طريق المريديان..مشروع القرن للتكامل الاقتصادي الإقليمي الأورو- آسيوى

طريق المريديان يعد بمثابة أحد أهم المسارات لتعزيز أواصر التعاون بين روسيا والصين
فى أعقاب منتدى "الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي" الذى عقد فى بكين في أبريل/نيسان الماضى، تم دمج الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي بقيادة روسيا ضمن مبادرة "الحزام والطريق الصينية (BRI)" من خلال إقامة مشروع ضخم، أطلق عليه اسم "طريق ميريديان السريع" أو "طريق الحرير الجديد".
هذا الطريق الجديد بمثابة أحد الطرق الهامة لربط الأسواق الصينية والأوروبية. ويأنى ذلك من خلال إنشاء طريق سريع بطول 1200 ميل يربط كازاخستان مع بيلاروسيا عبر الأراضي الروسية بقيمة 9.3 مليار دولار. ومن المخطط أن يتم افتتاح هذا الطريق السريع بحلول عام 2020.
ومن المنتظر أن يكون هذا الطريق من أكثر الطرق شموليةً بين أوروبا وآسيا التي تم إنشاؤها على الإطلاق، حيث يهدف إلى تعزيز التعاون البناء للدول الأوروبية الآسيوية بما يضمن التنمية الاقتصادية المستدامة والنمو الاقتصادي في المنطقة. كما يهدف إلى تصدير البضائع عبر القارات بشكل أسرع وأرخص وأكثر كفاءة. كما تم تصميم المسار أيضًا لاختراق المناطق المهمشة فيما يعرف باسم "حزام الصدأ" في روسيا. من ناحية أخرى.
ويهدف الطريق الجديد إلى تطوير روابط جديدة بين الدول في شكل طرق وسكك حديدية وجسور وموانئ بهدف ربط البلدان بطرق غير مسبوقة، وخلق فرص جديدة للشركات للعمل، الأمر الذي يولد بدوره نموًا اقتصاديًا أسرع، كما أنه من المتوقع أن يملأ فجوة اتصال واضحة على طول أحد أهم الممرات الصينية "طريق الحرير".
وعلى الجانب الروسي، ستحظى روسيا بأهمية كبرى في النظام العالمي متعدد الأقطاب، فمن خلال هذا الطريق، يمكن لروسيا أن تستفيد من موقعها الجيولوجي للمضي قدمًا في تحقيق التوازن الدولي، وأن تصبح جهة فاعلة اقتصادية ودبلوماسية لا غنى عنها على مدار العقود المقبلة مما سيعزز مكانتها فى أوراسيا نظرا لدورها فى الربط بين الشرق والغرب، كما ستحقق روسيا أرباحًا طائلة من خلال هذا المشروع الضخم الذي يسهل الاتصال بين القارات.
طريق المريديان: تعزيز مبادرة "الحزام والطريق"
يمكن القول إن طريق المريديان يعد بمثابة أحد أهم المسارات لتعزيز أواصر التعاون بين روسيا والصين. فبمجرد اكتماله يمكن اعتباره الجهاز العصبي لمبادرة الحزام والطريق الصينية التى يمتد نطاقها لتشمل تنسيق السياسات بين البلدان المشاركة، وربط البنية التحتية، والتعاون في مجال الاستثمار والتجارة، والتكامل المالي، والتبادل الثقافي والتعاون الإقليمي بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، من خلال إنشاء طرق تجارية مشتركة تحاكى طريق الحرير القديم.
ووفقا لمؤسسة ماكينزى، يمكن تشبيه مشروع الحزام والطريق بخطة مارشال التي تعود إلى القرن الحادي والعشرين. ومن المتوقع أن تتراوح قيمة نفقات البنية التحتية السنوية عبر مناطق أوروبا وآسيا وشرق آسيا والشرق الأوسط إلى ما بين بين ملياري دولار وثلاثة مليارات دولار. وتشمل تلك المبادرة أكثر من 70٪ من سكان العالم (4.4 مليار نسمة) و62٪ من إجمالي الناتج المحلي في العالم (حوالي 21 تريليون دولار أمريكي)، وما يزيد على ربع إجمالي تجارة السلع والخدمات عبر الحدود.
ومع الإعلان عن "طريق الحرير الجديد" تعتزم كلتا البلدين إنشاء طريق سريع طوله 5000 ميل ليصل بين روسيا والصين الغربية لربط موانئ هامبورغ وشانغهاي. يبدأ الممر في ميناء Lianyungang الصيني ويمتد على طول طريق Lianhuo السريع - أطول طريق في الصين - إلى ميناء Khorgos على حدود كازاخستان قبل أن ينتقل عبر روسيا في طريقه إلى أوروبا الغربية، ويمثل هذا الطريق دمجا لمحاور الطرق والسكك الحديدية والنقل الجوي، مما يمكن أن يحدث ثورة في الدور الاقتصادي لأوراسيا وتغيير سبل شحن البضائع بين الصين وأوروبا.
ويعد هذا المشروع نواة لسيطرة الجانبين الروسي والصينى على التجارة الدولية.
وبالرغم من أن روسيا كانت دائمًا مشاركًا رسميًا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، ظل مستوى الالتزام الفعلي الروسي موضع شك نظرا للمعوقات التى كانت تفرضها على الطرق البرية الرئيسية بين الصين وأوروبا والتى كانت تمر عبر روسيا، والتى تتمثل فى فرض عقوبات روسية ضد استيراد وعبور العديد من المنتجات التي يمكن أن يتم شحنها برا عبر الحدود بين أوروبا والصين، هذا إلى جانب أنها كانت تلعب دورا رئيسا فى تأخير أو عرقلة تطوير مشاريع البنية التحتية الرئيسية.
ووفقا للبنك الدولى، تُقدر التجارة في اقتصادات ممرات مبادرة الحزام والطريق بنحو 30% أقل عن معدلاتها، ويقدر الاستثمار الأجنبي المباشر بأقل من 70% من حجم الاستثمار المتوقع بتلك الاقتصادات. ومع استكمال تنفيذ مشروعات النقل الداعمة للمبادرة – بما فى ذلك طريق المريديان- من المتوقع زيادة التجارة بين 1.7% و6.2% على مستوى العالم، وزيادة الدخل الحقيقي العالمي بنسبة 0.7% إلى 2.9%.
ويمكن القول إن طريق ميريديان السريع يعد مؤشراً جيدًا على الاتجاه الذي تسعى إليه روسيا، حيث يكتسب الحزام والطريق زخمًا مع بداية تلك المشروع. وبالتالى يمكن لروسيا تدعيم الجانب الصينى من خلال إزالة الحواجز التجارية الصارخة في الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي، والتي تمثل واحدة من أكبر التحديات التى تواجه مبادرة "الحزام والطريق".
العوائد الاقتصادية المتوقعة
يتيح طريق المريديان البري إمكانية تحسين التجارة والاستثمار الأجنبي والظروف المعيشية بشكل كبير للمواطنين في البلدان التى يمر هذا الطريق من خلالها.
- تسهيل حركة التجارة: وفقًا لوزير النقل الروسي مكسيم سوكولوف، سيتم تصميم الطريق الجديد للسماح للسيارات بالسفر بسرعة متوسطة تبلغ 110 كم/ساعة، وبالتالى فإن الطريق الجديد سيوفر الوقت المستغرق بشكل كبير لتسليم البضائع -في كلا الاتجاهين- بين الصين وأوروبا. ووفقًا لوزارة النقل الروسية، بفضل الطريق الجديد لن يتجاوز نقل البضائع بين القارتين 11 يومًا، وهو أسرع بثلاث مرات تقريبًا من الوقت الحالي. بالإضافة إلى ذلك، سيكون هذا أيضًا أسرع بكثير من النقل البحري من الصين إلى أوروبا، والذي يقدر حاليًا بحوالي 45 يومًا، وكذلك أسرع من السكك الحديدية التى تستغرق 15 يومًا، مما يجعله أسرع خيار بري.
من المتوقع أن استخدام الطريق الجديد سيجلب كثيرا من الفرص والمزايا بشكل خاص لمصنعي السلع الصناعية والقابلة للتلف. كما سيساعد الطريق الجديد أيضًا على إعادة توجيه الشحنات في اتجاه آسيا - أوروبا بقناة السويس وطريق البحر الشمالي، وكذلك عبر السكك الحديدية عبر سيبيريا وطريق البحر الشمالي المرتقب عبر القطب الشمالي.
- خلق سوق حرة: يمر طريق ميريديان السريع عبر روسيا البيضاء وروسيا وكازاخستان - وجميعهم أعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي (EAEU) الذي يعد اتحادًا للتجارة الحرة والجمارك، بما في ذلك أرمينيا وقيرغيزستان. وبالإشارة إلى اتفاقية التجارة الحرة التى وقعتها الصين، فإنه من المتوقع أن تتمكن المنتجات الصينية بمجرد دخول تلك الاتفاقية حيز التنفيذ من السير على طريق ميريديان السريع، معفاة من الرسوم الجمركية، وصولاً إلى الحدود مع الاتحاد الأوروبي.
ووفقا لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، هناك حوالي 843 منطقة تجارة حرة عالمية، منها 802 منطقة في آسيا ترتبط بتصدير السلع المقلدة والمقرصنة.
- زيادة الاستثمارات: من المحتمل أن ينشئ رواد الأعمال شركات مختلفة على طول طريق ميريديان السريع لاستغلال ممر الاتصال بين الشرق والغرب. وسيتم توجيه حصة كبيرة من الاستثمارات في النقل والخدمات اللوجستية لبناء أو توسيع الموانئ ومرافق الموانئ. كما أن هناك شركات صينية - مثل تلك العاملة في مجال النقل والاتصالات - والتي تبدو الآن مستعدة للنمو لتصبح علامات تجارية عالمية. هذا إلى جانب أن هناك فرصة للصناعة الصينية من خلال قدرتها الإنتاجية الهائلة، خاصة في إنتاج الصلب والمعدات الثقيلة، حيث تجد منافذ مربحة على طول طريق الحرير الجديد.
ويمكن زيادة الاستثمارات من خلال تعزيز التعاون المالي في المنطقة لتمويل البنية التحتية من خلال التعاون مع المنظمات الدولية والمؤسسات المالية. كما يمكن طرح صندوق طريق الحرير عن طريق جذب رؤوس الأموال الدولية لإنشاء منصة تعاون مالي مفتوحة.
- تعميق التبادل الثقافي في المنطقة: يأتى ذلك من خلال التعاون في مجالات التعليم، العلوم، التكنولوجيا، الثقافة، الرياضة، السياحة، حماية البيئة والرعاية الصحية.
انعكاسات ممرات النقل على الإمارات العربية المتحدة
وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولى بعنوان "اقتصادات الحزام والطريق" الذى تضمن 71 اقتصادا عرفها باسم اقتصاديات ممر الحزام والطريق (الذين قاموا بعقد اتفاقيات تعاون مع الصين)، نجد أن نصف صادرات اقتصادات مبادرة الحزام والطريق استحوذ عليها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بأكثر من 200 مليار دولار أمريكي لكل منهما. وبالنظر إلى التدفقات الاستثمارية، تعد الإمارات واحدة من بين اقتصادات الممر التى استحوذت على 80% من إجمالى الاستثمار الأجنبى المباشر المتدفقة إلى دول الممر فى عام 2017.
كما أن هناك اختلافات كبيرة في الأداء اللوجستي عبر اقتصادات الممر. فوفقا لمؤشر الأداء اللوجستي لعام 2018 الصادر عن البنك الدولي، فإن الإمارات العربية المتحدة احتلت المرتبة الحادية عشرة عالمياً. وبذلك تقود دولة الإمارات العربية المتحدة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتتصدر الاقتصاديات الرائدة مثل هونج كونج والولايات المتحدة وسويسرا، وبالنظر إلى المؤشرات الفرعية، فقد جاءت الإمارات فى المركز الخامس بالنسبة للشحن الدولى، والمركز العاشر وفقا للبنية التحتية، والمركز الثالث عشر بالنسبة لتنافسية اللوجيستيات.
ومن ثم فمن المتوقع أن يؤدى طريق المريديان الجديد إلى ارتفاع حجم الصادرات والاستثمارات إلى دولة الإمارات من خلال تيسير حركة التجارة وتعزيز الاستثمارات. كما أنه من المتوقع أن يدفع طريق المريديان الروسي بمزيد من التعاون الإماراتى الصينى والإماراتى الروسي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAg
جزيرة ام اند امز