هل يستطيع الثلاثي الأوروبي فرنسا وألمانيا وبريطانيا أن يصمد أمام الإرادة الأميركية الخاصة بحظر التعامل مع إيران
من المؤكد أن العقوبات الأميركية الجديدة والتوجه الأممي لن تكون كافيةً لتعطيل تدفق الصواريخ الإيرانية إلى اليمن، وإلى المنطقة العربية. فلقد أوصى تقرير الأمم المتحدة باتخاذ المزيد من الإجراءات المماثلة، مثل وضع «آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة» بصورة دائمة في ميناء الحديدة؛ إذ يتعين على الوكالات الأميركية العمل أيضاً مع نظيراتها الأوروبية للتحقيق في أنشطة شراء الصواريخ الإيرانية المذكورة في تقرير الأمم المتحدة وتعطيلها، والنظر في فرض عقوبات مشتركة لفضح الجهات الإيرانية المعنية بالمشتريات التي تستخدم شركات واجهة تعمل في الخارج.
هل يستطيع الثلاثي الأوروبي فرنسا وألمانيا وبريطانيا أن يصمد أمام الإرادة الأميركية الخاصة بحظر التعامل مع إيران؛ وبفرض العقوبات على كل الشركات المتعاملة معها، أم سيحاول الحفاظ على مصالحهم التجارية مع الدولة المعاقبة ويستمر في الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران؟.
الإشكالية أن أوروبا لا تسعى لمعاقبة إيران على تهريب الصواريخ الإيرانية للمتمردين «الحوثيين»، وذلك لحفاظها على الاتفاق النووي الذي وقعته مع طهران، كما أن دولة مثل روسيا - لمعطيات التوازن الاستراتيجي في المنطقة تجاه الولايات المتحدة - قد أعاقت العديد من مشاريع قرارات مجلس الأمن الدولي تهدف إلى معاقبة إيران، في أعقاب التقارير السنوية المشينة حولها أعدها «فريق خبراء الأمم المتحدة تتضمن كوارثها في اليمن». خلصت بشكل قاطع إلى أن «إيران لا تمتثل للفقرة 14 من القرار 2216 (لعام 2015)»، في إشارةٍ إلى الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على توريد الأسلحة للمتمردين «الحوثيين» في اليمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وهناك أدلة مفصلة من قبل الأمم المتحدة وتقارير من اللجنة المختصة اعتبرت طهران غير ممتثلة، إذ ذكر: «إن جمهورية إيران الإسلامية. لم تمتثل إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع التوريد المباشر وغير المباشر لصواريخ «بركان- 2H» الباليستية قصيرة المدى أو بيعها أو نقلها، فضلاً عن صهاريج التخزين الميدانية للوقود «الدفعي» السائل ثنائي الداسر للقذائف وطائرة «أبابيل- ت» قاصف-1 الاستطلاعية من دون طيار، إلى «الحوثيين».
وقد حدّدت اللجنة الآن مؤشرات قوية على توريد المواد الخاصة بالأسلحة المصنعة في إيران والصادرة عنها، وذلك بعد وضع الحظر المستهدف لتوريد الأسلحة في 14 أبريل 2015، ولا سيما في مجال تكنولوجيا القذائف قصيرة المدى والمركبات الجوية من دون طيار، وكلها من مصانع إيران وبتعاون في مجال الصواريخ مع كوريا الشمالية، والتي نشرت بعضها في سوريا، وقامت إسرائيل بتدميرها وقتل طاقمها الإيراني.
وتُظهر النتائج كلها التي توصلت إليها الأمم المتحدة بوضوح أن إيران (فشلت في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع توريد المعدات العسكرية ذات الصلة أو بيعها أو نقلها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى مليشيا «الحوثيين»، التي تعمل بناءً على توجيهات من أفراد تم إدراج أسمائهم في القائمة). يتعارض الموقف الأوروبي والروسي والصيني من الاتفاق النووي الإيراني في مجمله جذرياً مع الموقف الأميركي الراهن، حيث يرى هذا التكتل الدولي بأن الاتفاق المبرم في 14 يوليو 2015 بفيينا يحدد البرنامج النووي الإيراني، ويقيّد أنشطة إيران النووية مقابل رفع تدريجي لنظام العقوبات الأميركية والأوروبية التي استهدفت إيران منذ إعلان الجمهورية الإسلامية. ووفقاً لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية تتعهد الدول المالكة للأسلحة النووية والأعضاء بمجلس الأمن الدولي بصون وتعزيز السلم والأمن الدوليين.
وعليه يجب أن تأخذ هذه الدول في اعتبارها مسؤولية مزدوجة في إطار عملها في مجال مكافحة الانتشار وضبط التسلح ونزع السلاح، وتستهدي بمبادئ ثابتة: العمل من أجل عالم أكثر أماناً، تطوير علاقات الصداقة بين الدول، منع تهديدات السلم، احترام حق الدفاع عن النفس، رفض سباق التسلح، التقدم نحو نزع السلاح العام والكامل. فكيف يمكن للثلاثي الأوروبي فرنسا وألمانيا وبريطانيا أن يعاقب إيران على تهريب الصواريخ مع الحفاظ على الاتفاق النووي؟
وهل يستطيع الثلاثي الأوروبي ضبط عزيمة الإيرانيين في امتلاكهم للسلاح النووي، أم ستمنع مصالح لوبي الشركات الأوروبية المستفيدة من السوق الإيراني. هذه الدول من القيام بذلك؟
وهل يستطيع الثلاثي الأوروبي فرنسا وألمانيا وبريطانيا أن يصمد أمام الإرادة الأميركية الخاصة بحظر التعامل مع إيران، وبفرض العقوبات على كل الشركات المتعاملة معها؟ أم سيحاول الحفاظ على مصالحهم التجارية مع الدولة المعاقبة ويستمر في الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، والعلاقات التجارية المتنامية ما دامت إيران ملتزمة بتعهداتها؟.
وإذا استطاع الثلاثي الأوروبي فرنسا وألمانيا وبريطانيا أخذ تدابير للحفاظ على مصالحها، من بينها السماح للبنك الأوروبي بالاستثمار مباشرة في إيران وتنسيق خطوط الائتمان المقومة باليورو من الحكومات الأوروبية. فهل يستطيع الصمود أمام هيمنة الدولار واتساع نطاق النظام المالي الأميركي، ووجود أنشطة للشركات الأوروبية في الولايات المتحدة، إضافة إلى خطوات ترامب لإضعاف منظمة التجارة العالمية؟ يُشار إلى أن وكالة «رويترز» نقلت عن دبلوماسي أوروبي كبير قوله إنه «سيكون من الصعب للغاية بالنسبة لنا الحفاظ على المنافع الاقتصادية للاتفاق الإيراني». كلها عوامل تضعف أي تدابير محتملة للاتحاد الأوروبي.
نقلا عن الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة