الفشل الأمني الأوروبي في ليبيا.. هل فات أوان تصحيح المسار؟
"أخطاء" أوروبية قوضت قدرتها في التعامل مع التحديات الليبية، وأفشلت خططها لإصلاح قطاع الأمن، لتنافسها المستمر ومحاولة تحقيق مكاسب آنية.
تلك "الأخطاء" التي تحدث عنها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في تقرير اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، أذكتها الانقسامات المستمرة للدول الأوروبية، وعدم قدرتها على إقامة شراكات مستدامة بشأن أولوياتها، والتي تتراوح من مبادرات الهجرة إلى استخدام قطاع أمني مُجدَّد.
والمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هو مركز أبحاث مستقل، تأسس في عام 2007، ويضم في عضويته رؤساء سابقين لدول أوروبية ورؤساء حكومات سابقين وحاليين ووزراء خارجية وأعضاء سابقين في الاتحاد الأوروبي وأمناء عام سابقين في حلف شمالي الأطلسي والمدير العام لمنظمة التجارة العالمية ومسؤولين رفيعي المستوى في الأمم المتحدة ورؤساء سابقين وحاليين لمنظمات المجتمع المدني بأوروبا.
فشل أوروبي
ورصد المجلس الأوروبي في تقرير له، كيف فشلت أوروبا في إصلاح قطاع الأمن في ليبيا، الذي قال إن التقدم في ذلك الملف، يعد شرطًا أساسيًا لنجاح أي مسار سياسي جديد في إجراء الانتخابات، وإخراج ليبيا من الفترة الانتقالية.
وقال التقرير الأوروبي، إن أن أحد "الأخطاء" المستمرة لدول القارة العجوز، في نزع السلاح والتسريح وإعادة إدماج المليشيات في المؤسسات الأمنية، هو الافتراض بأنه يمكن شراء المقاتلين، والافتراض بأن إصلاح قطاع الأمن يعتمد على الشخصيات المناسبة بدلاً من الأنظمة والعمليات.
وأشار إلى أن القادة الأوروبيين "استغلوا" المشهد الأمني الفوضوي في البلاد لتحقيق مكاسب قصيرة المدى، ما "أعماهم" عن الآثار المتوسطة والطويلة المدى للطبيعة الهجينة لقطاع الأمن الليبي، من المليشيات المسلحة التي لا يمكن السيطرة عليها، والجمود السياسي، وإساءة استخدام السلطة، واندلاع العنف المتكرر، وعدم الاستقرار المزمن في البلدان المجاورة.
المساعدة الأمنية
وبحسب تقرير مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي، فإن هناك إجماعًا على أن دمج المليشيات المسلحة في الشرطة النظامية والقوات المسلحة كان وصفة لـ"كارثة" أعاقت الجهود المبذولة لفرض سيادة القانون، مشيرًا إلى أن مقاتلين سابقين غير مدربين تولوا أدوارًا في الشرطة لم يكونوا مؤهلين لها، ما جعل تلك العناصر "تستغل" وضعها الرسمي وإمكانية الوصول إلى الموارد لتقوية علاقاتها داخل المجتمع المحلي، مما وفر لها امتيازات على حساب الدولة.
وأكد أنه رغم ضغط خطط سنوات من الدراسة الأكاديمية الحيوية في دورات استمرت أسابيع أو في أحسن الأحوال شهور، لدمج المليشيات المسلحة، إلا أن الجهود الدولية في هذا السياق والتي كانت "غير منسقة" فشلت في تزويد تلك العناصر بالتدريب الذي يحتاجون إليه لأداء وظائفهم بفعالية بعد الاندماج.
وأرجع التقرير الأوروبي، سبب فشل جهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في ليبيا إلى أن السلطات المحلية لم تقم بتسلسل دمج المقاتلين السابقين بناءً على تقييم دقيق لمتطلبات قطاع الأمن الليبي، الأمر الذي كان سيتطلب تحليلًا داخليًا وخارجيًا مفصلاً للتهديدات التي تتعرض لها البلاد.
قضية جانبية
وأشار إلى أن إصلاح القطاع الأمني كان إلى حد كبير قضية جانبية في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا والتي ركزت على تحديد موعد الانتخابات على حساب مناقشة أوسع حول الاستقرار أو حتى كيفية تسهيل التصويت.
وأكد التقرير الأوروبي، أنه بدون خطة شاملة لهيكلة السياسة والحوكمة الليبية، لم يكن من المرجح أن تعيد الانتخابات الانتقال السياسي في ليبيا إلى مساره الصحيح.
وقال مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي، إنه بعد فشل تلك الجهود، انتقلت مليشيات مسلحة إلى العاصمة طرابلس لحماية عبدالحميد الدبيبة، بينما يؤكد هو وخصومه السياسيون على المسارات الدستورية المتنافسة باعتبارها حيلة أخرى لتأجيل الانتخابات، بحسب التقرير.
وفيما فقد الزعماء الأوروبيون تأثيرهم على الأحداث، يعبرون عن آمالهم في أن تتمكن المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز بطريقة ما من استعادة العملية الانتخابية، إلا أن هذا الأمل بات شبه مستحيل بدون عملية سياسية أكثر شمولاً، بحسب التقرير الأوروبي.
طرق جديدة
وقال إنه بينما تركز الأمم المتحدة على قضايا مثل تسلسل الانتخابات التشريعية والرئاسية والعملية الدستورية، ووضع قانون انتخابي أكثر قوة، فإنه على الأوروبيين البحث عن طرق جديدة للحفاظ على زخم الإصلاح ومنع ليبيا من الانزلاق مرة أخرى إلى الصراع.
وشدد على أنه بدون محادثة حول إصلاح القطاع الأمني، ستكون الهياكل الحيوية لتوفير الأمن والبدء في استعادة سيادة القانون غائبة عن التخطيط المؤسسي في ليبيا، مؤكدًا أن هناك حاجة إلى نهج أكثر شمولية تجاه إعادة توحيد ليبيا وعملية السلام فيها بشكل عام عبر نهج يجمع بين المناقشات السياسية والأمنية وحتى القضائية.
"فالطبيعة المختلطة لقطاع الأمن الليبي، الذي يتسم بالعديد من المليشيات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة، خلق عقبات قانونية وإجرائية كبيرة أمام وكالات الاتحاد الأوروبي"، يقول التقرير مشيرًا إلى أن الافتقار إلى الشروط المرتبطة بتسليم المعدات الأوروبية سمح أحيانًا للحكومة الليبية بدمج عناصر المليشيات في قطاع الأمن الرسمي قبل تلقيهم التدريب.
وأكد التقرير أنه بعد سنوات من الشراكات الأمنية "الفاشلة"، بدا واضحًا أن القادة الأوروبيين ليس لديهم رؤية لإصلاح القطاع الأمني، مما أدى إلى تقويض المبادرات الأوروبية في ليبيا على المدى الطويل، بعد أن ركز صناع السياسة على الحلول المؤقتة لمشاكل اليوم.
تنافس كارثي
وأوضح التقرير الأوروبي، أن محاولات إيطاليا للتنافس مع فرنسا في ليبيا، دفع روما إلى دعم علني لمجموعات في غرب ليبيا، مما أدى إلى تبنيها نهجًا "مدمرًا" للشراكات الأمنية، كما يتضح من إنفاقها 32.6 مليون يورو منذ عام 2017 على خفر السواحل الليبي – الذي "أساءت" وحداته معاملة المهاجرين واللاجئين.
وأشار إلى أن هذه السياسة ساعدت في تقوية المليشيات المحلية "المفترسة والإجرامية" في كثير من الأحيان على حساب المبادرات لبناء قدرة حكومية هيكلية وشراكات الهجرة المستدامة.
"فعلى الرغم من أنها ساعدت في منع محاولات اللاجئين لعبور البحر الأبيض المتوسط في ذلك الوقت، إلا أن هذه السياسة عادت لتطارد إيطاليا، جراء فظائع حقوق الإنسان التي ارتكبتها المليشيات التي تمولها روما"، بحسب التقرير الأوروبي.
تصحيح المسار
وأوصى المجلس الأوروبي، قادة القارة العجوز بإعداد استراتيجية مشتركة رفيعة المستوى ومبادئ تشغيلية مشتركة، ووضع خطة متوسطة إلى طويلة الأجل لمساعدة قطاع الأمن، على أن تبدأ بإنشاء هيئة إصلاح القطاع الأمني مملوكة لليبيين، ومنحها بعض النفوذ السياسي، ودعم محاولاتها لإعادة تنظيم قطاع الأمن الليبي.
وأشار إلى أنه يجب أن يكون الهدف هو إنشاء مؤسسة يمكنها الصمود في وجه الصراعات والأزمات السياسية الحالية في البلاد، بالإضافة إلى دعم المبادرات المحلية والشركاء الذين يمكنهم المشاركة في برامج إصلاح القطاع الأمني قصيرة المدى.
وأكد المجلس الأوروبي، ضرورة أن تأخذ ألمانيا وفرنسا وإيطاليا زمام المبادرة في تحديد الأولويات والحدود والمبادئ التشغيلية لنهج الاتحاد الأوروبي المشترك لإصلاح القطاع الأمني في ليبيا، مشيرًا إلى أنه بدون استراتيجية وسياسة موحدة، فإن الأوروبيين سيهدرون أعظم أصولهم.
خطة أوروبية
وأكد ضرورة أن تؤدي هذه العملية إلى تحسين الدعم الفني الذي يقدمه الأوروبيون لليبيا وتحديد المجالات التي سيكون من الأفضل فيها العمل بشكل ثنائي أو في شراكات أو من خلال مؤسسات متعددة الأطراف.
ويتعين على بروكسل تنفيذ خطة أوروبية منسقة طويلة الأجل لإصلاح القطاع الأمني الليبي تتضمن آليات للتعاون ونقل المعرفة بين الأوروبيين، بحسب المجلس الأوروبي، الذي قال إن تحديد ورسم استراتيجية أوروبية لدعم إصلاح القطاع الأمني بهذه الطريقة يمكن أن يسهل أيضًا تعزيز التعاون متعدد الأطراف مع الشركاء الرئيسيين مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
وأشار إلى أنه إذا توصل الأوروبيون إلى إجماع حول نطاق تعاون إصلاح القطاع الأمني مع الناتو ، فقد يساعد ذلك أيضًا في إصلاح العلاقة بين أوروبا وتركيا في ليبيا.
وطالب المجلس الأوروبي قادة القارة العجوز بالشروع في إنشاء لجنة أمنية مشتركة كمرحلة ثانية من خطة إصلاح القطاع الأمني، ودعم اللجنة العسكرية الليبية المشتركة.
دعم فني
وأشار إلى أنه يمكن للدعم الفني الأوروبي أن يساعد في تعزيز سيادة القانون بطرق تحمي الليبيين العاديين؛ فالتحدي الرئيسي الآخر لمجلس الأمن المشترك يتمثل في التخطيط لتوحيد الشرطة والقوات المسلحة الليبية، وهي الخطوة الأولى نحو تطوير خدمات أمنية محترفة يمكن في نهاية المطاف إضعاف وتحييد تأثير الميليشيات الإجرامية والأيديولوجية.
وأكد أن هذه العملية ستكون مهمة في صياغة استراتيجيات شاملة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وزيادة الدعم الأوروبي لقطاع الأمن الليبي.
تغييرات تشغيلية
وسيتطلب توحيد الشرطة والقوات المسلحة الليبية أيضًا تغييرات تشغيلية مثل توحيد قواعد الاشتباك في جميع أنحاء البلاد، ما من شأنه أن يمكن المؤسسات الليبية الأخرى من إنشاء آليات إشراف على التسريح والاحتراف في قطاع الأمن، بحسب المجلس الأوروبي.
وطالب بإشراك أفراد قطاع الأمن في البرامج السياسية بالنظر إلى تأثير المليشيات المسلحة على السياسة والسياسة الليبية، مؤكدًا أنه سيكون من الحكمة التشاور معهم في المناقشات السياسية لكسب دعمهم للسياسات الوطنية لإصلاح القطاع الأمني.
وسيكون من الضروري بالنسبة للأوروبيين "ردع المفسدين المحليين والدوليين"، ما سيتطلب منها بناء قاعدة عريضة من الدعم الدولي لاستراتيجيتها الخاصة بإصلاح القطاع الأمني، بحسب التقرير الأوروبي.
aXA6IDE4LjIyNy4yMDkuMTAxIA== جزيرة ام اند امز