تعديل قانون المناخ في الاتحاد الأوروبي.. من المستفيد؟

ما زال إلقاء العبء على الدول النامية مستمرًا، في ملف أزمة تغير المناخ.. فمن المستفيد؟
في يوليو/تموز 2025، اقترحت المفوضية الأوروبية تعديلًا على قانون المناخ في الاتحاد الأوروبي، ووضع هدف مناخي لخفض الانبعاثات الدفيئة بنسبة 90% مقارنة بمستويات عام 1990، وذلك بحلول العام 2040.
وعلى الرغم من أنّ المقترح قد لقى التأييد من بعض الجهات والمؤسسات إلا أنه واجه أيضًا انتقادات على نطاق واسع؛ إذ وصفه بيان صادر عن "مركز القانون البيئي الدولي" (CIEL) بأنه "مقترح خطير، ينتهك طموحات المناخ، ويتيح ثغرات مثل تعويضات الكربون"، كما أنه يلمس أهداف الاتحاد الأوروبي المناخية.
من جانب آخر، رفض البرلمان الأوروبي طلب تسريع تعديل القانون قبل مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته الثلاثين (COP30) المقرر عقده في بيليم بالبرازيل نهاية العام 2025. وهذا يُشير إلى عدم الاتفاق الكامل على تعديل القانون والذي كان يهدف في الأساس لخفض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول العام 2030 والوصول للحياد الكربوني عام 2050.
من جانبه، يرى الدكتور "شريف الرفاعي"، خبير السياسات المناخية، في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أنّ هناك توجه عالمي تحديدًا بعد سياسات الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" بشأن الانسحاب من اتفاق باريس، وخفض تمويل العمل المناخي. هذا دفع بعض الدول الأوروبية أيضًا لمراجعة التزاماتها بالعمل المناخي، وهذا يعني أنّ "الاتحاد الأوروبي يتنصل من الالتزامات البيئية التي أقر بها من قبل؛ مستغلًا الحركة العالمية التي اتخذها الولايات المتحدة لخفض الالتزامات البيئية وحلفائها". لكن، هناك قصة وراء ذلك الهدف الذي تدعو إليه المفوضية الأوروبية.
شراء الخفض
خرج بروتوكول كيوتو عن "مؤتمر الأطراف المعني بالتغيرات المناخية في دورته الثالثة" (COP3)، والذي انعقد في مدينة كيوتو باليابان نهاية عام 1997، ومعه خرجت التزامات خفض الانبعاثات الدفيئة للدول المتقدمة المدرجة في الملحق الأول (Annex I) من "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" (UNFCCC)، وهذا يعني أنّ تلك الدول -المسؤولة تاريخيًا عن الانبعاثات الدفيئة التي تسببت في الاحتباس الحراري- ملزمة بخفض انبعاثاتها.
أما الدول النامية -التي لم تُدرج في الملحق الأول- لم يكن عليها التزامات للخفض. ودخل بروتوكول كيوتو حيز التنفيذ في فبراير/شباط عام 2005. على أن تكون المرحلة الأولى للبروتوكول بين عامي 2008 إلى 2012، وتبدأ المرحلة الثانية عام 2012.
وقد لجأت الدول المتقدمة إلى بعض الاستراتيجيات التي أتاحها البروتوكول لهم من أجل تحقيق التزاماتها من خفض الانبعاثات، ويشرحها "هشام عيسى"، خبير البيئية والتغير المناخي والمنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، قائلًا لـ"العين الإخبارية" إنّ "الدول الأوروبية كانت تمول مشاريع مناخية في الدول النامية خلال تلك الفترة والتي لم تكن فيها الدول النامية ملزمة بخفض الانبعاثات؛ وهذا أتاح لها الحصول على تكنولوجيا ومشاريع بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وفي المقابل يحصل الاتحاد الأوروبي على شهادات خفض الانبعاثات عبر آلية التنمية النظيفة (CDM)، كما تم اعتماد المرحلة الثانية في عام 2012، لكن لم تُنفذ بالشكل المطلوب؛ لأن الدول النامية صارت ملزمة بالخفض أيضًا فيما بعد".
تضارب
وفي نهاية العام 2015، استقبلت العاصمة الفرنسية، باريس، مؤتمر الأطراف المعني بالتغير المناخي في دورته الحادية والعشرين" (COP21)، ومن هناك خرج "اتفاق باريس" المنتظر؛ ليحل محل بروتوكول كيوتو، ومعه التزام للدول النامية بخفض انبعاثاتها الدفيئة أيضًا، ويقول عيسى شارحًا الفرق بين دور الدول النامية في خفض الانبعاثات الدفيئة في سياقي بروتوكول كيوتو واتفاق باريس إنّ "مشاركة الدول النامية في خفض الانبعاثات في سياق بروتوكول كيوتو، كانت بتتم بصفة طوعية من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر الذي كان يأتي من الدول المتقدمة التي عليها التزامات خفض الانبعاثات وتأخذ هي ذلك الخفض"، أما في سياق اتفاق باريس، فصارت كل دولة "تعتمد على نفسها في خفض الانبعاثات، وصار هذا التزام دولي يشمل جميع الأطراف". وهذا من شأنه أن يُحدث تضارب في مصالح الدول الأوروبية التي كانت تعتمد عبر بروتوكول كيوتو في خفض انبعاثاتها على المشاريع التي كانت تمولها في الدول النامية وتُحسب بعد ذلك ضمن إنجازات الدول الأوروبية في خفض الانبعاثات.
وعبء!
لذلك، تُطالب الدول الأوروبية بالعودة إلى سياسات الخفض الأولي الذي كان ساريًا قبل اتفاق باريس، لكن هذا من شأنه أن يُحدث تعارضًا مع آلية "التعديل المقابل" (Corresponding Adjustment)، التي وردت في المادة 6 من اتفاق باريس، وهي تعني التعاون الطوعي بين الدول في نقل نتائج التخفيف الدولية (ITMOs)، ما يساعد الدول في تحقيق خططها الخاصة بالمساهمات المحددة وطنيًا (NDCs).
ويُوضح "عيسى"، قائلًا أنّ "الدول النامية التي تبيع انبعاثاتها للدول المتقدمة، عليها أن تبذل جهودًا مضاعفة لخفض انبعاثات أكثر لتحقيق خططها للمساهمات المحددة وطنيًا". ويضرب مثالًا بأنه إذا هناك دولة نامية لديها خطة لخفض مليون طن من الانبعاثات الدفيئة؛ وقامت بالجهود اللازمة لتحقيق ذلك، ثم باعت المليون طن في شكل شهادات كربون من أجل الربح؛ فعليها أن تبذل جهدًا مضاعفًا لخفض مليون طن مرة أخرى.
ويصف تلك الظاهرة بأنها "نقل عبء خفض الانبعاثات تدريجيًا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية". ويتابع قائلًا إنّ هذا قد يُضطر الدول النامية إلى "شراء شهادات خفض الانبعاثات من الدول المتقدمة لتحقيق أهدافها، وهذا قد يُكلف الدول النامية".
تخفيف الأثر الاقتصادي
هناك ما يُسمى بـ"نظام تداول الانبعاثات" (Emissions Trading Scheme - ETS)، ويُعرف أيضًا بـ"نظام السقف والتداول" (Cap and Trade System)، ومن خلاله، تضع الحكومات للشركات والمؤسسات حد أقصى للانبعاثات الدفيئة، وإذا استطاعت المؤسسة خفض انبعاثاتها إلى الحد المطلوب؛ فقد أوفت بالتزاماتها، أما إذا خفضت الانبعاثات إلى حد أقل من المطلوب؛ ففي هذه الحالة، تستطيع تلك المؤسسة أن تبيع مقدار الخفض للمؤسسات التي لم تستطيع الإيفاء بالتزاماتها وتحصل على مقابل مادي.
ويمتلك الاتحاد الأوروبي أكبر سوق للكربون في العالم، والذي يُعرف بـ"نظام تداول الانبعاثات التابع للاتحاد الأوروبي" (EU ETS). ويرى "هشام عيسى" أنّ فكرة استخدام الإيرادات المستقبلية من سوق الكربون الأوروبي ذلك هو نوع من أنواع الدعم لمنتجي الاتحاد الأوروبي؛ لأنه سيمول الشركات والمؤسسات التي تحملت تكلفة في جهود الخفض بعائدات سوق الكربون الأوروبي، وهذا يعتبر دعم مباشر لمنتجات الاتحاد الأوروبي، ضد المنتجات القادمة من خارج الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني خفض أو ثبات أسعار منتجاتها مقابل ارتفاع أسعار المنتجات القادمة من خارج الاتحاد الأوروبي، وهذا في نفس الوقت قد يُسبب مشكلة للدول النامية التي قد تتحمل العبء الاقتصادي؛ نتيجة أن الدعم المباشر للمنتجين في الدول الأوروبية.
وبالفعل، أثارت "أورسولا فون دير لاين"، رئيسة المفوضية الأوروبية إدخال التعديلات على السياسات المناخية للاتحاد الأوروبي مرة أخرى في بروكسل ببلجيكا في أكتوبر/تشرين الثاني 2025، ولفتت النظر إلى إمكانية خفض الانبعاثات بنسبة 90% بحلول 2040، اعتمادًا على تمويل خفض الانبعاثات في دول أخرى ثم احتسابها ضمن إنجازات الاتحاد الأوروبي. وأشارت أيضًا إلى إمكانية استخدام الإيرادات المستقبلية لتخفيف الأثر الاقتصادي على الأسر الأوروبية.
مع ذلك، ما زالت هناك العديد من الاعتراضات على إجراء هذا التعديل في سياسات المناخ الأوروبية، والتي يراها المعترضون أنها نوع من التنصل من المسؤولية التاريخية للدول المتقدمة وإلقاء العبء على الدول النامية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg جزيرة ام اند امز