تزخر مساحات كبيرة من الأراضي الإثيوبية بما يمكن تسميته مجازًا "الطبيعة البِكر"، التي لم تتدخل فيها يدٌ إلا يد الفطرة.
نباتات وتربة لها خواص نادرة، اكتُشف أن لها استخداماتٍ صحية وتجميلية اعتمد عليها الشعب الإثيوبي، كل حسب منطقته ومخرجاتها من طبيعة حية، ألِفتها المجتمعات التقليدية في جنوب وغرب وشمال إثيوبيا، التي لم تعتد استخدام مستحضرات تجميل إلا من مصادر طبيعية، ومما حولها من بيئة محلية شديدة الثراء والسحر.
ففي جنوب إثيوبيا مثلا، وتحديدا مناطق قرب وادي نهر أورومو، تعيش قوميات إثيوبية تختلف في ثقافاتها وإرثها الشعبي، فنساء "مرسي، همر، كونسو، دورز، يم، بودي"، لها طرقها الخاصة في استخدام أدوات التجميل، إذ إنها تقاطع كل المستحضرات المخلّقة والكيماوية، فيلجأن إلى مواد محلية تقليدية تنضح بها التربة العفيّة والطمي متعددُ الألوان، فمنه الأحمر والبني والأسود والأبيض.
وتعتبر نساء القوميات الإثيوبية أن هذه المواد هبة إلهية مُنحت لهن للتزُّين، لذا فلا يجب أن يخلطن ما هو سماوي بما هو مصنوع بطرق بشرية، فيما هناك ألوان أخرى من الطمي خاصة بزينة الرجال.. فضلا عن ألوان تعطي إشارات لبعض المناسبات العامة، فيما يتم خلط بعض المواد الطبيعية للوصول إلى مركبات جديدة من طين الأرض والطبيعة.
ولا يقتصر أمر التركيب على النباتات أو الطمي، بل ربما تدخل مواد مستخرجة من لحم وعظام الحيوان، الذي يعيش بهذه المناطق، طبقا لمعتقدات وموروثات يتناقلها الإثيوبيون من جيل إلى آخر.
وللرجال، كما للنساء، طقوسٌ وعادات ترتبط بالتزين، عبر خلط أنواع من الطمي متعدد الألوان، انتُزعت من الأنهار والمجاري المائية القريبة من محل إقامة السكان.
ويرسم الرجال بالطمي الملون على أجسادهم حلقة مصارعة، بالإضافة إلى أشكال مختلفة من الحيوانات المفترسة، فضلا عن علامات وأشكال أخرى تدل على الاحتفال بأعياد وطنية أو قومية أو دينية.
والتجميل لدى الإثيوبيين في هذه المناطق لا يقتصر على رسوم الجسد، بل يضم أزياء النساء والرجال في القوميات المختلفة، فلا يلبسون إلا أرديةً مصنوعة من جلد حيوان أو مواد خشبية، ويعتبرون مَن يرتدي ملابس عصرية ويتعطّر بما يخالف روائحهم، شخصا غريبا.. يخشونه كما لو كان مرضا أو لعنة.. وهذا ما يجبر الشباب، الذي غادر هذه المناطق وخرج للتعلم في الأماكن الحضرية، على التمسك بارتداء أزيائهم التقليدية حين يعودون إلى أبناء جلدتهم، فلا يفارقون تراثهم، بل يكونون حلقة جديدة من حلقات تداوله عبر الزمن.. وهذا أمر لم يمنع سكان هذه المناطق من التواصل مع الخارج، لكن إنسان هذه المنطقة يرى أن ثقافاته الأفريقية هي التي تميزه عن الآخرين وتُبقيه في ذاكرة البشرية حيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة