو بشمال إثيوبيا حيث لجأوا إلى منطقة جيما".
وأشار إلى أن منطقة جيما كانت مركزا لعلماء المسلمين في ذلك العصر وكانت تعد ثاني مركز لمسلمي إثيوبيا بعد منطقة هرر، التي تعتبر المركز الأول لعلماء المسلمين في إثيوبيا والثالث في أفريقيا.
ويوجد بمسجد "أفورتما" مركز لتدريس القرآن وعلوم الدين الإسلامي فهو وجهة لكل طالبي العلوم الإسلامية، ودرس به العديد من كبار العلماء الإثيوبيين أمثال أباروبي والشيخ آدم فهم من كبار علماء منطقة جيما.
ولا يزال المركز يقدم خدماته التعليمية والاجتماعية ويدرس به حاليا العشرات من طلاب العلم بينهم 60 دارسا لعلوم الدين الإسلامي.