أوروبا عقب الانتخابات.. ملامح جديدة أم مقاربة قديمة تتجدد؟
أسئلة عديدة تثيرها نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي تمنح التيارات الشعبوية فرصة لاستعراض قوتها بما قد يغير ملامح القارة العجوز.
هل تتغير ملامح أوروبا في ضوء صعود اليمين المتطرف والمشككين بالوحدة عقب الانتخابات الأوروبية الأخيرة؟ أم أن محافظة التيارات التقليدية على صدارة الترتيب يطرح ذات المقاربة المتجددة؟
أسئلة عديدة أثارتها نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، هذا الاقتراع الذي يقول مراقبون إنه منح الفرصة للتيارات الشعبوية لاستعراض قوتها، بما قد يغير ملامح القارة العجوز على أكثر من مستوى.
فهل دخلت أوروبا بالفعل مرحلة جديدة تهيمن عليها الشعبوية؟ أم أن صعود هذا التيار المناهض للاتحاد الأوروبي لا يعدو أن يكون سوى موجة عابرة طالما لا تزال القبة التشريعية بالعاصمة البلجيكية بروكسل تحت هيمنة التيارات التقليدية (يمين وسط ويسار وسط)؟
والخميس الماضي، دعي أكثر من 400 مليون ناخب في جميع الدول الـ28 الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، بما في ذلك بريطانيا، للتصويت لاختيار 751 عضواً بالبرلمان الأوروبي.
ووفق النتائج الأولية للاقتراع الذي انتهى، الأحد، احتفظ حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط) بصدارة السباق، رغم فقدانه أكثر من 30 مقعداً، فيما تلقى الاشتراكيون والديمقراطيون في يسار الوسط ضربة، لكنهم حافظوا مع ذلك على المركز الثاني.
ملامح أوروبا لم تتغير
عماد الحمروني، الباحث في الجغرافيا السياسية بالعاصمة الفرنسية باريس، اعتبر أن خارطة الأحزاب السياسية داخل البرلمان الأوروبي لم تتغير كثيراً على مستوى القارة، عقب الاقتراع الأخير.
وأوضح الحمروني، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن اليمين والديمقراطيين المسيحيين حافظوا على تفوقهم بـ216 نائباً.
فيما حصد الاشتراكيون والاجتماعيون الديمقراطيون 185 مقعداً، يليهم الليبراليون والوسطيون بـ107 مقاعد.
أما أقصى اليمين فحصل على 58 مقعداً مقابل 38 لأقصى اليسار.
وبناء على ذلك، خلص الباحث إلى أن برلمان أوروبا لهذا العام لم يشهد إلا تغييراً طفيفاً مقارنة بما كان عليه إثر انتخابات 2014.
الشعبوية تتقدم شعبيا
الحمروني أقر بأن أحزاب اليمين الشعبوي والعنصري المتطرف تمكنت على المستوى الشعبي من تحقيق نجاح محدود؛ حيث تصدرت المشهد الانتخابي بفرنسا وإيطاليا، وحققت تقدماً في ألمانيا.
ومستدركاً: «لكنها لم تحرز اختراقاً كبيراً كما كان متوقعاً، بل على العكس من ذلك تماماً، أثبت الاقتراع الأخير أن هذه الأحزاب فقدت جاذبياتها لدى الشباب والطبقة المتوسطة الأوروبية، مقابل صعود أنصار البيئة والطبيعة».
وتفسيراً لأسباب صعود أحزاب اليمين المتطرف، لفت الخبير إلى أنها «استفادت من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتعفنة في أوروبا، وومن الفراغ السياسي الكبير، وأيضاً من موجة اللاجئين والعمليات الإرهابية».
تصويت انتقامي
الحمروني أشار إلى أن أوروبا ظلت وسطية وليبرالية في خياراتها ومقاربتها السياسية، ما يعني أن صعود اليمين المتطرف لا ينبغي التعامل معه على أنه مؤشر حقيقي لتبدل ملامح القارة العجوز، بل يجب التعامل مع الأمر بعمق يمكن من كشف ما وراء هذا الصعود.
وتابع أن الأحزاب اليمينية المتطرفة لا تمثل إلا 25 في المائة من جملة الناخبين، مع التأكيد على أن من ينتخبهم لا يحمل بالضرورة أفكارهم ونهجهم السياسي، بل هو فقط تصويت إدانة ورفض للخط النيوليبرالي، وهذا ما حدث على سبيل المثال في فرنسا.
ووفق الباحث، فإن معظم من صوّت للأحزاب المتطرفة هم من الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل، ما يؤكد أن التصويت كان نوعاً ما انتقامياً من السياسات النيولبرالية التي يرون أنها أدت إلى ركود اقتصادات عدد من بلدان القارة.
aXA6IDEzLjU5Ljk1LjE3MCA=
جزيرة ام اند امز