ماكرون وشولتز إلى نادي «البط الأعرج».. أوروبا تغرق في «الفراغ»
معارك الرئيس إيمانويل ماكرون في الداخل بعد انتخابات تركت فرنسا في حالة من الغموض والانقسام، تعني أن الرئيس يخاطر بفقدان نفوذه في بروكسل.
وقال دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي، لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية: "لقد تم تجنب الأسوأ"، في كلمات تعبر عن المزاج السائد في بروكسل ليلة الأحد الماضي عندما اتضح أن التجمع الوطني الذي يمثل تيار أقصى اليمين لن يحصل على أغلبية في البرلمان، كما توقع الكثيرون بعد الجولة الأولى من التصويت قبل أسبوع.
وبدلاً من ذلك، حل التحالف اليميني في المركز الثالث، خلف تحالف اليسار والوسط بزعامة إيمانويل ماكرون.
لذلك، فإن فشل حزب الجبهة الوطنية "أقصى اليمين" في الاستيلاء على مقاليد البرلمان الفرنسي، يسعد التيار الرئيسي المؤيد لأوروبا.
ولكن هنا تنتهي الأخبار السارة حيث غرقت فرنسا، إلى جانب ألمانيا، الوحش الكبير الآخر في الاتحاد الأوروبي، والتي لديها مشاكلها الداخلية الخاصة، في فوضى سياسية، إذ لم يفز أي حزب بمقاعد كافية للحصول على الأغلبية.
ووفق "بوليتيكو"، ربما يستمر هذا الشلل السياسي في أكبر اقتصاديين في أوروبا، لأشهر، ويلحق الضرر بالاتحاد الأوروبي.
وقال دبلوماسي آخر في الاتحاد الأوروبي، "إذا تعطل كل شيء قريبًا في كل من باريس وبرلين بسبب الخلافات السياسية الدولية، فستواجه أوروبا مشكلة حقيقية".
وفي الفترة الماضية، كان لماكرون حضور كبير على الجبهة الأوروبية، سواء من خلال إعادة تشكيل أجندة الاتحاد الأوروبي التجارية، أو الدفع باتجاه أجندة أكثر طموحًا للدفاع الصناعي والتنافسية، أو التطلع إلى مزيد من الاستقلالية الاستراتيجية قبل ولاية دونالد ترامب المحتملة في الولايات المتحدة.
"رئيس ضعيف"
والآن، وبعد الانتخابات المبكرة، أصبح الرئيس الفرنسي ضعيفًا ومشتتًا بسبب مشاكله في الداخل. وأياً كانت الحكومة التي ستنبثق في نهاية المطاف من البرلمان الفرنسي المجزأ، فمن غير المرجح أن تكون مستقرة لفترة طويلة.
كما سيضع السياسيون الفرنسيون الانتخابات الرئاسية لعام 2027 في أذهانهم أثناء اتخاذ القرارات من الآن فصاعدًا، إذ قد لا يتكرر تحالف أحزاب التيار الرئيسي واليسار لإبعاد تيار أقصى اليمين في هذه الانتخابات، وتسفر عن رئيس من أقصى اليمين.
وتقول سيليا بيلين من مكتب باريس للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث، "من المرجح أن تركز الحكومة الجديدة على القضايا الداخلية بدلاً من السياسة الخارجية.. ومع ذلك، ستظل السياسة الفرنسية مثيرة للانقسامات ويصعب إدارتها، الأمر الذي سيقلل من نفوذ فرنسا على الساحة الأوروبية والدولية".
أمام المخاوف الأوروبية، لجأ مانفريد فيبر، رئيس حزب الشعب الأوروبي، إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليقول: "بعيدًا عن توضيح الوضع السياسي، أغرق ماكرون فرنسا في الارتباك، مما عزز التطرف".
وتابع "أنا قلق للغاية من الخطاب المعادي للاتحاد الأوروبي من أقصى اليسار وأقصى اليمين"، مضيفًا "نحن بحاجة إلى قوة ديمقراطية قوية تقدم بديلًا حقيقيًا لإعادة فرنسا إلى الوقوف على قدميها"، في إشارة إلى حزب الجمهوريين (يمين الوسط)، وهو عضو في حزب الشعب الأوروبي.
وفاز الجمهوريون بما يزيد قليلاً عن 8% من الأصوات في الانتخابات الفرنسية.
فراغ قيادة
ووفقًا لمسؤول فرنسي رفيع المستوى، فإن القلق الرئيسي يتعلق بالمال: "نحن فقط لا نعرف كيف سنقوم بتمرير مشروع قانون المالية (موازنة الدولة) في هذا السياق السياسي، على الرغم من خطر قيام الاتحاد الأوروبي بتحريك إجراء العجز المفرط ضد فرنسا."
بصفة عامة، كان سيكون من السهل على الاتحاد الأوروبي التعامل مع الجمود الداخلي في فرنسا إذا كان النصف الآخر من المحرك "الفرنسي الألماني" يعمل بشكل جيد. ولكنه ليس كذلك.
فبعد نتائج الانتخابات الأوروبية الضعيفة للأحزاب الثلاثة في الائتلاف الألماني الحاكم، والتي فازت معًا بنسبة 31% فقط من الأصوات، تمكن المستشار أولاف شولتز من التوصل إلى اتفاق بشأن مشروع ميزانية لعام 2025، مما أدى إلى نزع فتيل أزمة - على الأقل في الوقت الحالي - كان من الممكن أن تطيح بحكومته.
وربما يكون شولتز قد نجا، لكن مشاكله الداخلية في الائتلاف تعني أنه لا يوجد وقت كافٍ للمستشار الألماني لقيادة الساحة الأوروبية.
وقال مجتبى رحمن، رئيس أوروبا في مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية في مجال المخاطر، إن ضعف ألمانيا وفرنسا يطرح تساؤلًا حول القيادة في أوروبا.
وأضاف لـ"بوليتيكو" أنه "لقد كان ماكرون يدفع باستمرار من أجل المزيد من الطموح في أوروبا، ويدفع باتجاه المزيد من التماسك وأن تصبح أوروبا لاعبًا جيوسياسيًا وجيواستراتيجيًا أكثر أهمية في العالم".
وتابع "مع إضعاف ماكرون بشكل أساسي في الداخل، وانشغاله بالحاجة إلى تشكيل حكومة، سيكون من الصعب جدًا أن يستمر في لعب هذا الدور. سيكون أقل طموحًا في أوروبا".
وشدد رحمن على أن كلاً من شولتز ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك يواجهان تحديات كثيرة في الداخل، ولا يمكنهما تولي زمام القيادة عندما يتعلق الأمر بأوروبا، فضلا عن أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، "لا تكون قوية إلا بقدر قوة أقوى أصحاب المصلحة"، مما يعني أنه لم يتبق أحد لملء الفراغ.
aXA6IDMuMTQzLjIzLjM4IA== جزيرة ام اند امز